نقابي يكشف حيثيات تأجيل مناقشة مشروع القانون التنظيمي للإضراب            ولاية أمن فاس تكشف حقيقة الفيديو الذي روجته سائحة يهودية ادعت تعرضها للعنف بسبب ديانتها    الشيخة مهرة وفرنش مونتانا يلتقيان في دبي (صور)    تركيا تقصف مواقع حزب العمال الكردستاني في العراق وسوريا ردا على هجوم أنقرة    الوظيفة العمومية.. توقع إحالة أزيد من 65 ألف موظف مدني على التقاعد خلال الفترة 2024-2028    المغرب يدعو إلى احترام سيادة لبنان ووحدته الترابية    مجزرة جديدة.. 17 قتيلا في قصف إسرائيل مدرسة تأوي نازحين بغزة    أمين عدلي يغيب عن بقية عام 2024 بسبب الإصابة        بعد الخسارة أمام موريتانيا.. المنتخب المغربي للكرة الشاطئية يودع كأس أفريقيا ويفشل في التأهل إلى "المونديال"    بايتاس: التعديل الحكومي لن يؤثر على عمل البرلمان بعد تعيين خمس برلمانيين أعضاء في الحكومة    الوكالة الوطنية للموانئ: حجم حركة عبور متوقع يناهز 89,2 مليون طن برسم سنة 2024    جلالة الملك يستقبل رئيس الحكومة وأعضاء الحكومة في صيغتها الجديدة بعد إعادة هيكلتها    بايتاس يدافع عن تعيين برادة صاحب شركة "المصاصات" وزيراً للتعليم: "الكفاءة لا ترتبط دائماً بالتخصص"    الجولة السابعة من الدوري الاحترافي : نهضة بركان يرتقي إلى الصدارة والوداد يعود لإهدار النقط        إعادة انتخاب المغرب عن جدارة ضمن اللجنة الفرعية لمنع التعذيب بجنيف    لا أريد جوائز    شُجُون…    يوم السبت ... يوم عشتار السيء    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    عارضة أزياء تتهم ترامب بالاعتداء عليها جنسيا    المنتخب المغربي يرتقي في تصنيف "فيفا"    مراكش تحتضن حفل توزيع جوائز "الكاف"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    التلاعب في قروض بنكية مدعومة يضع شركات بناء في قفص الاتهام    السجن 8 أشهر لجزائرية بسبب تصريحاتها المحرضة على "الهروب الكبير" من الفنيدق نحو سبتة المحتلة    دول تعاني أزمات وحروب تتفوق على المغرب في ترتيب الجامعات    وزارة التربية الوطنية.. تسليم السلط بين برادة وبنموسى    لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب تصادق بالأغلبية على مشروع القانون المتعلق بالصناعة السينمائية وإعادة تنظيم المركز السينمائي المغربي        بنك المغرب: ارتفاع بنسبة 22 % في عمليات الأداء عبر البطاقات البنكية خلال سنة 2023    جلال بنحيون.. عامل إقليم النواصر الجديد القادم من مهام ناجحة بالمركز الجهوي للاستثمار بالشمال (نبذة)    ارتفاع أسعار الذهب يؤجل أحلام الزواج في الأردن    فرط صوديوم الدم .. الأعراض والأسباب    التغير المفاجئ للطقس بيئة خصبة لانتقال الفيروسات    عودة ياسين بونو إلى الهلال: تفاصيل جديدة حول تعافيه    المغرب يؤكد أمام مجلس السلم والأمن بأديس أبابا على العلاقة بين الجماعات الإرهابية والانفصاليين    "لارام" ترتقب اختتام سنة 2024 بتسجيل 7,5 مليون مسافر    كيوسك الخميس | الحكومة تعتزم رفع عدد المستفيدين من برنامج التكوين بالتدرج المهني    عنتريات عزيز هناوي    دراسة: أن تكون مسلما اليوم في الاتحاد الأوروبي "يزداد صعوبة"    تقرير: مؤشر أسعار الخدمات البنكية ينخفض بنسبة 1% عند نهاية 2023    مصطفى الفن يكتب: هكذا تصبح وزيرا بوصفة سهلة جدا    سجن تركي يأذن بزيارة زعيم الأكراد    منتخب المغرب يتقدم في ترتيب "الفيفا"    إسرائيل تستهدف مخازن لحزب الله    استطلاع: المغاربة يعتبرون