لم تمض غير أيام قليلة على مصادقة الحكومة على النظام الأساسي الجديد لموظفي قطاع التربية الوطنية يوم 27 شتنبر حتى انتفضت أهم شريحة وأوسعها في القطاع ضده في إضراب وطني يوم 5 أكتوبر يعد الأنجح في عمر حكومة السيد أخنوش على الأقل. ومن بين ما تراهن الحكومة عليه في المشروع الجديد ربح رهان الاستقرار الاجتماعي في أحد أكبر القطاعات الاجتماعية بالمغرب. غير أن النجاح الكبير للإضراب الوطني الذي خاضه الأساتذة يعد جوابا لا يقبل التأويل عن فشل تدبير الحكومة لهذا الملف الحساس الذي يرهن الحياة المهنية والاجتماعية لمئات الآلاف من نساء ورجال التعليم. والواقع أن الحكومة لم تظهر عن مستوى مقبول من الذكاء والحكمة في تدبير ملف النظام الأساسي لموظفي قطاع التعليم. بل تطرح المقاربة التي اعتمدتها أسئلة حول جديتها في حل معضلات أحد أكثر القطاعات الاجتماعية حساسية بالمغرب. ولتلخيص صورة التدبير الحكومي لملف أساسي تراهن على تسجيل الاختراق فيه، نجدها أقرب لمن يشعل النار في ثيابه ثم يصب الزيت عليها. ذلك أن الحكومة في الوقت الذي تسعى فيه إلى تمرير نظام أساسي أشعل نيران غضب المعنيين به، وخاصة الأساتذة الذين اعتبروه ماسا بكرامتهم، تقوم في نفس الوقت بصب الزيت على تلك النيران بقرار "إقصاء" أوسع شريحة من موظفي التعليم من الزيادات "السخية" في الأجور التي وزعتها على باقي فئات الموظفين، وتم تعميم خطاب إعلامي يضع الأساتذة أيضا ضمن المستفيدين من تلك الزيادات! وكي نختصر صورة موقف الأساتذة من النظام الأساسي الجديد، فهم يعتبرون أنه، حسب حصيلة الأدبيات التي تضمنتها البيانات والتدوينات الصادرة عنهم، حول مهنة التدريس إلى معتقل مع الأشغال الشاقة والعقوبات. حيث أن المشروع في الوقت الذي أبدع ووسع فيه مجال التكليفات وأثقل كاهل الأستاذ بالمهام، وحصن جبال تلك المهام الجديدة بترسانة من العقوبات خصص لها صفحة ونصف، لم يخصص للحوافز سطرا واحدا! والأخطر، حسب أدبيات هؤلاء الغاضبين، هو أن المشروع تجاهل جميع مطالبهم الأساسية. إن المضمون المرفوض للنظام الأساسي من طرف الأساتذة، وإقصائهم من الزيادة في الأجور أمران لا يمكن إلا أن يعضد بعضهما البعض ليطلقا زلزالا من الغضب قد لا تتوقف هزاته الارتدادية على المدى القريب. إن الوجه الآخر للأزمة الحالية لقطاع التربية الوطنية المرتبطة بالنظام الأساسي والإقصاء من الزيادة في الأجور، يتعلق بإضعاف النقابات بصفتها تمثل مؤسسات الوساطة بين الحكومة وموظفي قطاع التربية. فمباشرة بعد مصادقة المجلس الحكومي على النظام الأساسي المعني انطلقت دينامية الانسحابات الجماعية من النقابات التي قبلت تمرير بنود شكلت صدمة للأساتذة بالخصوص. ما شكل نزيفا غير مسبوق في قواعدها، وانحطاطا غير مسبوق في شعبيتها ومصداقيتها في صفوف موظفي القطاع وخاصة الأساتذة. وانهيار مصداقية النقابات التعليمية لدى الأساتذة هو الذي يفسر تخليهم عن تلك