تحولات عدة تلك التي أضحت تعيشها منطقة البحر الأحمر منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، معطى طرح نفسه بقوة مع استهداف جماعة الحوثي للسفن التجارية الإسرائيلية ما أدى إلى تفاقم الأزمة اليمنية من جهة، وتزايد التوترات الإقليمية واضطراب حركة التجارة العالمية من جهة أخرى. التطورات الأخيرة بالمنطقة وتزايد حدة الهجمات الأمريكية، والبريطانية على اليمن بعد رفض الحوثيين التوقف عن اعتراض السفن في البحر الأحمر، اعتبره البعض خطوة فاقمت الأزمة اليمنية وأضحت عقبة في وجه تحقيق السلام والوصول إلى حل من أجل إنهاء الأزمة التي عمرت طويلا. وضع فاقم الأزمة الإنسانية التي يعيشها المواطن اليمني، في ظل اقتصاد منهار بشكل شبه كلي، فارتفاع كلفة الشحن ستؤدي بشكل أوتوماتيكي إلى ارتفاع الأسعار داخل الأسواق اليمنية. تدهور الأمن الغذائي للبلاد حديثا حول هذا الموضوع وكيف أدت أزمة البحر الأحمر إلى تفاقم الوضع في اليمن أوضح الباحث في الدراسات الدولية والاستراتيجية والأمنية، عبدالرحمن سعيد فارع، أن اليمن والمنطقة الممتدة على طول الساحل الغربي للبحر الأحمر، أصبحت تشهد تحديات متعددة تؤثر على الوضع الإنساني والسياسي في البلاد. واعتبر المتحدث ذاته أن الممر المائي للبحر الأحمر يعد منطقة حيوية للتجارة العالمية، إذ تمر نسبة كبيرة من حركة الملاحة البحرية العالمية من هذه المنطقة، التي تمثل محورًا استراتيجيًا للعديد من الدول الإقليمية والدولية. وأكد المتحدث في تصريح لجريدة "العمق" أن التوترات في المنطقة متزايدة نتيجة لاستهداف جماعة الحوثي للسفن التجارية في الممر البحري، ما ترتب عنه اضطراب في حركة التجارة العالمية وزيادة التوترات الإقليمية. علاوة على ذلك، فقد أدت الضربات الجوية الأمريكية والبريطانية ضد مواقع للحوثيين داخل اليمن إلى تصعيد الموقف وتعقيد الوضع الإنساني، ومن خلال التقارير الأخيرة لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة يشير صراحة إلى تدهور الأمن الغذائي في البلاد خلال الأشهر القادمة. عقبة أمام التسوية وأضاف الباحث في المجال الأمني أن مشاكل اليمن ارتفعت نتيجة لارتفاع تكاليف شحن البضائع، بسبب الحاجة إلى التفاف السفن حول جنوب إفريقيا لتجنب المرور في الممر المائي الاستراتيجي للبحر الأحمر. وتابع عبدالرحمن سعيد فارع، بالقول: "إن الوضع الحالي يجدد التحديات أمام الجهود الرامية إلى تحقيق التسوية السياسية في اليمن، حيث تشكل الصراعات الإقليمية والتدخلات الخارجية عقبة كبيرة أمام تحقيق السلام والاستقرار". وفي معرض تصريحه أكد الباحث أن الوضع الحالي يظهر تعقيدات جديدة لتحقيق التوافق والتسوية الداخلية في البلاد، مما يفرض على الأطراف الدولية والإقليمية عوائق أكثر للتعامل مع الوضع اليمني. وفي ختام حديثه شدد الباحث في الدراسات الدولية والاستراتيجية والأمنية، عبدالرحمن سعيد فارع، على أن الأحداث الأخيرة في المنطقة، بما في ذلك الهجمات الحوثية على السفن التجارية والضربات الجوية الأمريكية والبريطانية، تزيد من التوترات الإقليمية وتعقد الوضع الإنساني والسياسي في اليمن، مما يشكل تحديات جديدة أمام الجهود الدولية والإقليمية المبذولة لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة. تداعيات اقتصادية وسياسية من جانب آخر، أكد مختص في الشأن اليمني، فضل عدم ذكر اسمه أن الفكرة والمشروع الحوثي برمته قائم على المغامرة بالدولة دون اكتراث لأي تبعات قد تتعلق بمعاش الناس وأمنهم، وآخر تلك المغامرات، ما يقوم به الحوثي في البحر الأحمر، ومع أن الغاية في ذاتها نبيلة، فالقضية الفلسطينية ومساندتها تكاد تكون محل إجماع يمني شامل أكثر من إجماعهم حتى على سرديتهم الوطنية. وبصرف النظر عن الدوافع الحقيقية