كنت قد أخذت على نفسي موثقا ألا أحمل هذا القلم في شيء يخص المغرب، وألا أخوض في شأن من شؤونه، وأن أكتفي بمتابعة ما يحدث غير متدخل في الأحداث برأي أو تعليق أو تحليل، وقد صرفت نفسي إلى البحث في الشؤون الأوراسية والغوص في لججها وسبر أغوارها. ثم كان ما كان، وعاد نتنياهو لاستفزاز المغرب والمغاربة، وذلك في حوار صحفي مع قناة LCI الفرنسية، حيث قام بإظهاء خريطة للشرق الأوسط وشمال إفريقيا يظهر فيها المغرب مفصولا عن صحرائه، وإن كان مكتبه وجه إعتذارا، إلا أن من وراء الأكمة ما وراها، خاصة أن الأمر تكرر فصولا، فوضعت قلمي الذي كنت أحمله للكتابة في الشؤون الأوراسية لأعيد حمله مرة أخرى لأكتب في هذا الشأن المغربي. وأنا هنا، لا يهمني نتنياهو ولا فعله، وذلك أنه يبحث عن مصلحة قومه، وما يفيد به بلده، فالأمر عنده لا علاقة له لا ب(خاوة خاوة) ولا غيرها من الشعارات التي تلوكها الألسن وتتلمضها الأفواه، والسياسة هكذا، كما يدعي الجميع، وخاصة أولئك الذين أثار ذلك الفعل إنزعاجهم ووثر أعصابهم، أنها لعبة المصالح، فلا مجال فيها للأخوة والعواطف. لكن ما يهني، والذي أريد مناقشته في هذه الأسطر، ولأجله انشأت هذا المقال، هم أولئك الشامتون الذين انطلقت ألسنتهم وسالت أقلامهم، شماتة بالمغرب، بعدما كانوا يتهمونه بالخيانة وبيع القضية، وذلك أن في شماتتهم هذه تناقض وجواب عليهم. وذلك أنه لو كان المغرب خان وباع القضية الفلسطينية، واصطف في صف الكيان، كما إدعى الشامتون الآن من قبل قبل، فلماذا سيضطر نتنياهو إلى إرسال رسالته تلك للمرة الثالثة مهددا المغرب والمغاربة في أهم شأن لديهم؟؟ لو كان المغرب ترك القضية الفلسطينية ورمى بها خلف ظهره، وارتمى في حضن الكيان، لما اضطر نتنياهو إلى إظهار خريطة المغرب من غير صحرائه لثالث مرة، ولكن فعله هذا هو دليل على أن من وراء الأكمة ما ورائها، وأن ما يحدث في خلف الستر وفي الأروقة هو شيء مغاير ومختلف عن الذي يطفو على السطح، وأن المغرب لم يترك القضية ولا تخلى عن أصحابها، لدرجة أن موقف المغرب دفع نتنياهو ليغامر بعلاقته مع المغرب. ثم إن العلاقات الدولية ليس من صفتها الدوام، إلا في حالات ناذرة، وذلك كما يقال أن السياسة تحكمها المصالح، فإذا تغيرت المصالح انقلبت المودة عداء، فحتى العلاقات المغربية الإسرائيلية، يجرى عليها ما يجري على سائر العلاقات الدولية، وخاصة أن التقارب المغربي الإسرائيلي لم يكن تقاربا استراتيجيا بل كان تقاربا مرحليا، فرضته ظروف عابرة، ودفع لمفسدة كانت حاضرة. ونتنياهو منذ التطبيع إلى الآن لم ينفك يضرب على وثر الصحراء المغربية، وهذا مما يؤكد أن التقارب المغربي الإسرائيلي كان مرحليا، ولم يكن يوما تقاربا استراتيجيا، ولا يوجد شيء يمنع المغرب أن يجعل علاقته مع إسرائيل استراتيجية، إلا القضية الفلسطينية، ولهذا كان على الشامتين، أن يدعموا المغرب ضد إسرائيل، لأن ما حدث لم يكن ليحدث لولا وقوف المغرب مع فلسطين وأهلها، وشماتتهم فيه تعني وقوفهم مع إسرائيل ضد قضية المغرب الوطنية