احتضنت الهضبة السعيدة آيت بوكماز بإقليم أزيلال الأسبوع الماضي فعاليات النسخة الأولى ل"أيام الراعي". وسهر على إطلاق هذه المبادرة "الفريدة" نخبة من الفاعلين الجمعويين، وأكاديميين، وباحثين في التراث المادي واللامادي. وتهدف هذه المبادرة إلى تثمين الموروث الثقافي المحلي، والترافع عن كل ما له علاقة بالرعاة والمجال الرعوي، وأيضا العمل على الحفاظ على صنف من الأغنام الخاص بالمنطقة مهدد بالانقراض. دار الراعي على غرار مشروع "دار التراث الشفهي" في قصبة ايت بنحدو بورزازات، تسعى جمعية "لغتنا المواطنة" إلى إطلاق "دار الراعي" بآيت بوكماز، لتوظيف المؤهلات الفريدة التي تزخر بها المنطقة، وتقديمها من خلال "بيت" يكون مساحة خاصة تهتم بحكاية الراعي ونشاط الرعي بدءا بسلالة أغنام، مرورا بالصوف، والنسيج، والقصص القديمة ، فعادات وتقاليد نمط عيش الكسابة . وفي تصريح لموقع " العمق"، قال هشام كنون، رئيس جمعية " لغتنا المواطنة": إن "الهدف من هذا المشروع هو الاشتغال على تنمية محلية مندمجة ومستدامة، بالتأسيس على ما تزخر به كل منطقة من مؤهلات"، مشيرا إلى أن "أهم الروافع التي يتم التركيز عليها هو تثمين التراث اللامادي، ونمط عيش الساكنة في القرى والجبال خاصة بالجنوب الشرقي والأطلس الكبير". من جهته، اعتبر رئيس جماعة "تبانت" خالد تكوكين، أن "أيام الراعي في آيت بوكماز محاولة أخرى لفتح كنوز المؤهلات التي نرفض جميعا أن ننظر إليها حين نتحدث عن المناطق الجبلية". وأضاف قائلا: "الرعي نمط حياة تراث مهدد بالزوال، وهو مصدر ثراء في الآن نفسه، لحم وصوف، وحكي، وصناعة تحف من عمق الثقافة الأصيلة". رئيس جمعية " لغتنا المواطنة"، أكد أيضا على أن هذا المشروع الذي جرى افتتاح فعالياته منذ أيام قليلة، تحت شعار "أيام الراعي"، من المرتقب أن يرى النور السنة المقبلة. ربط الماضي بالحاضر تخللت أيام الراعي التي نظمت بشراكة مع دار الضيافة "اليانس بربر"، وبتأطير من خبراء وباحثين، برنامجا متنوعا سلط الضوء على العديد من المواقع المعروفة بالمنطقة، فكانت انطلاقة المبادرة من موقع النقوش الصخرية بتزي نترغيست بآيت بولي لاستلهام تلك العلاقة الوطيدة بين الحاضر والماضي والتي تجسدها رسوم ضاربة في القدم . وفي هذا الصدد ، اعتبرت الباحثة في التراث المادي واللامادي فاطمة الزهراء صالح، أن "الراعي ليس فقط إنسان يرعى الغنم، بل هو ذكاء ملم بمجاله، ويعلم كيف يقود قطيعه إلى أماكن العشب، له دراية بالتحولات المناخية للمنطقة". وأبرزت المتحدثة ذاتها أهمية النقوش الصخرية بجبل رات، والتي تؤرخ لممارسة تراثية عريقة لعلاقة الإنسان بالحيوان، مشيرة إلى وجود احتمال كبير في كون الرعاة القدامى بتزي نترغيست هم من قاموا بالنقش على الصخر. "وهذا شيء يتطابق مع طبيعة المنطقة الرعوية ومع أنشطة سكانها حتى الوقت الراهن، بدليل أن تسمية القبيلة التي توجد بها هذه النقوش في أراضيها" بآيت بوولي" والتي تعني بالأمازيغية أصحاب الأغنام ،تضيف المتحدث ذاتها. مشاكل الرعاة تطرق باب " بيت الراعي" يعاني مجال الرعي، والرعاة الكثير من الضغط، والصعوبات، مما دفع العديد من الأسر إلى التخلي عنه، بل تكاد عدد من المناطق تعلن آخر آجيالها من الرعاة . " العربي سكونتي"، فلاح وكساب، جاء من الراشيدية للمشاركة في أيام الراعي، يرى أن المناطق الرعوية أخذت منحى تقلصي، مما يدفع الرعاة إلى الهجرة إلى مناطق رعوية أخرى بحثا عن الكلأ، الأمر الذي يخلق مناوشات ومشاكل فيما بينهم. من جهة أخرى يرى بطل الفيلم الوثائقي"شيخ المراعي" إيدير" من اكنيون، أن جفاف العيون وانعدام الطرقات يفاقم معاناة