مقدمة عامة يرجع تاريخ المغرب إلى العصور السحيقة في التاريخ القديم.ولقد عرف المغرب خلال فترات ما قبل التاريخ تعاقب عدة حضارات :فمنذ العصر الحجري القديم ظهرت الحضارة الآشولية. وتلتها الحضارة الموستيرية ثم الحضارةالإيبروموريزية ثم الحضارة الموريتانية الطنجية وحضارات أُخرى حتى الفتح ألإسلامي. ولكل شعب حضارة .وكم من حضارة سادت ثم بادت، وتركت خلفها آثاراً ونقوشا شاهدة على موقعها وحقبتها التاريخية. إضغط على الصورة لمشاهدة الحجم الكامل مثلا فالحضارة الآشولية تعود بقاياها إلى حوالي 7000 سنة واكتُشِفَت آثارها في مقالع \"طوما\" و \"أولاد حميدة \" و \" سيدي عبد الرحمان \"بالقرب من الدارالبيضاء.وازدهرت الحضارة الإيبروموريزية حوالي 6000 ق.م. وهناك عدة مواقع عثر فيها على آثارها مثل غار الكحل، مغارة الخيل ومقبرة الروازي بالقرب من الصخيرات .والأمثلة كثيرة. وما النقوش الصخرية الموجودة عند سفح جبل رات بتيزي نترغيست إلا نموذجا لمخلفات حضارة ضاربة في التاريخ القديم للمغرب . زرتُ هذه المنطقة مرتين: في المرة الأولى في إطار رحلة مشيا على الأقدام في صيف عام 1985 بصحبة الأستاذ بوشعيب العكرود (كاتب المقال) من أفورار إلى ورززات.وفي المرةالتانية انطلقت من دمنات عبر ايت بلال للوصل إلىتيزي نترغيست في صيف سنة 2009 م . الموضوع: يتموقع جبل رات ضمن ألأطلس الكبير الأوسط ويطل من الجهة الشمالية –الغربية على مراعي \" العزيب\" التابعة لقبيلة أيت بوولي إقليم أزيلال. ويرتفع عن سطح البحر ب:3788 م ويتميز بشدة انحدار سفوحه التي تشرف على منطقة أقل تعقيدا تتمثل في \" عزيب إزوم\" وهي منطقة يغلب عليها طابع الانبساط تتخللها بعض التحدبات القليلة الارتفاع ،وتتناثر فيها صخور مفككة تميل في لونها إلى السواد .وتتخلل هذه الأشكال التضاريسية نباتات قصيرة ومتفرقة تنمو بعد ذوبان الثلوج في فصل الربيع مما يجعلها مرتعا لماشية قبيلة آيت بوولي.ويبدو أن الغابة قد اندثرت منذ وقت بعيد. اتخذ ألأهالي هذه المنطقة كمرعى جماعي ضمن ظاهرة \"ألمو\" أو \"أﯖدال\" خلال فصل الصيف.على أن تنحدر المواشي إلى المنخفضات والأودية في فصل الشتاء القارس،وهكذا اتخذ الإستقرار في المنطقة شكلا موقتاً –التعزيب –. في المرة الأولى التي زرت فيها موضع النقوش الصخرية استضافنا أحد العزابة وقضينا الليلة في الحضيرة وسط الماعز مفترشين روثها .أما ألمضيف فقد نام في بيت من حجارة متراكمة يغطيها سقف من ألقش والأخشاب فوقها طبقة من الطين المتماسك . غير أن شهرة جبل رات ترتبط بشيء آخر على جانب كبير من الأهمية تلك الكتابات والنقوش والرسوم القديمة الموجودة عند قدم هذا الجبل وهي على سطح صخري مستو مع ميلان ضعيف في اتجاه الجبل تكاد تغطيه بالكامل صفائح حجرية من حجر اَلكَري تتخللها تشققات وانكسارات إضغط على الصورة لمشاهدة الحجم الكامل والحقيقة أن هذا الموضع يعتبر كتاباً ثميناً سجل فيه أصحابه أفكارهم وهواجسهم واهتماماتهم وجاء ذلك على شكل رموز ورسوم إنسانية وحيوانية وأخرى مبهمة غير واضحة وإن كانت لها دلالتها في زمنها. إضغط على الصورة لمشاهدة الحجم الكامل إضغط على الصورة لمشاهدة الحجم الكامل وقد اختلف المؤرخون في تفسير هذا الرسوم، فهناك من يردها إلى غزاة من أمزيغ استقروا في تيزي نترغيست الواقعة على ارتفاع 2500م وهي محطة وممر يصل بين الصحراء والداخل،وربما كانت هذه النقوش لتخليد معركة خاضوها من أجل السيطرة على مراعي الجبال وفي نفس الوقت التحكم في الممرات الجبلية الرابطة بين الشمال والجنوب. وقد عزا مهتم آخر هذه النقوش إلى رعاة محاربين التجأوا إلى الجبال عند اشتداد جفاف مصادر المياه في الصحراء في الفترة ما بين 2500 و1200 قبل الميلاد.