يشهد العالم الكثير من التطورات العسكرية على كافة الجبهات المشتعلة، سواء على ساحة الحرب الروسية الأوكرانية التي تجاوزت العامين في ظل تقدم روسي متسارع على الجبهة الأوكرانية مقابل تراجع كبير للقوات الأوكرانية، وخسائر متتالية في صفوفها، بالتزامن مع تراجع زخم الدعم السياسي والشعبي في أوكرانيا خاصةً، والقارة الأوروبية عامةً للقيادة الأوكرانية وسياساتها. ويأت التراجع الأوكراني في الحرب مع روسيا، بالتوازي مع تقارير تتحدث عن مشاركة قوات عسكرية أوكرانية في الصراعات المسلحة بإفريقيا مثل السودان وعدّة دول أفريقية وذلك باتفاق ضمني مع واشنطن وفق ما أكدته تقارير صحفية أمريكية. ووثقت وسائل إعلام في مارس الماضي، وجود القوات الأوكرانية في السودان والصومال وهو ما أثار ضجة كبيرة، ووضع قادة كييف أمام موقف محرج ، خاصة بعد إعلان الرئيس الأوكراني زيلنسكي الحاجة إلى تجنيد مئات الآلاف من الاحتياط حينها. لتصدر لاحقاً بعض التصريحات الرسمية عن مسؤولين أوكران تؤكد وجود قوات أوكرانية في السودان بحجة قتال " العدو الروسي" في أفريقيا، حسب قولهم. وإتساقا مع مشاركة القوات الأوكرانية في الصراعات بإفريقيا، أعلنت وسائل إعلام السبت 27 يوليو الجاري، سقوط 20 قتيل في صفوف الجيش المالي إثر كمين نصبته جماعات إرهابية ومتمردين من حركتي الأزاود والطوارق، الذين ينتشرون شمال البلاد، وذلك أثناء تقدم قوات الجيش لتحرير بلدة تينزاوتين، قرب الحدود الجزائرية، من الجماعات الإرهابية. كما انتشرت كثير من الصور والفيديوهات التي توثق ضحايا الجيش المالي، بالتزامن مع معلومات حول سقوط عناصر من مجموعة "فاغنر" الروسية في الهجوم أيضاً. وتم تداول صور وفيديوهات توثق وجود مرتزقة أوكران يقاتلون إلى جانب الجماعات الإرهابية في مالي ويدعمون متمردي حركة الطوارق، حيث ظهر في إحدى الصور عنصر وهو يرتدي البزة العسكرية الأوكرانية وعليها شعار القوات الأوكرانية. وتحدثت تقارير أن الانفصاليين الطوارق تم نقلهم إلى أوكرانيا وتدريبهم على تشغيل طائرات بدون طيار من طراز FPV ، مما يشير إلى تعاون وثيق بين القوات الأوكرانية والحركات الانفصالية في مالي. وبحسب مراقبون، فإن توثيق وجود القوات الأوكرانية في الصومال والسودان سابقاً، يعزز بشكل كبير صحة المعلومات حول وجودهم في مالي، خاصة أن رئيس المخابرات العسكرية الأوكرانية، كيريل بودانوف، قد أكد في وقت سابق، وجود القوات الأوكرانية في أفريقيا وهو ما يعني أن واشنطن حوّلت القوات الأوكرانية وعلى رأسها زيلينسكي لمجموعة من المرتزقة تنفذ أجندات أمريكا، وتقاتل لتحقيق مصالح القوى الغربية في كل بقاع العالم، كما يتم استنزافها في حرب بلا معنى أو جدوى مع الجارة الروسية، دون الاكتراث لمصير الشعب الأوكراني. كان موقع يو ريبورتر "EU Reporter" الإخباري الأوروبي، قد نشر في شهر أبريل الماضي مقالاً حول وجود قوات خاصة أوكرانية في السودان. وأشار الموقع إلى أن "قناة المعلومات" التلفزيونية الفرنسية، بثت لقطات من العمليات القتالية التي قامت بها القوات الخاصة الأوكرانية في السودان. كما نشرت شبكات تواصل ووسائل إعلام محلية وعالمية، مثل صحيفة "كييف بوست" الأوكرانية، و"سي ان ان" الأمريكية، وموقع "الايكونمست"، والغارديان، وصحيفة "وول ستريت جورنال" وبعض المواقع التركية والعربية، في وقت سابق تقارير ومعلومات توثق وجود القوات الأوكرانية في السودان. وكان رئيس المخابرات العسكرية الأوكرانية كيريل بودانوف، قد أكد في وقت سابق، صحة هذه المعلومات، حيث أشار أن قواته تقاتل إلى جانب الجيش السوداني ضد قوات الدعم السريع، مضيفًا أن "أوكرانيا بالفعل تنشر وحدات عسكرية خاصة