الرحل وقطعانهم. رئيس جماعة أيت بوكماز خالد تكوكين، بدوره يعدد هموم ومشاكل القطاع، يقول في هذا الإطار: "أصبح نشاط الرعي متعبا جدا، وغير مجدي اقتصاديا، تراجع الكلأ، وامتدت سنوات الجفاف، ومعها غلاء الأعلاف، ورخص المنتوج". وتابع المتحدث ذاته قائلا: " إن تمدد النشاط الفلاحي على حساب مناطق الرعي يزيد من الضغط على المجالات الرعوية ، زد على ذلك المقاربات الجديدة لمختلف أنواع الأراضي بما فيها "أراضي الجموع" بالتوازي مع إقرار منظومة القوانين الجديدة التي تؤطر الترحال." ويرى تكوكين أنه لا بديل عن إرساء منظومة دقيقة للدعم على كل المستويات يصل فيها العطاء مباشرة لمزاولي مهن الرعي، وتجنب جعل دعم الفلاح والكساب نشاطا تجاريا يستفيد منه التجار أكثر من الفئات المستهدفة. وتابع أن "نشاط الرعي يمكن استثماره سياحيا في إطار منظومة التكامل بين القطاعات التي في نظرنا هي فرصة لايجاد موارد إضافية نسند بها استقرار الناس في مناطق، سمتها الأساسية أنها تطرد ساكنيها "الهجرة " لاعتبارات مختلفة." من جهته أكد رئيس جمعية "لغتنا المواطنة" هشام كنون أنهم سيعملون جادين على التعريف بهذه الفئة وتطوير منتوجهم انطلاقا من موقعهم، محاولين في ذلك الحفاظ على نمط عيشهم والرفع من مداخيلهم. عشق ترحالين (التغالين) تمتاز منطقة آيت بوكماز بوجود سلالة نادرة من الأغنام تسمى ترحالين أو "تغالين"، تتميز بطول صوفها، وقدرتها على تحمل قساوة المناخ، غير أن هذا الصنف من الأغنام مهدد بالانقراض. والحفاظ عليه من أهم أولويات بيت الراعي. "آن"، امرأة بلجيكية أطلقت على نفسها اسم "صفية" اتخذت من الهضبة السعيدة موطنا ثانيا لها منذ 2012، تسهر على تسيير دار للضيافة بالمنطقة، وتقوم بعمل مهم للحفاظ على الثروة الحيوانية بين جبال الأطلس الكبير. بشغف كبير تحكي "صفية" لجريدة "العمق" عن حبها لسلالة تغالين الفريدة ، تقول: "بعد أبحاث عديدة أجريتها على أغنام آيت بوكماز وآيت بوولي والنواحي، اخترت العمل للحفاظ على سلالة محلية من الأغنام تسمى تيغالين" وأوضحت المتحدثة ذاتها أن هذه السلالة تتفرد ببياضها، ومتانة خيوط صوفها الذي يتيح الحصول على غزل جيد أفضل بكثير من باقي سلالات المناطق الأخرى. وزادت قائلة: "إذا فقدنا هذه الثروة المحلية الفريدة سنفقدها بشكل لا رجعة فيه". وتمتلك صفية قطيعا مهما من التغالين مروفوقا ببعض قطعان الماعز من ألوان مختلفة. من جهته قال رئيس جمعية "لغتنا المواطنة" هشام كنون، أنه من الأمور التي شجعتهم على تنزيل مشروع "دار الراعي" على أرض الواقع، هو اهتمام صفية بسلالة التغالين النادرة، والمهددة بالزوال، مشيرا إلى أن المبادرة تطرق أبواب مجالات متداخلة تدور في فلك الراعي والغنم وما تدره هذه الأخيرة من حليب ولحم وصوف، المصدر الرئيس للصناعة التقليدية بالقرية. ترحيب وتفاعل وعن تفاعل الساكنة مع المبادرة قال رئيس جماعة تبانت إن "الناس بسطاء في المناطق القروية ينظرون بأمل إلى كل المبادرات"، مشيرا إلى أن "الرعاة كانو سعداء وهم يسمعون أن هناك فرصا أخرى موازية لإسناد نشاطهم المهدد عبر أفكار مبتكرة تثمن نشاطهم، وتنظر إليه من زاوية أخرى، وتجعل لهم بيتا يلتقون فيه، حيث يتم تكوينهم، وتمكينهم من تقاسم حكاياتهم مع أناس آخرين يبحثون عن كل جميل مميز بمنطق الزائر الذي يأتي ويضع النقود حيث يجب أن تكون أو الباحث الذي يدرس سبلا ناجعة للحفاظ على ثراث مهدد ". وتابع المتحدث ذاته "نحمد الله أن جمعيات المجتمع المدني في أغلب دواوير آيت بوكماز بدأت تتقن بشكل جيد منطق الدمج بين عرف التعاون العريق ومنطق الترافع في مواجهة كل المشاكل".