دولتان من بين كل دول العالم انفردتا بتقاسم الرسوب في امتحان التعامل مع "مغرب زلزال الحوز". ونقول "مغرب زلزال الحوز" لأن الأمر يتعلق بوضع استثنائي يصبح المغرب فيه وفي أمثاله، ملكا وحكومة وشعبا وأحزابا ومجتمعا مدنيا وإعلاما ...، قلبا واحدا ويدا واحدة ولسانا واحدا، أكثر من أي وضعية أخرى مخالفة. والدولتان لم تستوعبا هذا الأمر. ولم تستوعبا بذلك أن "مغرب زلزال الحوز" لا يمكن أن تنال منه المؤامرات والمكائد والألاعيب، والأساليب السياسوية، وكل أشكال الابتزاز. وفيما انشغل العالم بفاجعة الوطن جراء زلزال الحوز المدمر، انخرطت الدولتان، ساسة وإعلاما، في ابتزاز الوطن بالمساعدات وفق منطق غير مسبوق في المساعدات الدولية خلال الأزمات، منطق لا يقبل أن يقال له "لا"، أو "انتظر" .. إنهما فرنساوالجزائر. فأما الجزائر فالأمر مفهوم وواضح، فهي الجارة الشقية التي لم تتوقف من عظ اليد التي ظل المغرب يمدها لها طيلة قرابة نصف قرن، في الرخاء والشدة، وكان الرد الممنهج على الدوام هو الجفاء والعداء. لذلك فالمنطقي أن يكون قبول مساعداتها آخر شيء يمكن قبوله بعد أن تكون كل القدرات الذاتية والمساعدات الدولية قد استنفذت أغراضها دون جدوى، وهذا والحمد لله لم يقع منه شيء. أما فرنسا، الصديق التقليدي للمغرب، فالوضع مختلف تماما. واستغرب العالم، من جهة أولى، حالة الهيستيريا التواصلية التي أصابت الرئيس ماكرون. والتي ظهر فيها كتلميذ غبي لا يفهم لا في السياسة ولا في الديبلوماسية، فكيف بفهم طبيعة الدولة المغربية العريقة وشعبها. ومن جهة ثانية، ظهور توجه إعلامي فرنسي انفرد عبر العالم، باستثناء الاعلام الجزائري طبعا، بالعداء للمغرب شعبا وملكا في ظل الفاجعة التي ألمت به. وانكشفت عورته في صناعة الكذب وترويج الأخبار الزائفة بل وصناعتها، ومحاولة الاستثمار السياسوي في الفاجعة بمحاولة التفريق بين الشعب وملكه. فبذل نقل الأخبار والتطورات للشعب الفرنسي، كان ذلك الإعلام يقدم قراءات منحازة وأكاذيب مفبركة. لقد ظهر الرئيس الفرنسي والتوجه الإعلامي المتآمر، المشار إليه سابقا، وكأنهما وزعا الأدوار لكسر عزيمة المغرب وانتهاك سيادته واستقلاليته. رئيس يتعامى لقد ارتكب الرئيس الفرنسي أخطاء سياسية خطيرة في حق المغرب، فقد أراد أن يُطِب العلاقات مع المغرب فأعورها، كما يقول المثل. لم يلتزم ماكرون بالأعراف الديبلوماسية التي تحترم إرادة الدول واستقلاليتها بل وسيادتها، وتعامل مع المغرب وكأنه مقاطعة فرنسية. فالمغرب وفق منطقه السياسي يجب أن يقبل المساعدات الفرنسية، بل وأن تكون فرنسا أول المساعدين إن لم تكن الوحيد. فهو أكثر رئيس دولة تكلم عن المساعدات وكأنه يخاطب متسولا محروما. وحاول الضغط على الدولة المغربية لتقبل تلك المساعدات بالحديث عن "نحن جاهزون" وعن "ما زلنا ننتظر الرد" وعن "تأخر الرد"، وعن "ما زلنا هنا"، ... ولما أيقن أن لا مخاطب له في الدولة المغربية المنشغلة بهمها الأليم، انتقل إلى مخاطبة الشعب المغربي مباشرة بنفس الخطاب قائلا: "أردت مخاطبة المغاربة مباشرة لأقول لكم إن فرنسا حزينة للغاية... بسبب هذا الزلزال المروع... سنقف بجانبكم"! وهذه جريمة لا تغتفر. فقد داس بذلك على كل الأعراف، وتجاهل الدولة ومؤسساتها، وتعامل مع الشعب المغربي وكأنه مجرد جماعة من الناس ليس لهم وطن ولا دولة ولا ولاء ولا تاريخ ولا حاضر ولا مستقبل... ويمرر رسالة مفادها "نحن نريد أن نساعدكم ولكن ..." وهو خطاب خطير له وجه تحريضي واضح. وليكمل الرئيس تهافته السياسي والديبلوماسي أعلنت وزيرته في الخارجية أنه أن الرئيس ماكرون "تلقى دعوة رسمية من العاهل المغربي محمد السادس لزيارة المملكة المغربية" ! لذلك كان الرد المغربي واضحا وصارما عبر بلاغ: ليس هناك أية زيارة مبرمجة! لم يدرك الرئيس الفرنسي الحكمة والرزانة والنضج الذي دبر به المغرب شطحاته السياسية