للهجمات التي يقوم بها الحوثي في البحر الأحمر ، وحجم المكاسب السياسية والإستراتيجية التي حققها، إلا أن الضربات العسكرية التي تهدف إلى منع السفن المملوكة لإسرائيل أو تلك المتجه إليها من المرور عبر البحر الأحمر، كانت لها حسب المتحدث تداعيات سياسية واقتصادية وعسكرية. وأوضح خبير الشأن اليمني أن الوضع فاقم متاعب الاقتصاد اليمني المنهك أصلا بفعل الحرب المستمرة منذ قرابة العقد، كون أن ارتفاع تكلفة الشحن البحري في بلد يعتمد بشكل كبير على الاستيراد لسد حاجياته قد ضاعف من أسعار السلع الأساسية ومست المواطنين بشكل مباشر بما فيها المناطق التي يسيطر عليها الحوثي، خصوصا في ظل انقطاع المرتبات على جل القطاعات العامة، وبالذات قطاع التعليم. واعتبر المتحدث في تصريح لجريدة "العمق" أن الحوثي راكم خبرات طويلة عن كيفية امتصاص الضغط المجتمعي الممكن أن ينجم عن مثل هذه الخطوات، وبالتالي يمكن القول أن هذه الجماعة استطاع ترويض الناس وتعويدهم على تقبل الأزمات، بل إن الحوثي وجد في تلك الهجمات مخرجا أخلاقيا للهروب من الضغط الاجتماعي والاقتصادي في مناطق سيطرته خصوصا بعد الهدنة الطويلة. إضفاء الشرعية وأكد المتحدث أن الجماعة وجد في تلك الهجمات فرصة ثمينة لإضفاء نوع من المصداقية على شعاره الشهير (الموت لأمريكا الموت لإسرائيل اللعنة على اليهود) والذي كان يبدو فنتازيا إلى حد كبير وصار موضع تهكم كل خصومه. ومن الناحية السياسية اعتبر الخبير أن أولى تداعيات تلك الهجمات كانت التأثير السلبي على مسار عملية السلام التي تقودها الأممالمتحدة، إذ تم التراجع عن كثير من الخطوط التي كان من المفترض إنجازها. كما أعادت الهجمات الحوثية التأكيد على أهمية الاستقرار في منطقة البحر الأحمر بالنسبة للسلم والأمن الدوليين. وفي ختام حديثه شدد خبير الشأن اليمني أن عدم استقرار المنطقة يترتب عليها تداعيات تمس العالم بأسره، وذلك الاستقرار لا يتحقق إلا بوجود دولة قادرة على فرض سيطرتها على كامل ترابها الوطني وتحمل مسؤوليتها الدولية تجاه حرية وسلامة الملاحة، وهذه المسألة تحديداً ما باتت الحكومة اليمنية الشرعية والمعترف بها دوليا تحرص على طرحها وتأكيدها في إطار موقفها مما يحدث في البحر الأحمر. ومنذُ 21 شتنبر 2014، مرّ الصراع في اليمن بمراحلٍ مُتعددة، بدءًا من دخول جماعة أنصار الله الحوثية العاصمة صنعاء، عند سيطرت الجماعة على مقر الحكومة بعد مصادماتٍ مع القوات الحكومية استمرت لأيام، مُخلّفةً نحو 270 قتيلًا. وفي 22 شتنبر 2014، وقع الفرقاء السياسيون اليمنيون اتفاقًا عُرف باسم "السلم والشراكة" برعاية أممية. سعى الاتفاق إلى حلّ الأزمة السياسية التي عصفت بالبلاد آنذاك. تضمن الاتفاق بنودًا جوهرية، منها، إجراء محادثاتٍ لتشكيل حكومة كفاءات تُمثل جميع ألوان الطيف السياسي اليمني خلال شهر من توقيع الاتفاق، وتعيين مستشارين للرئاسة من الحوثيين والحراك الجنوبي، لضمان مشاركة جميع الأطراف في صنع القرار، مع استمرار حكومة محمد سالم بتصريف الأعمال في البلاد، لحين تشكيل الحكومة الجديدة. ولم يدم الهدوء طويلًا، ففي أكتوبر 2014، تحالف الحوثيون مع الوحدات العسكرية الموالية للرئيس السابق، علي عبد الله صالح، حيث استطاعت هذه القوى السيطرة على ميناء الحديدة على البحر الأحمر، الذي يعد نقطة دخول حيوية للواردات والمساعدات الإنسانية إلى المدن الشمالية من البلاد. ومع اندلاع الحرب في اليمن عام 2015، شنت السعودية وعدد من حلفائها ضربات جوية ضد الحوثيين لمنعهم من السيطرة على المزيد من المدن اليمنية، واستعادة سلطة الحكومة المعترف بها دوليًا، إلا أن الحرب أدت إلى كارثة إنسانية، إذ يعاني الملايين من اليمنيين من نقص الغذاء والدواء، وانتشار الأمراض، ونزوحهم من ديارهم.