أكد الدكتور طيب حمضي، الطبيب الباحث في السياسات والنظم الصحية، أن الجدل الدائر حول تقليص مدة تكوين الأطباء من 7 إلى 6 سنوات، نقاش مغلوط يتجاهل الاحتياجات الحقيقية للمغاربة في مجال الصحة، موضحاً أنه في ظل ثورة المغرب الاجتماعية، ومراجعة المنظومة الصحية وتعميم التأمين الإجباري عن المرض، تحتاج البلاد إلى أكثر من ضعف عدد الأطباء وغيرهم من المهنيين الصحيين لتكون قادرة على تلبية احتياجات السكان، لكن المعادلة ليست فقط كمية. وأعلنت وزارتا الصحة والحماية الاجتماعية، والتعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، تمسكهما بقرار مراجعة دفاتر الضوابط البيداغوجية الوطنية الخاصة بعدد سنوات التكوين من 7 سنوات إلى 6 سنوات بالنسبة لتكوين دكتور في الطب، مع توسيع نطاق التدريب لتشمل المراكز الاستشفائية الجهوية والإقليمية والمؤسسات الصحية التابعة للقطاع الخاص بالإضافة إلى المراكز الاستشفائية الجامعية. وفي معرض تفاعله مع أزمة طلبة كلية الطب التي وصلت إلى الباب المسدود، في ظل تمسك الحكومة برفض التراجع عن قرار تقليص سنوات التكوين، اعتبر حمضي أن ست سنوات بدلاً من سبع للحصول على الدكتوراه لن يغير شيئًا من قيمة ومعادلة دكتوراه الطب المغربية في الخارج، مشيراً إلى أن الأطباء المغاربة مطلوبين من قبل دول الشمال، التي هي مستعدة للاستفادة من خدماتهم دون انتظار وصولهم إليها. ونبّه الباحث في السياسات والنظم الصحية، ضمن تصريح صحفي توصلت به جريدة "العمق"، إلى أن دول الشمال تبحث عن أطباء مدربين مجاناً لتعزيز أنظمتها الصحية وتحسين الرعاية الصحية في البلدان النامية، مؤكداً في المقابل ضرورة أن يلبي الإصلاح احتياجات المغرب والمغاربة، التي هي أكبر بكثير من مجرد نقاش حول ست أو سبع سنوات للحصول على الشهادة. وفي السياق ذاته، سجّل حمضي الحاجة إلى "دكتوراه ببكالوريا + 6′′، وعلى الأقل "ببكالوريا + 9" سنوات لممارسة المهنة، لمواكبة متطلبات الأوراش الصحية الملكية الكبرى وتلبية احتياجات المغاربة، وجعل الصحة رافعة لتنمية المغرب. وشدّد الباحث في النظم الصحية على أن اعتماد نظام صحي فعّال يتضمن توفير الخدمات الصحية، وتوفرها، وإمكانية الوصول إليها، والعدالة، والجودة، والاستدامة، والتحكم في الموارد، هو اليوم مرادف للرعاية الصحية الأولية والوقاية بالنسبة للخبراء والدول والمؤسسات الدولية، منها منظمة الصحة العالمية. ويرى الطبيب حمضي أن التكوين في طب الأسرة والطب العام يعد أمراً ضرورياً للنظام الصحي المغربي لمواكبة وضمان نجاح المشاريع الصحية الكبرى التي تنفذها المملكة بإشراف مباشر من الملك محمد السادس، لاسيما في ظل الخصاص المسجل في الموارد البشرية ومحدودية الوسائل. يحتمل ترشيد الموارد وتثمينها إلى المستوى الأمثل، داعياً إلى استحضار الرعاية الصحية الأولية الكفاءة والفعالية من حيث التمكين من الوصول إلى الخدمات الصحية والجودة والإنصاف وترشيد الموارد لصالح