الصلاة متفوقة على التلقيح في الوقاية من "كوفيد"    منظمة الصحة العالمية تعلن تعليق حملة التطعيم ضد شلل الأطفال في غزة    وفاة وحالات تسمم ببكتيريا في أحد منتجات "ماكدونالدز"    تغييب الأمازيغية عن تسمية شوارع العروي تجلب انتقادات للمجلس الجماعي    كمال كمال ينقل قصصا إنسانية بين الحدود المغربية والجزائرية في "وحده الحب"    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    الملك محمد السادس: المغرب ينتقل من رد الفعل إلى أخذ المبادرة والتحلي بالحزم والاستباقية في ملف الصحراء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الذاكرة الكروية المغربية: من فخر الإنجاز إلى ثقافة الترصيد
نشر في العمق المغربي يوم 13 - 05 - 2024

إن ثقافة الشعوب باعتبارها ذلك الفسيفساء من السمات والمميزات التي يختص بها مجتمع بشري ما، ولكون هذا المفهوم يعد وعاء رحبا يسع أيضا فنون الشعوب، أنشطتهم واهتماماتهم التي قد تنشأ في أزمنة دون غيرها، تأتي الساحرة المستديرة في مقدمة الرياضات التي شغلت وعاء الثقافات الكونية الحديثة ومن ضمنها الثقافة المغربية. وبالنظر إلى متخيل الآخر، كلما ذُكِرت الخصوصية المغربية إلا ورافقتها تلك الحمولة القيمية والخلقية الجميلة، والتي ما فتئت تطبع هذه الرياضة الشعبية بألوان الهوية المغربية الضاربة في عمق الماضي، والتي وجدت لها رسميا مساحة مشرقة في صفحات تاريخ هذا الوطن، لتشبع بذلك رغبة الامتلاك الجماعي للمكاسب الوطنية ورغبة إرساء معالم الكينونة المشتركة في الآن ذاته.
في قلب غابة المعمورة، أكبر غابات الفلين في العالم ورئة العاصمة المغربية وما جاورها، ومن رحم الذاكرة الكروية المشتركة للمغاربة التي ألفت بين قلوبهم لأكثر من اثنين وعشرينا عقدا مضت، وزادتهم تضامنا وتآزرا، انبثق من داخل مبنى الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم متحف مميز بمواصفاته وغاياته. كانت المبادرة من الجامعة نفسها بشراكة مع المؤسسة الوطنية للمتاحف. يتعلق الأمر بفضاء جذاب تَشكل ليلملم باحترافية عالية شتات ذكريات كرة القدم الوطنية في مختلف محطاتها، بما فيها تلك التي أبهرت العالم وهتف لها الخصوم قبل الأصدقاء، ولم يكن مرد ذلك تميز أداء اللاعبين فقط واستماتتهم لرفع راية الوطن، بل لأن الهوية المغربية الأصيلة كانت حاضرة بقوة هنا وهناك، ولنا في محطة قطر 2022 خير مثال، وليس أول ولا آخر مثال، على نبل الشخصية المغربية وإخلاصها لخصوصيات هويتها الوطنية. محطة أبهرت القاصي والداني منذ أن بدأت بالرسائل القوية التي مررها أسود الأطلس ومدربهم بمعية أهاليهم، وأكدها الجمهور المغربي الراقي... ولم تنته بحفاوة الاستقبال الملكي الأسطوري لعناصر الفريق الوطني رفقة أمهاتهم، بما يحمله الموقف من دلالات ورسائل إنسانية يعجز القلم عن حصرها في سطور.
بهندسة محبوكة وتقنيات عرض يمتزج فيها عبق الماضي بآخر ما أبدعته التقانة الحديثة من شاشات عرض ببعدين وثلاثة أبعاد، انتظمت المعروضات في ألوان زاهية يغلب عليها الأحمر والأخضر ولمعان الذهب والفضة تارة، ويكسوها الأبيض والأسود تارات أخرى ليعيش معها الزائر المندهش ذلك التيه اللطيف بين معادلات الزمان والمكان والمواد والألوان والأشكال. زد على ذلك ما يثيره الفضاء المتنوع والأغاني المغربية المؤثرة لكأس العالم من مشاعر الوطنية الصادقة. مشاعر تمتزج لدى الزائر بذكريات الذات والآخر وما تحمله معها من حنين لكل ما دار في فلك الوقائع والأحداث الموشومة في الذاكرة.