في السودان "، وبأن "الهدف من وجود القوات الأوكرانية هناك هو القضاء على "العدو الروسي" في كل مكان". كما سبق وأعلن النائب في البرلمان الأوكراني أليكسي جونشارينكو في حوار مع شبكة سي ان ان الأمريكية، في فبراير شباط الماضي، استعداد كييف للقتال مع واشنطن في أي بقعة من العالم. في السياق ذاته، أفاد موقع "يو ريبورتر" إلى أنه هناك بالفعل تقارير عن وجود قوات خاصة أوكرانية في الصومال أيضاً. حيث تم رصد الأوكرانيين عدة مرات في مقديشو من قبل شهود عيان. كما ظهرت صواريخ جافلين أمريكية الصنع في السوق السوداء للأسلحة في الصومال بعد وصول الوحدات العسكرية الأوكرانية. وأشار الموقع، إلى شركة الأمن الأمريكية الخاصة Bancroft Global Development التي تنشط في الصومال منذ أكثر من عقد من الزمن هي التي تشرف على أنشطة الأوكران هناك. ونشرت بعض وسائل الإعلام نقلاً عن مصادر عسكرية صومالية، أنباء عن تحطم طائرة تابعة لقوات الاتحاد الأفريقي "أتميس"، في مارس الماضي، في مطار "جوهر" شمالي العاصمة مقديشو، أثناء هبوطها. وبحسب شهود عيان، فقد كان على متن الطائرة ضابطان أوكرانيان لم يُعرف مصيرهم، كما شُوهد إلى جانب حطام الطائرة صندوق يحمل سلاح "جافلين". وبحسب مصادر محلية صومالية، فقد شاركت القوات الأوكرانية في محاربة إرهاب "حركة الشباب" في الصومال. وبحسب بعض المراقبين والخبراء فإن التواجد الأوكراني في السودان والصومال ليس محض صدفة، إنما تواجد ممنهج ومتفق عليه مع واشنطن، مقابل استمرار دعمها لكييف، كما أن هذا التواجد مرشح للتوسع، وهو ما حدث بالفعل حيث أصبحت السودان محطة انطلاق للقوات الأوكرانية للانتشار في عدة دول أفريقية حيث يبدو واضحا أن الصراع الروسي الأمريكي قد انتقل بشكل كامل إلي القارة الإفريقية. الغريب في الأمر، أن التواجد العسكري الأوركاني في إفريقيا يأت فى ظل عجز كييف عن توفير مقاتلين على الجبهة الروسية. كانت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، قد أوردت تقرير لها في شهر مارس الماضي حول حاجة أوكرانية لحشد 500 ألف مقاتل على الجبهة الروسية. وبحسب الصحيفة، فإن التعبئة من المفترض أن تشمل كل الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 25 –60 عام. إلى جانب ذلك، أكدت الصحيفة حينها بأنه وفقاً للإحصائيات فإن غالبية الرجال الأوكرانيين غير مستعدين للقتال، فبحسب الاستطلاعات 48 % منهم غير مستعدين، بينما 34 % فقط أبدوا استعدادهم، والباقي رفضوا حتى الإجابة عن السؤال. وطرحت الصحيفة تساؤل حول هدف أوكرانيا من تحشيد هذا العدد في الوقت الذي تشير فيه تقديرات الخبراء، إلى أن كييف بحاجة ل 330 ألف مقاتل لتغطية حاجة الجبهة. إضافة لما سبق، كانت وزارة العدل الأوكرانية قد أعلنت بوقت سابق، عن نيّة سلطات كييف تجنيد آلاف السجناء لديها بمن فيهم القتلة والمجرمين، والزج بهم في الحرب. ووفقاً لوزير العدل الأوكراني دينيس ماليوسكا، فإن كييف عفت في السابق عن 300 سجين من أجل إرسالهم للقتال على الجبهة، وهذا ما يخالف القوانين والأعراف الدولية ويطرح كثير من التساؤلات عن خطط كييف من وراء ذلك. وبحسب خبراء فإن القيادة الأوكرانية تنتهج سياسة مدمرة تتلخص بإرسال المقاتلين المحترفين لديها للقتال كمرتزقة خارج الحدود والزج بالمرضى والشباب عديمي الخبرة والسجناء للموت في الحرب مع روسيا. وفي النهاية تدفع إفريقيا وشعوبها ثمن الصراع الروسي الأمريكي الذي تجند من أجله المرتزقة من كل مكان ليقاتلوا ويحرقوا الأرض الإفريقية وينهبوا ثروات الشعوب الإفريقية وكأنه قد قدر لنا نحن الأفارقة أن نعيش دوما ف صراعات وندفع أثمان معارك ليس لنا فيها ناقة ولا جمل.