المواطنين والتأمين الصحي والحكومات. وحسب الدكتور حمضي، فقد أظهر تطور الطب الحديث والدراسات والبحوث والانتقال الوبائي إلى الأمراض المزمنة وشيخوخة السكان، أن النظم التي تركز على المستشفيات هي أنظمة مستمرة في النزيف وضعيفة الفعالية وغير مستدامة. وأن الوقاية والتربية الصحية والتكفل المبكر والكشف والقرب ورعاية المرضى الخارجيين والرعاية الأسرية هي مفاتيح صحية لضمان تحقيق خدمات عالية الجودة وأكثر إنسانية تضمن جودة حياة مثالية بتكاليف متحكم فيها. وأوضح الباحث في النظم الصحية أن الأمر لا يتعلق بتكوين المزيد من أطباء الأسرة والأطباء العامين وإدخالهم في منظومة صحية مركزة في الأصل على المستشفيات. مؤكداً أن طب القرب يتطلب بيئة مغايرة ومكرسة للوقاية، تستند إلى اعتماد سياسة صحية وتمويل موجه نحو الوقاية وإشراك الدوائر الأخرى لتحسين باقي المحددات الاجتماعية الأخرى للصحة. وقال حمضي إن المغرب يتوفر على موارد محدودة وينوي تحسين وترشيد استخدامها من أجل إنتاجية ومردودية أفضل. واعتبر أن الرؤية الملكية تعزز مركزية الرعاية الأولية لتجويد كفاءة وأداء نظامنا الصحي، كما يدل على ذلك القانون إطار 06-22 الذي أسس، من بين أمور أخرى، مساراً منسقاً للعلاج والمرور عبر الطبيب العام والمؤسسات الصحية الأولية. وشدّد المتحدث ذاته على أنه يتوجب اليوم تغيير السياسة الصحية ونظام تكوين المهنيين وتغيير استراتيجيات التأمين الصحي، مشيراً في السياق ذاته إلى أنه حسب المعايير الدولية، يجب أن يكون 60% من الأطباء من الطب العام وطب الأسرة و40% اختصاصيون، بينما في المغرب لدينا بالضبط عكس ذلك. ولفت الدكتور حمضي إلى أن الأطباء العامين المغاربة – كغيرهم في دول أخرى في حقب زمنية سابقة – باشروا ممارسة مهامهم مع تكفلهم أنفسهم بإكمال تكوينهم من خلال شواهد جامعية ومؤتمرات وأوراش عمل يمولونها بوسائلهم الخاصة، مضيفاً أن هذه الممارسة "تجري على حساب السياسة الصحية، وعلى حساب مرضاهم، وهو أمر لم يعد مقبولاً." ونبّه الباحث الصحي نفسه إلى أن البلدان الأخرى بدأت تلقائياً في تحويل الأطباء الذين اكتسبوا خبرة من خلال أقدمية المهنة إلى أطباء أسرة، بمعرفة وخبرة متوسطة، من خلال تكوين إضافي عبر الإنترنت وحضورياً لمدة سنتين. وبالنسبة للأفواج الجديدة، يتم تكوينهم جامعياً بعد الحصول على شهادة الدكتوراه لمدة ثلاث أو أربع سنوات. وأكد حمضي أنه في انتظار التعميم الفعلي للتأمين الاجباري عن المرض، الذي سيحول قريباً احتياجات المغاربة من حيث الصحة إلى مطالب صحية، يتوجب على العرض الصحي أن يستجيب لها. وأضاف أنه يجب إطلاق الإصلاحات الحقيقية للتعليم والتكوين الطبي من اليوم، مشيراً إلى أن الحصول على شهادة الدكتوراه في الطب يتم بشكل متزايد في مختلف الدول بدراسة جامعية من ست سنوات، أو سبع سنوات في بعضها كما هو الحال في المغرب قبل الإصلاح الأخير، أو خمس سنوات في بلدان أخرى كما هو الحال في ماليزيا.