"الأغلبية ماشي هي الغلب"، مقولة شهيرة قالها في يوم من الأيام الزعيم المحجوبي أحرضان رحمة الله عليه، مقولة لخصت درسا عميقا في جوهر العمل السياسي. وكأنه كان يعلم علم اليقين أنه في يوم من الأيام ستطل علينا أغلبية حكومية تعتقد واهمة أن العدد هو ركيزتها للتدبير الحكومي وأن بإمكانها التوغل والتغول في الآن ذاته داخل المؤسسات والضرب بعرض الحائط كل المكتسبات الدستورية التي قطع فيها المغرب أشواطا مهمة من خلال دستور 2011 والتي كان أبرزها فصل السلط. حديثنا عن هذا الموضوع أملاه اليوم الواقع المرتبك الذي فرضته الحكومة في تعاملها مع المؤسسة التشريعية بإعتبارها مؤسسة رقابية للعمل الحكومي، حيث اتضح، وبما لا يدع مجالا للشك ولا موطئا للريبة، بأن العدد، والعدد وحده، هو المعيار الذي تتعامل به مع المعارضة البرلمانية، وأن أغلبيتها العددية قد تخول لها الاستقواء على المؤسسة التشريعية التي اختلط فيها الحابل بالنابل، فعوض أن يناقش ممثلو الأمة المشاكل المجتمعية المطروحة بقوة فوق طاولة الحكومة، وأن يترافعوا باسم من فوض لهم ذلك طبقا للصلاحيات الدستورية المخولة للسلطة التشريعية، صاروا يهللون ويصفقون للحكومة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه بشدة هو لمَ كل هذا التهليل والتصفيق؟ واقع الحال يبين أن هذه الحكومة تتعامل بطريقة استفزازية مع المطالب الاجتماعية العادلة، من إضرابات طلبة الطب والأطر الصحية إلى احتجاجات موظفي العدل مرورا بالمتصرفين. فبدلا من الاستماع إلى هذه المطالب والسعي لتحقيقها، تختار هذه الحكومة دفن رأسها في الرمال والتنكر لواقع المعاناة الاجتماعية. ببساطة لا تكفي الأغلبية العددية لتبرير الاستفراد بالمؤسسات الدستورية. إن هذه الحكومة الحالية قد أضحت تعتقد بأنها تملك الحق المطلق تحت ذريعة امتلاكها للأغلبية البرلمانية. ولكن هذا الموقف مرفوض ومدان، فالديمقراطية لا تعني حكم الأغلبية بل احترام حقوق الجميع وضمان توازن السلطات. إننا ندعو هذه الحكومة إلى إعادة النظر في سياساتها وتبني نهج أكثر استجابة لمطالب المواطنين والاحترام الكامل لدور المؤسسات الدستورية وعلى رأسها المؤسسة التشريعية. فالديمقراطية لا تكتمل بمجرد حصد الأصوات بل بالالتزام بروح الدستور وضمان توازن السلطات وحماية الحقوق والحريات للجميع.