لأول مرة في تاريخ المغرب الحديث تتاح الفرصة للشباب المغربي ليلج عالم التسيير و التدبير للشأن المحلي بأعداد لم تكن في حسبان أكثر المتفائلين في انتخابات 04 شتنبر 2015 ، لدرجة أصبح للشباب أغلبية في بعض المجالس المنتخبة بغض النظر عن إنتماءاتهم السياسية ، فهذه الطفرة الديمقراطية و هذا الإنتقال الكبير لم يكن متخيلا حتى من طرف الشباب أنفسهم لدرجة أن المشكل المركزي الذي كانت تعيشه الأحزاب السياسية هو كيفية إستقطاب الشباب للعمل السياسي و إعادة الثقة له في ماهية العمل السياسي و المشاركة في التدافع المجتمعي الذي من دونه لن تقوم لبلدنا قائمة ، لأن الطاقة التي يتوفر عليها الشباب و المؤهلات التي لديه ، إذا أضيف لها عنصران أساسيان و هما التوجيه و الإحتكاك مع من خبر تسيير الشأن المحلي يصبح مبدعا و منتجا للأفكار التي تعطي الإضافة المرجوة من الشباب ، فالتسيير فكرة ، و الفكرة تحتاج لنظرة غير عادية للواقع ، و هذه قوة الشباب ، فنظرته لواقعة تختلف ثمام الإختلاف لنظرة من سبقوه لأن عصره ليس عصرهم و لأن وسائله ليست وسائلهم و لأن قنوات تواصله مختلفة ثماما عن قنوات تواصلهم ، مما يجعله مؤهلا أكثر من غيره لفك طلاسيم المشاكل التي يعيشها تدبير الشأن المحلي . فبعد ستة أشهر من تسيير الشأن المحلي كشاب مغربي ولج عالم التسيير من منطلق حزبي ،إتضح لي جليا أن التغيير ممكن ، لكن شريطة أن تكون هناك إرادة من الشاب و دعم من الفاعلين الأساسيين في الميدان ، فالإستثمار الأمثل لمهارات الشباب و أفكارهم مع تطعيمها بنظرة الخبرة و الممارسة ستجعلنا كمغاربة نقطع أشواطا كبيرة في التنمية في زمن قياسي جدا ، و سنضع وطننا على سكة التنمية الحقيقية التي نصبو إليها جميعا . فبإشراك الشباب مشاركة فعالة في التسيير ، و إتاحة الفرصة لهم ، يوضعون على المحك و تتاح لهم فرصة إبراز الذات و كسب ثقة الفاعلين السياسيين و المواطن على حد سواء ، فمن هذا المنطلق فإن الشاب المستشار يفترض فيه أن يتكون أكاديميا و على درجة عالية من المعرفة بالقوانين و المساطر و أن يحدث التوازن بين الثالوث الموجه لحياة كل شاب مستشار ، و المتمثل في الأسرة و الحياة المهنية أو الدراسية و تدبير الشأن المحلي ، لأن إختلال أحد هذه الركائز يكون له إنعكاسات سلبية على مستقبل الشاب المستشار ، و يفتح باب مستقبله نحو المجهول . ففي هذه المدة البسيطة المتمثلة في ستة أشهر من الممارسة،إتضح لي جليا أن سبب الخلل في تخلف التسيير في مجالس المقاطعات و الجماعات الترابية هو ضعف الحكامة بالدرجة الأولى ،بسبب ضعف النظم المتبعة و ضعف التكوين للمدبرين و عدم التخطيط بالنسبة للمنتخبين ، بالإضافة لعدم القدرة على استثمار أمثل لمهارة حل المشكلات و ترشيد الموارد و الإمكانات المادية و البشرية . وبالتالي فإن التدبير التشاركي وفق ما أقترحه هو الحل الأمثل لتجاوز هذه المعيقات ، حيث يهدف إلى تعبئة الطاقات والقدرات المحلية والتواصل الداخلي ومسايرة التغيير وعقلنة الوسائل ، خصوصا وأن تبني هذه المقاربة هو تبني لمنظور جديد يجمع بين تعزيز المكتسبات السياسية وتوخي البعد التدبيري وذلك من خلال ترسيخ مفهوم إدارة القرب، وإعادة اكتساب الثقة في الفعل العمومي من قبل القوى الحية سواء القطاع