لقد اتضح الآن بأن الحراك التعليمي الذي انطلق منذ أكتوبر من السنة الماضية يتسم بالعفوية وله من الطاقة ما تمكنه من الاستمرار في الاحتجاج، غير أن مشكلة هذه العفوية تكمن في أفقها غير المحدد، الدولة الآن تتحمل مسؤولية إفراغ الأحزاب والنقابات من أدوارها السياسية وجعلها مجرد دكاكين مفصولة عن المجتمع. يصعب إيقاف هذا الحراك من طرف إطار أو تنظيم معين نقابي أو سياسي وما يزيد الطين بلة هو فقدان الثقة في الوزارة والحكومة. الآن وبعد ما يقارب ثلاثة أشهر من الاحتجاجات لم يقتنع الأساتذة بأي اتفاق أو وعود، في الواقع الأساتذة لا يثقون في أي شيء يصدر عن الحكومة والنقابات، الأساتذة الآن في وضعية السيدة التي تذهب عند العطار وتريد أن تأخذ العطرية حبوب وتطحنها بنفسها لأنها لا تثق في أي أحد. هناك عمل ألتراليبرالي على تفتيت النقابات والقضاء على العمل النقابي المنظم، والدفع بالعمل الفئوي اللحظي والانفعالي المثمثل في التنسيقيات، طالما المنظومة الرأسمالية تتموقع تاريخيا كنقيض للعمل النقابي المنظم الذي يشتغل على المدى البعيد وينظر لمعاركه وفق هوية واضحة وخصم واضح. فالعمل التنسيقي يفتقد للهوية ويكاد لا يكون له خصم واضح بين من يراه في الوزارة ومن يراه في الحكومة ومن يراه في الدولة. التنسيقيات باعتبارها فاقدة لهوية نضالية ولتنظيم صلب تظل إمكانا احتجاجيا Jetable للاستعمال اللحظي، تمارس ضغطا صحيح لكن في غياب التنظيم الصلب يسهل احتواؤها وبلقنتها من خلال اشتغال الخصم على عدم تجانس مكوناتها وغياب شمولية مطالبها. لهذا حينما نستعمل لفظ الحراك التعليمي أو حركة احتجاجية نعلم أن الأمر لا يصل إلى كونه حركة اجتماعية Un mauvement social، لأن التنسيقيات لا يمكن أن تشكل حركة اجتماعية، لكن النقابات والأحزاب حققت ذلك في مجموعة من السياقات (حركة مناهضة العولمة، الخضر...) لأنها تحدد خصمها وهويتها ولها شمولية التصور. هذا الأمر يفسر عدم بروز قيادات لهذا الحراك، بل ظل الأمر متوقفا على فاعلين وناشطين ميدانيا، هذا التوجه نحو التذويت والفردنة بارز أيضا في هجرة مجموعة من الأفراد من تنسيقية الأساتذة وأطر الدعم الذين فرض عليهم التعاقد إلى التنسيقية الموحدة، ويمكن أن يفسر كذلك مسألة الاستقلالية وتحصين الهوية التي طرحت في تنسيقية الثانوي التأهيلي وكانت تشدد عليها التنسيقية الموحدة في كل بياناتها، حيث صارت الاستقلالية حساسية بدل أن تكون مبدأ على مستوى الممارسة، الأمر الذي يجعل عملية التشتيت والبلقنة في جسم غير متجانس تهديدا دائما، فالعمل يتجه نحو الحفاظ على هذه الحساسية وعدم تحويلها إلى مبدأ، ما يفرز سيلا من التخوين والاتهام بين الفاعلين، بل يتم البحث في ماضي كل فاعل لإثبات شيء ما يدينه ويتم الحديث عن عدم الانتماء السياسي أو النقابي باعتباره شرفا علما أن الخيانة فعل إنساني، وعدم الانتماء هو في حد ذاته انتماء؛ انتماء للاموقف، اللاموقف الذي كانت تصرفه الشغيلة التعليمية دائما تحول في هذا الحراك إلى موقف إقصائي طهراني وفي الواقع هو موقف انتهازي؛ إذا ما عرفنا الانتهازية باعتبارها التموقع في الوقت والمكان المناسبين من أجل مصالح معينة. ما هي أفق العمل؟ العمل يجب أت يتوجه نحو استرجاع الدور التاريخي للعمل النقابي، لأن لعن النقابات وصب جام الغضب عليها يخلط بين التنظيم النقابي والنقابيين الذين هم نتاج لبنية سياسية وثقافية أفرغت من الفعل السياسي وغلب عليها الاقتصادي على مستوى العالم. كما يجب الحذر من الاسفنجة السياسية التي تمتص غضب الأفراد وتستغله كما حدث سنة 2009 وتشكيل حزب الأصالة والمعاصرة نتيجة إحباط سياسي كان وراءه الأحزاب السياسية، وهو الامر الذي قد يتم استغلاله اليوم لإخراج نقابة جديدة توهم الغاضبين واليائسين بأنها المهدي المنتظر.