شددت جماعة العدل والإحسان، في أول تعليق لها على النقاش الدائر بخصوص تعديل مدونة الأسرة، على سمو المرجعية الإسلامية، داعية إلى الاعتصام بها، رافضة التنازل عن أي حكم قطعي جاءت به الشريعة الإسلامية. كما حذرت من "أقلية فاسدة تريد أن تصبغ بفسادها كل المجتمع"، بحسب تعبيرها. وقال مجلس إرشاد جماعة العدل والإحسان إن "الغالبية الساحقة من هذا الشعب تريد الإصلاح وتؤمن به وتدعمه، من أجل تجاوز أي خلل وإدخال كل تحسين على الموجود، وإبداع كل تجديد في إطار ثوابت الدين الإسلامي وخصوصيات المجتمع المغربي الحضارية والثقافية، وترى أن الإصلاح في هذا المجال ينبغي أن يكون عاما لكل أحوال الأسرة وبكل مكوناتها، المرأة والطفل والرجل وبكل مجالاتها المتداخلة من بيئة اجتماعية سليمة ومن رعاية كافية للمعوزين من أبناء الشعب، ومن إعلام هادف لمصلحة البناء الاجتماعي المتماسك، وتعليم ضامن لنقل الأخلاق والقيم البانية من جيل إلى جيل". في المقابل، حذرت الجماعة، في بيان حول تعديل مدونة الأسرة من "أقلية فاسدة تريد أن تصبغ بفسادها كل المجتمع، معادية لكل خلق كريم ولكل حياء متأصل في هذا الشعب، وتريد أن تعلنها حربا ضروسا داخل الأسر المغربية من خلال محاولات رفع الجرم عن الفساد في علاقة الرجال بالنساء وجعل الأسر، والعياذ بالله، بين خيارين إما أن تكون أوكارا للفساد وشيوع الرذيلة وانتشار الفاحشة، أو ميدانا للاقتتال والحروب، ينتهي بالناس إلى المقابر والمستشفيات والسجون لا قدر الله". ودعت الهيئة ذاتها إلى اليقظة الشعبية الدائمة والمستمرة، وإلى الوعي التام بكل المخاطر التي تهدد الأسرة والاستعداد من أجل الدفاع عن تماسكها وعن مركزيتها المجتمعية بكل السبل السلمية المشروعة، مشيرة إلى أن الأمة المجيدة والدولة ذات السيادة التي تقودها العزة والحكمة والعقل لا تقبل المساومة على مقومات هويتها المتمثلة في دينها وخصوصياتها الأخلاقية والقيمية والثقافية. وأشارت الجماعة في بيانها إلى عدد من الأعطاب التي تعيق التطبيق السليم لأي قانون، مؤكدة على أن السعي "لإصلاح" مدونة الأسرة ينبغي أن لاينفك عن إصلاح تلك الأعطاب وغيرها. وما الأسرة على قداستها إلا حلقة في سلسلة سياسية اجتماعية اقتصادية تربوية ثقافية، وفق تعبيرها. ودعت إلى الاعتصام بالمرجعية الإسلامية كمنطلق من شأنه أن "يكسبنا وضوح الرؤية، وثبات الخطى، وسلامة التقدير"، مضيفة أن هذه المرجعية "ليست مجرد منطلق للتقارب والتفاهم بين المسلمين من أبناء الوطن الواحد فحسب"، بل تمثل "القاسم المشترك، والمنطلق المؤسِّس، والمسلَّمة التي لا نتصور نجاح أي نقاش عمومي حول تعديل المدونة خارج دائرتها". وأشار مجلس الإرشاد إلى أن "المرجعية الإسلامية ليست محصورة في القوانين؛ بل هي مشروع نهوض وبناء، وحقوق وتكريم للإنسان والشعب والأمة، للمرأة والرجل على حد سواء، بلا تفريق في الحقوق والواجبات، إلا ما خص الله به أحدهما من أحكام ومسائل تتناسب وطبيعة التكليف وأغراضه ومقاصده". وأكد المصدر ذاته على سمو المرجعية الإسلامية "في أرضها وبلادها وبين ظهراني شعبها"، رافضا كل اقتراح يتناقض معها، وأن الاجتهاد المتخصص من داخلها فيه فسحة للإجابة عن كثير من الإشكالات والمعضلات، ولا مجال نهائيا للتنازل عن أي حكم قطعي جاءت به شريعة الإسلام. وفي تعليقه على بيان الجماعة، هنأ أستاذ الدراسات الإسلامية والعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس، عبد السلام بلاجي، جماعة العدل والإحسان على بيانها حول تعديل مدونة الأسرة؛ والذي يعد سابقة وتطورا حقيقيا في مسار الجماعة فيما يتعلق بهذه القضية. ونوه بلاجي بخلاصة البيان الذي سجلته الفقرة الأخيرة من البيان: "إننا مع إصلاح وطني توافقي لمدونة الأسرة، غير متناقض مع الثوابت الدينية في شرعنا الإسلامي الحنيف، ويدار بشكل ديمقراطي ويخضع لنقاش مجتمعي وعمومي شفاف ومسؤول، بإشراك العلماء إلى جانب باقي المتخصصين، ويرتكز على إعلام في خدمة الأخلاق والقيم. وغير غافل عن تكامل المجالات التربوية والإعلامية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية في كل إصلاح. ومستفيد من كل حكمة بشرية نافعة، وغير خاضع لإملاءات أجنبية". وقال بلاجي في تعليقه على بيان الجماعة: "ففي هذه الفقرة يمكن الإشارة إلى عدة مفاهيم جديدة برزت بشكل قوي وواضح؛ من بينها استعداد الجماعة للانخراط في إصلاح وطني توافقي وكذلك إعداد هذا الإصلاح وإدارته بشكل ديمقراطي ويخضع لنقاش مجتمعي وعمومي". وأوضح الجامعي ذاته أن هذه المفاهيم وغيرها الواردة في هذه الفقرة تنبئ عن توجه متميز وغير معهود في أدبيات الجماعة، قد يكون بداية جيدة للانخراط في مناقشة تفاصيل القضايا الاجتماعية والسياسية وغيرها. ويعتبر هذا التوجه تعزيزا للصف المعارض لبعض الأصوات والتوجهات العلمانية المتطرفة التي تدعو صراحة أو ضمنا للتخلي النهائي عن المرجعية الإسلامية للدولة عموما وفي إصلاح مدونة الأسرة على الخصوص، وفق تعبير المتحدث.