الخاص أو جمعيات المجتمع المدني والنخب المحلية، الأمر الذي يدفع إلى إعادة تأسيس قواعد لعبة سياسية جديدة تحتم الشفافية والمساءلة والإشراك والإسهام وإتاحة المعلومة للجميع. وبالتالي فإن المقاربة التدبيرية التشاركية تشكل مستقبل عمل الجماعات الترابية، فمظاهر تعقدها كثيرة ومتنوعة والحاجيات والانتظارات السكانية في تزايد مستمر، الأمر الذي يفرض تعبئة الطاقات وجمع الإمكانيات وفق منهجية محكمة ومتكاملة. إن ضمان جودة الحكامة المحلية يفترض إعادة تنظيم العلاقات بين كل الشركاء المحليين على أساس التشارك والتوافق والتعاقد. والديمقراطية التشاركية هي المدخل الأساس لتحقيق جودة الحكامة المحلية. فالتعاقد والشراكة يشكلان آليات تدبيرية لتجاوز القرارات الانفرادية وتحفيز كل الفرقاء والفاعلين المحليين على المساهمة والمشاركة في تدبير الشأن المحلي، تدبيرا تشاركيا حقيقيا. وقبل الختام، أود الإشارة إلى مسألة مهمة، ألا وهي: أنه كيفما كان الإطار القانوني ومستوى الموارد المالية والبشرية وتسخير مختلف التقنيات الحديثة في تطوير الأداء، فإن ذلك يبقى رهينا بحب العمل والإخلاص فيه والسعي نحو المصلحة العامة والرغبة في خدمة الوطن والمواطنين بصدق وتفان. ولأن أسباب النجاح في تمثيل المواطنين بالمجالس المنتخبة ترتكز على خصال مهمة لا محيد عنها كالنزاهة والإخلاص والجد والمواظبة وإحترام الرأي وفعل الأشياء في أوقاتها. فإن تمثيل المواطنين ليس مكتسبا ينال ولا مغنما يستفاد منه، لأنه تكليف و ليس تشريف، فخدمة المغاربة على قدم المساواة يجعل مجالس المقاطعات و الجماعات تكسب ثقة المواطن و تجعله مقبلا عليها و هذا الدور يجب أن يلعبه الشباب بحكم ما يميزه من حس عالي في التواصل و معرفة و تتبع الواقع المعيش ، ممايضعه في مقدمة المساهمين في إنجاح تجربة إقتحام الشباب المغربي لأسوار تدبير الشأن المحلي . فأمام ما ذكر سلفا و من وجهة نظر شبابية ، أجد أن هناك عدة نقاط يجب التركيز عليها مستقبلا لنجود عمل المجالس المنتخبة لتحقيق التنمية المستدامة المرجوة من الجميع ألخصها كما يلي : - منتخب مسؤول، منفتح وكفء ذا تكوين يؤهله لمسايرة اختصاصات الجماعة و يمكنه من التواصل مع مختلف الفاعلين الأساسيين في التدبير وعلى رأسهم المواطن المحلي؛ - موظف جماعي محترف ذا تكوين عالي قادر على تدبير الجماعة على أساس التدبير العمومي الحديث المبني على الفعالية، الجودة والاحترام والحكامة الرشيدة؛ - قطاع عام مسؤول يتمتع بالشفافية ومنفتح على بيئته المحلية ومتواصل معها؛ - مجتمع مدني محترف ومسؤول ذا قوة اقتراحية وازنة ونوعية، بحكم قربه من المواطن واطلاعه على انشغالاته وانتظاراته؛ - ساكنة محلية مواطنة واعية بحقوقها والتزاماتها منخرطة في تحقيق التنمية المحلية من خلال منحهم حق المساهمة في النقاشات العمومية بشكل مباشر أو بصفة غير مباشرة من خلال إحداث نظام لتلقي الطلبات والآراء المعبرة عنها من طرفهم؛ و أختم بالتأكيد على القيمة المضافة للنخبة في حالة تفاعلها مع واقعها وتركهالبرجها العاجي والتواضع من أجل التدافع والمساهمة في تدبير الشأن العام المحلي ، لتترك البصمة المنتظرة منها في سبيل تحقيق التنمية المحلية. مستشار بمقاطعة سيدي البرنوصي – الدار البيضاء