والديبلوماسية طيلة زمن الفاجعة، ليحافظ على "شعرة معاوية". ولكنه يحاول استغباء العالم بمحاولة الظهور كمن لا يفهم طبيعة التعامل المغربي. وكقيادة سياسية لدولة فرنسا كان على ماكرون أن يدرك أن المساعدات الإنسانية تقبل أولا من الأصدقاء، وأن الصداقة مع المغرب حسم الملك في شروطها، فهي تمر عبر مغربية الصحراء، وهو ما يفسر قبول مساعدات دولتي ألمانيا وإسبانيا. وهي رسالة واضحة في رفض ديبلوماسية الكوارث في تحسين العلاقات، وإذا لم يدرك ماكرون ذلك فعليه أن يقدم استقالته من قيادة دولة نسجت علاقات قوية مع المغرب طيلة عقود لم تتزعزع خلالها أبدا، لتصبح قاب قوسين أو أدنى من الانفراط بسبب سياساته المتعامية. يمكن أن نتفهم صدمة الرئيس الفرنسي بسبب الاندحار المتسارع لوجود بلاده في القارة السمراء والذي أربكه، لكن نؤاخذه على افتقاده الشجاعة للحفاظ على المغرب كصديق تقليدي وهو يعلم جيدا ما المطلوب. إعلام مغرض كان أكثر ما شغل الاعلام الفرنسي مند الوهلة الأولى هو السؤال: لماذا رفض المغرب المساعدة من فرنسا؟ وهو سؤال وجيه، لكن أن يكون الشغل الشاغل للإعلام على حساب الأخبار والتطورات في حدث له بعد إنساني واجتماعي، فهذا لا يفهم منه إلا أنه يعضض سياسة الرئيس وموقفه. وبذلك طغت المقاربات السياسية على الإعلام الفرنسي لفاجعة زلزال الحوز، والتي حاولت تشكيل رأي عام فرنسي مفاده أن المغرب لا يمكن أن يحل أزمة الزلزال دون مساعدة فرنسا! وهي مؤامرة ضد الشعب الفرنسي الذي تم تضليله كي لا يدرك حقيقة الأمور. وفي ظل طغيان المقاربة السياسية لزلزال الحوز لا يستغرب أن يظهر توجه إعلامي متطرف اشتغل بمقاربات تستهدف المغرب ووحدته الوطنية. بلغ الأمر بهذا التوجه أن يصنع الكذب ويروج الأخبار الزائفة، وينخرط في حملة تشويه مقصودة ومنحازة وسلبية، تولت كبر هذا التوجه المتطرف كل من صحيفة Libération التي حرفت تصريحات مواطنة مغربية استغلت صورتها على صفحاتها الأولى وتنسب لها كلاما خطيرا هو قولها زورا: "أنقدونا إننا نموت في صمت" وهي عبارة لا تخفى الصناعة الإعلامية في عبارتها، فيما كانت المواطنة تصرخ "عاش الملك". وهذه الفضيحة تعرت اليوم وأصبحت محل تحقيقات إعلامية ومتابعة قضائية من طرف المتضررة. ثم صحيفة "l'humanité" الشيوعية، التي تحدث عن القلق إزاء "الجمود الخطير للسلطات المغربية" وخطر "إعاقة" المساعدات الإنسانية، حسب ما نقلته مصادر إعلامية. ونجد أيضا صحيفة Le Parisien التي تتعامى بالسؤال "لماذا يرفض ويتردّد في الإمساك باليد الممدودة" حسب نفس المصادر... وهي نماذج تظهر طبيعة اشتغال بعض وسائل الاعلام الفرنسية على فاجعة الزلزال. إننا لا نناقش حرية الاعلام، ولكن ننتقد التآمر على مخالفة الأخلاقيات الأساسية لمهنة الصحافة، والانحياز المخل في التعاطي مع الأحداث، والاستهداف المقصود في المقاربات، واستغلال الفاجعة لتصفية الحسابات السياسية بالوكالة. نظارة المغرب لا ترى ماكرون بعد لقد أدخل ماكرون الإرث التاريخي للعلاقات بين فرنسا والمغرب تحت أنقاظ زلزال الحوز بعد أن طعنها في الظهر من قبل بموقفه المتخاذل من القضية الوطنية. والسبيل الوحيد لمساعدة نفسه في الفاجعة السياسية التي حلت به جراء سوء تدبير علاقاته مع المغرب ليس أكثر من استحضار شروط بناء الصداقات واستمرارها التي عبر عنها الملك في أكثر من مناسبة وخاصة خطاب ذكرى ثورة الملك والشعب لسنة 2022 حيث قال: "أوجه رسالة واضحة للجميع: إن ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات لذا ننتظر من بعض الدول، من شركاء المغرب التقليديين والجدد، التي تتبنى مواقف غير واضحة، بخصوص مغربية الصحراء، أن توضح مواقفها، وتراجع مضمونها بشكل لا يقبل التأويل". تلك هي النظارة التي يرى من خلالها المغرب العالم، وحين لا يظهر ماكرون من خلالها، فما عليه سوى أن يدخل مجالها من باب مغربية الصحراء.