يحكي المتحف قصصه الخالدة من خلال مؤثثات منها المُقتنى والمُهدى، ومنها الأصلي والمستنسخ في شكل صور وأشرطة، أقمصة وأحذية رياضية، كؤوس، كرات ذهبية، مجسمات ثمينة وجوائز قيمة، كما تستوقفك في كل مرة كلمات ملوك المغرب المؤثرة، تذكارات وتذاكر، مجلات، صحف ووثائق نادرة بلغات مختلفة ... يجتمع كل ذلك وغيره ليؤرخ بمداد من ذهب ومضات من تراث عتيد، لم يكن لذاكرتنا القصيرة أن تحتفظ ببعضه إلا عبر حكي الشيوخ المولعين، أو مصادفة بعض اللقى الطريفة الشاهدة على العصر. ولنا إذن أن نتخيل جسامة مهمة القائمين على إنشاء المتحف وتأثيثه مع السهر على التجديد المستمر مواكبةً للمستجدات الكروية...، ولنا أن نستشف أيضا صعوبة لملمة القطع المتناثرة للمشاهد الكروية المغربية عبر العالم منذ بداياتها، والتي تعود، حسب بعض الشهادات، إلى أواخر القرن التاسع عشر ومستهل القرن الماضي.
في محاكاة لعمق الذاكرة البشرية وبياضاتها المعتمة بفعل النسيان، صمم فضاء العرض بخلفية سوداء وإضاءة موجهة بإتقان في ثمانية أروقة بأسماء معبِّرة انطلاقا من المعرض المؤقت إلى أرض الشغف، ومرورا بالمعرض الدائم، الرؤية الملكية المستنيرة، أرض الرواد، أرض التميز، رواق المشاهير وأرض مضيافة. جاء هذا التنوع الملفت حرصا من إدارة هذه المعلمة على ترسيخ ثقافة العرفان وتجسيدا لمبدأ الإنصاف لكل من يمت لكرة القدم بصلة، نذكر منها الأندية والفروق الوطنية والمنتخبات بما فيها رائدات كرة القدم النسوية؛ شغف العائلة الملكية وحرص الملوك المغاربة على تجاوز حدود اللعبة لتأكيد التحام الملوك بالشعب؛ الألقاب المتتالية المشرفة لمنتخب المغرب لكرة الصالات (الفوتسال) وغيرها من مشاركات الفئات الأخرى بما فيهم الأبطال الذين تحدوا وضعيات الإعاقة؛ كما توجد أروقة أخرى لمساهمات المشاهير من الرؤساء المتعاقبين على الجامعة، حكام ومدربين أو مسيرين، وكذا مشاركة الجمهور المغربي الذي كان سباقا منذ عقود لاستقبال نساء مشجعات في الملاعب بزيهن التقليدي الأصيل، دون أن يغفل المتحف ذكريات الأحداث الكروية البارزة وزيارات النجوم الدوليين الذين حظوا بكرم الاستضافة في مختلف ربوع المملكة.
حرص المتحف، كوجهة مثالية لعشاق كرة القدم، على مفاجأة زواره بتوفير إمكانية خوض تجربة تفاعلية فريدة من نوعها للأطفال واليافعين، وذلك قصد محاكاة مباريات كرة القدم على الشاشات الإلكترونية من خلال لاعبين آليين أو حقيقيين عن بعد. كما يحتضن فضاء للاستقبال وقاعة للعروض والندوات ومركزا للتوثيق الورقي والإلكتروني، إلى جانب مقصف لاستراحة الزوار مع إمكانية اقتناء تذكارات دالة على ماهية الفضاء. تجدر الإشارة إلى كونه فضاء دامجا لاحترامه معايير الدمج الاجتماعي لفئات الزوار المختلفة، من خلال توفير ولوجيات معمارية وشاشات للعرض مكيفة حسب الحاجيات الخاصة، كما تتوفر سماعات للترجمة بلغات مختلفة لفائدة الأجانب.
إن فكرة الترصيد لهذا التراث الوطني المادي واللامادي تتضمن، إضافة لما أوردنا، رسالات ضمنية قوية لمن استوعب أبعاد المبنى وعمق المعنى؛ فهي دعوة لكل القطاعات الحيوية الأخرى والمؤسسات الوطنية للتفكير في التأريخ الجاد لكل فعل تراكمي جماعي حسب مجال اشتغالها. فعدوى الترصيد الحميدة هذه من شأنها تحصين المكاسب والنجاحات واستنباط العبر من الإخفاقات، كما تساهم، على نحو مستدام، في إذكاء الروح الوطنية وإبراز مواطن غنى وقوة مكونات الهوية المغربية الأصيلة كمصدر اعتزاز وفخر لدى كل مغاربة العالم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.