النقابات في تأطير نضالاتهم ضد النظام الأساسي، وخاصة تنظيم الاضراب الوطني ليوم الخامس من أكتوبر. فقد تم استبدالها بتنسيقية وطنية وأخرى محلية. وهو ما يعني أن النقابات لم يعد لها دور في تأطير الاحتجاجات في أحد أخطر القطاعات الاجتماعية في المغرب، ليس فقط على مستوى قاعدته العريضة من الأساتذة ولكن بالخصوص لكونه يمس جميع الأسر المغربية التي ستجد أبناءها بدون تعليم إن لم تبادر الحكومة لاحتواء الوضع بشكل إيجابي وذكي. لقد تصرف الأساتذة بذكاء كبير لما نظموا إضرابهم الوطني بالتزامن مع يومهم العالمي الذي يفترض أن يتم فيه تكريمهم والاعتراف لهم بأدوارهم الحيوية في التنمية الوطنية العامة. غير أن المقاربة الأمنية التي واجهت بها الحكومة الإضراب الوطني للأساتذة في يوم تكريمهم، لا يدل على أنها استوعبت بشكل واضح التعقيد الذي أفرزه ملف النظام الأساسي، والذي يمكن تلخيصه في الغضب الكبير الذي وحد الأساتذة تحت شعار الكرامة، وضعف النقابات التي يفترض فيها توفير التأطير لذلك الغضب، وشمول النظام الأساسي لما اعتبره الأساتذة إهانة لهم، وإقصاؤهم من الزيادة في الأجور الذي استفزهم واعتبروه الدليل على أن الحكومة تستخف بهم. والأسئلة الجوهرية الآن نوعان، النوع الأول: هل ستتجاهل الحكومة رسالة الإضراب الوطني وتواصل التعويل على توقيعات نقابات أضعفتها أمام قواعدها ومست مصداقيتها وسط الأساتذة؟ وهل ستعول الحكومة على المقاربة الأمنية والعقوبات الإدارية لاحتواء غضب الأساتذة وإسكاتهم؟ إذا كانت الإجابة بالإيجاب على مثل هذه الأسئلة فإن بابا من الاضطرابات في قطاع التربية الوطنية قد فتحته الحكومة على مصراعيه وقد لن تتمكن من إغلاقه بدون كلفة ثقيلة. أما النوع الثاني من الأسئلة فهي: هل ستعيد الحكومة النظر فيما يعتبره الأساتذة نقطا سوداء في مشروع النظام الأساسي الجديد؟ وهل ستطلق الحكومة نسخة ثانية من زيادات جديدة في الأجور بنفس المواصفات التي ميزت النسخة الأولى، تكسب بها رضى الأساتذة؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب على هذه الأسئلة فإن تاريخا إيجابيا جديدا في علاقة وزارة التربية الوطنية وموظفيها وخاصة الأساتذة، سوف يبدأ وينطلق. وإذا كان وزير التربية الوطنية سوف يتجاهل مطالب الأساتذة فعليه الاستعداد لتدبير قطاع لن تتوقف موجات غليانه. إننا نتحدث عن الحكومة في هذا المقال أكثر من الوزارة والوزير، ذلك أن التعليم ليس قطاعا من الموظفين، بل يمس أزيد من سبعة ملايين أسرة مغربية سوف تعيش تحت وقع تهديد الحياة الدراسية لأبنائها، مما يجعل الأزمة التي اندلعت بالمصادقة على نظام أساسي يرفضه الأساتذة وبقرار في الزيادة في الأجور يقصيهم بشكل يثير الاستغراب، تتجاوز جدران مؤسسات قطاع التربية والتعليم ليلقي بظلاله على المجتمع ككل. فهل تعتبر الحكومة برسالة إضراب الأساتذة ومن مؤشرات الأزمة المشار إليها، وتدارك الأمر قبل فوات الأوان؟