فوجود صور الجمل والنعامة يجعلنا نقتنع بوجود علاقة تفاعلية بين الصحراء وهولاء القوم الذين استوطنوا هذه المنطقة. ورأى مؤرخ آخر أن هذه الرسوم ترجع إلى العصر الحجري الحديث بالمغرب وهي من آثار عباد الطبيعة. وفي اعتقادي وبعد مقارنة مع نقوش على الصخور في جهات أخرى ،لا يبتعد ان يكون هذا المكان معبدا قديما لدليلين: ألأول:كون جميع هذه الرسوم توجد على صخور مائلة إلى جهة واحدة مقابلة للشمس من شروقها إلى غروبها. الثاني: غلبة الرسوم على شكل دوائر وأقراص إشارة إ لى الشمس كمعبود القوم الذين مروا من هنا. فهذه الآراء تكاد تكون متكاملة.وكل رأي يلامس جزءا من الحقيقة .فما ذهب إليه السيد كلوري والسيد سيمونو يتفق في مزاولة السكان النازحين من الصحراء إلى المنطقة للرعي .وهذا شيء يتطابق مع طبيعة المنطقة الرعوية ومع أنشطة سكانها حتى الوقت الراهن بدليل أن تسمية القبيلة ألتي توجد هذه النقوش في أراضيها\" بأيت بوولي\" وتعني أصحاب الأغنام. ومن الملاحظ عدم وجود آثار لبنايات قديمة في المنطقة ( ربما أدت عوامل التعرية المختلفة إلى زوالها ) كما أن حروف الأمازيعية ( تفيناغ ) غير موجودة في الرسوم ومن هنا نتساءل من هم اولآئك الأقوام الذين مروا من هذه المنطقة؟ في الزيارة الأولى لهذه المنطقة في صيف 1985 لم نجد أحدا يحرسها ويعتني بها ولم تكن محاطة بأي سور.وخلال الزيارة التي قمت بها أخيرا في شهر يوليوز 2009 م لاحظتُ أن هذه النقوش محاطة بسور مربع الشكل وبارتفاع متر واحد لا يمنع من يريد أن يتخطاه،( توجد نقوش أخرى خارج السور وعلى مقربة منه وأحيانا بعيدة من السور بحوالي 400م)وغير بعيد عن مكان هذه الصخور المنقوشة بنيت 4 أو5 بيوت صغيرة يشغل حارس واحدة منها.إستفسرته فقال: *إن وجود السور والحراسة قرار اتخذه المسؤلون ذلك أن أحد \" السياح\" الأوروبيين نزل بالمنطقة وأقام فيها بضعة أيام داخل خيمته، وبعد انصرافه لوحظ اقتلاع صفحة صخرية في المكان الذي كان فيه. *إن الرعاة يجهلون قيمة هذه الآثار التاريخية وليس لديهم فكرة الحفاظ عليها كما هي، فربما سيتمكن الباحثون من فك رموزها في المستقبل. إضغط على الصورة لمشاهدة الحجم الكامل *إن بناء هذه البيوت من المواد المحلية يدخل في إطار تشجيع الزوار إلى زيارة إقليم ازيلال وخاصة هذه النواذرالتي ينفرد بها الإقليم. وخلاصة القول:إن هذه المنطقة وما فيها من كتابات ما قبل التاريخ تستحق الزيارة ليعاين الإنسان بنفسه ما خلفه الذين عاشوا من قبله ولاشك أنه سيحار في فهم كثير من الأشكال الهندسية المربعة والمستديرة وبداخلها أشكالا أخرى مبهمة من المؤكد أنها-بالفعل- تدل على اهتمامات ومشاغل دينية وحربية ميزت المنطقة في زمانها. ومن الملاحظ: أن الأجانب هم الأكثر اهتماما بدراسة تراثنا.ففي المرة الأخيرة التي زرت فيها هذه المنطقة وجدت فيها امرأة فهمت من خلال الحديث معها أنها فرنسية، باحثة في علم الآثار. وتتواجد هنا مند 3 أسابيع ومرخصة من طرف الوزارة المختصة في المغرب. وهنا تساءلت في نفسي كما يمكن أن يتساءل غيري: هل الأدمغة المغربية ثم العربية والإسلامية عاجزة عن القيام بهذا العمل؟ام لازالت تطغى على عقليتنا فكرة تعظيم ما هو أجنبي؟ المراجع: 1) أحمد التوفيق: المجتمع المغربي في القرن التاسع عشر ( إنولتان) 2) مراجع وخرائط جغرافية متنوعة. 3) زيارة ميدانية قام بها الأستاذ بوسدريم عبد المالك بصحبة الأستاذ العكر ود بوشعيب في صيف 1985م. 4) زيارة لعين المكان قام بها الأستاذ بوسديم عبد المالك في صيف 1990م. 5) صور ملتقطة في عين المكان بكاميرا الأستاذ بوسدريم عبد المالك. ذ . عبد المالك بوسدريم