احتل الماء في الامثلة الشعبية المغربية مكانة مهمة وربطوه بكل ما له منفعة كالمثل القائل "الماء والأمان والشر ما كاين‟، وبما أن الشيء بالشيء يذكر فمع الماء كلمة مرادفة لها لا تنفصل عنها ، هي مفردة "العطش" حيث يقال "حرك الماء يبان العطشان‟.،وربما هي الكلمة المرادفة للواقع الذي عاشه المغرب منذ فترة قريبة. صحيح أن سمة الجفاف باتت مألوفة لدى المغاربة في الآونة الأخيرة، لكن الخطير في الأمر أنه و لأول مرة ومنذ عقود يطرح مصطلح "العطش" في الواجهة. هذا الوضع دفع مسؤولين بدق ناقوس الخطر بشأن ٲزمة الجفاف ونقص المياه بالمغرب داعين إلى التعامل بجدية في مواجهة ما ٲسموه بالٳجهاد المائي الهيكلي الذي يمر بمرحلة جفاف صعبة هي الٲكثر حدة منذ سنوات، كما أن تقريرا أعده معهد الموارد العالمية(World Resourses Institute) في عام 2019 تم تصنيف المغرب ضمن لائحة الدول الحمراء التي ستعرف ندرة مائية حادة في أفق 2040 مما زاد من تعميق المشكلة. كل هذه المؤشرات دفعت المغرب بإعلان حالة استنفار قصوى، مسابقا الزمن عبر حزمة من الحلول الاحترازية جبرا للضرر ولو بطريقة مؤقتة، كتقنين المياه لترشيد استهلاك " المعدن الأزرق‟٬ وإصدار قرار إغلاق الحمامات التقليدية والعصرية حاملة بذلك شعارا مبطنا للمغاربة مفاده "اللهم مغاربة موسخين ولا عطشانين‟٬ ومنع سقي المناطق الخضراء والملاعب والساحات العمومية بالمياه الصالحة للشرب، فالحلول كثيرة واللائحة تطول. غير أن شهر مارس الذي يقال إنه شهر الكوارث، كان له رأي آخر،أسبوع واحد كان كفيلا بخلط جميع الأوراق وضرب كل التكهنات عرض الحائط بشأن مصير المغرب مع معضلة الجفاف، لتنعش أمطار الخير آمال المغاربة عامة والفلاحين خاصة، بعد أن كان هذا الأخير قاب قوسين أو أدنى من سنة أقل ما سيقال عنها كارثية. كان وقع الأمطار واضح على الطبيعة التي تحولت إلى إخضرار في إقليمتازة ونواحيه، وانعكست على الفرشة المائية بشكل إيجابي. تقول رحمة الٲزرق القاطنة بجماعة البرارحة إقليم "حد مسيلة" ذات الأصول البرنوصية ، عن التحول الذي عرفته منطقتها بعد أمطار الخير على مستوى الفلاحة متوقعة بذلك موسما فلاحيا جيدا على حد تعبيرها٬ وعلى مستوى المنسوب المائيالذي عرف فائضا بعدما كان مهددا بالنضوب، مضيفة أن أهالي المنطقة قبل هذا الغيث الرباني كانوا أمام تحد كبير دفعهم إلى وضع تفاهم شفوي بينهم لاستهلاك الماء. ليست جماعة "البرارحة‟ لوحدها من عمها هذا الرخاء٬ فالزائر لمدينة تازة والدواوير المحيطة بها سيلاحظ الثوب الأخضر الذي لبسته بأبهى حلله . بحكم مورفلوجية المنطقة الجبلية قفد تلقت هذه الأخيرة تساقطات ثلجية مهمة وصلت إلى 50 مترا بمنطقة "بويبلان‟ وبجبل "تازكا‟ أعلى قمة بالإقليم٬ بينما على مستوى السطح فقد وصل ارتفاعه حوالى 25 مترا محولا بذلك متنزه باب بودير للوحة ٲيقونية يكسوها البياض يعجز أي فنان التعبير عنها . لم يقف الأمر عند هذا الحد٬ فالأجواء الإيجابية انتقلت إلى مواقع سياحية أخرى معروفة بالطابع الإيكولوجي٬ أشهرها "راس الماء‟ الذي يبعد عن مدينة تازة بحوالي ثلاثة كيلومترات٬ حيث عرف هذا الأخير زيادة منسوب المياه فيه بشكل ملحوظ وبروز عيون جديدة أو "العناصر‟ كما يدعوها أهل المنطقة، الأمر الذي جعلها قبلة للسياح في الآونة الاخيرة بعدما كانت خاوية على عروشها طيلة موسم الجفاف. في نفس السياق يقول السيد إدريس غرد عن منطقة شيكر وهي المنطقة التي ينتمي إليها والمعروفة بموقع يسمى "غلتة شيكر‟ التي استحالت لضاية نابضة بالحياة حسب تعبيره ، والتي يكثر فيها غراسة اللوز٬ مضيفا على أن التساقطات الأخيرة بالمنطقة عكست جليا فيها مخطط المغرب الأخضر. بالرغم من هذه التقلبات المناخية التي قد تصل لحد القتامة ٬ والتي كانت لها القدرة على تغيير سلوكيات عديدة في الإنسان المغربي بشكل عميق وإن ٲكسبته مناعة، لكنها أبدا لم تستطع أبداً أن تغير نظرته اتجاهها بكونها قدرا وعقابا إلهي يرفع بالصلاة والدعاء وإعلان التوبة الجماعية. مناعة تغلغلت في جينات المغاربة وأضحت عاملا مساعدا تدعوا للتفاؤل وأنه مهما اشتد الأمر فهناك دائما نور في آخر النفق .