صدر للكاتب المغربي جعفر لعزيز كتاب بلاغة الجماهير الكرة والوطن والهوية مقاربة بلاغية لخطاب الألتراس، في محاولة لتسليط الضوء على الثراء البلاغي لخطاب الألتراس المغربية وفتح باب ومجال البحث العلمي والأكاديمي على واجهة رياضية من خلال تحليل خطاب الجماهير المغربية والرسائل الكثيرة والتيمات التي يتناولها. في هذه الحلقة من سلسلة "عين على رياضي" أجرت جريدة "العمق" حوارا مع أستاذ البلاغة وتحليل الخطاب بقسم اللغة العربية بجامعة قطر، ورئيس تحرير مجلة "خطابات" التي تُعنى بحوثها بتحليل الخطاب السياسي والبلاغة الجديدة، لسبر أغوار كتاب "بلاغة الجماهير"، وهو حقل معرفي يدرس الاستجابات البليغة للجمهور. ما تقييمك لكتاب بلاغة الجماهير، الكرة والوطن والهوية، مقاربة بلاغية لخطاب الألتراس؟ بحسب ما أعلم، فإن كتاب "بلاغة الجماهير: الكرة، الهوية، الوطن"، للأستاذ جعفر لعزيز هو أول كتاب عربي يُخصص لدراسة خطابات الألتراس من منظور بلاغي. وهو كذلك أول دراسة شاملة لخطاب ألتراس بعينه من الألتراسات المتعددة المنتشرة في أرجاء العالم العربي، لا سيما في شمال إفريقيا، هو ألتراس الوينرز، المشجع لفريق الوداد البيضاوي المغربي، أحد أهم فرق كرة القدم المغربية والعربية. يفحص الأستاذ لعزيز مدونة كبيرة الحجم شملت عشرات الأغاني واللافتات والتيفوهات والهتافات وغيرها. ويوظف حزمة من المقاربات تجمع بين بلاغة الجمهور والتحليل النقدي للخطاب والسيميائيات، مطورًا إطارًا تحليليًا خاصًا، ينسجم مع الظواهر المدروسة من ناحية ومنظور الدراسة النقدي التحليلي من ناحية أخرى. والكتاب بثراء مادته، ومنهجيته يُقدِّم إضافة مهمة للدراسات العربية حول خطابات الألتراس. هل يمكن أن يفتح الكتاب الباب أمام الباحثين لدراسة الألتراس على المستوى البلاغي؟ الكتاب حلقة في سلسلة من الدراسات تقارب خطاب الألتراس من منظور بلاغي. وبالتأكيد سيحفز الكتاب مزيدًا من الباحثين على الانخراط في دراسة خطابات الألتراس العربي. ومن حسن الحظ أنه توجد أطر تحليل شاملة لتحليل خطابات الألتراس بلاغيًا، لا سيما من منظور بلاغة الجمهور. وقد استثمر الأستاذ جعفر لعزيز بشكل بارع الإطار المقترح في دراسة "بلاغة جمهور كرة القدم: تأسيس نظري ومثال تطبيقي"، وطعَّمه بأدوات من السيميائيات. وأظن أن هذا الدمج سيحظى باهتمام الباحثين المعنيين بدراسة خطاب الألتراس. تعرفت من خلال الكاتب والكتاب على الوينرز كيف تبدو لك المجموعة "وينرز"؟ في الحقيقة، أتابع خطابات الألتراس في شمال إفريقيا منذ نحو عشر سنوات. إذ تكتسب ظاهرة الألتراس حضورًا وقوة استثنائية في المملكة المغربية والجزائر وتونس ومصر. وقد كان الاطلاع على كتاب الأستاذ جعفر فرصة رائعة للتعرف –عن كثب- على خطاب الوينرز. وأكثر ما لفت انتباهي فيه أمران، الأول البُعد الإنساني الراقي لهذا الخطاب، لا سيما فيما يتعلق بالدعوة إلى التمسك بقيم مهمة مثل حب الوطن، والبر بالوالدين، ومساعدة المحتاجين. والأمر الثاني هو التنوع والثراء الكبيرين في جماليات خطاب ألتراس الوينرز. فالذخيرة الخطابية للوينرز تشتمل على الكثير من الأغاني واللافتات والهتافات والتيفوهات، وتكشف عن ثراء دلالي وجمالي جديرين بالاهتمام. هل ترى أن هناك حاجة لمزيد من الاهتمام بخطاب الجماهير؟ يستحق خطاب الجماهير عناية استثنائية من الباحثين العرب، لا سيما في حقل الدراسات البلاغية وتحليل الخطاب. وقد كرستُ لمحاولة الوصل بين البلاغة وخطابات الحياة اليومية حيزًا كبيرًا من اهتماماتي البحثية على مدار العقدين الماضيين، بهدف تحويل بؤرة اهتمام الدرس البلاغي من مدونة الأدب إلى مدونة الحياة. وانصب اهتمامي البحثي على أنواع بلاغية مهمَّشة، مثل الخطب، والبيانات، ومقالات الصحف، والحكايات الشعبية، وعلى أنواع جديدة يُنظر إليها على أنها تنتمي إلى خطابات الحياة اليومية مثل عروض الكلام (توك شو)، واللافتات، والشعارات، والجرافيتي، ومنشورات الفيسبوك، وتعليقات اليوتيوب، وأناشيد الملاعب. كما قدّمتُ دراسات عن الاستجابات غير اللغوية للجماهير مثل التصفيق، والهتاف وغيرها من العلامات غير اللفظية. وهذا المسعى نحو تركيز اهتمامي البحثي على خطابات الحياة اليوميّة حفَّزته رغبة كبيرة في وصل البلاغة بالحياة، وتجسير الفجوة بين علم البلاغة وحاجات المجتمع. ما الخلاصات التي خرجت بها بعد اطلاعك على الكتاب؟ هناك خلاصات عدة للكتاب، بعضها يخص الشق المنهجي وبعضها يتعلق بنتائج تحليل المادة المدروسة. فيما يخص الشق المنهجي فإن الكتاب يبرهن على أن دراسة بلاغة جمهور كرة القدم يمكن أن يَثرى بالجمع بين بلاغة الجمهور والتحليل النقدي للخطاب والدراسات السيميائية. وأن الإطار الذي تقترحه دراسة "بلاغة جمهور كرة القدم" ناجع في دراسة أنواع مختلفة مثل اللافتات والهتافات والأناشيد والتيفوهات، أما ما يخص نتائج التحليل، فإن الكتاب يفند بعض التصورات السلبية عن الألتراس، ويبرئها من بعض التهم التي توجه إليها، ويكشف عن الأبعاد الأخلاقية والقيمية الرفيعة التي يتمثلها خطاب الألتراس ويدافع عنها.