اتفقت السعودية وإيران على عودة العلاقات الدبلوماسية وإعادة فتح السفارات وتبادل السفراء واستئناف العلاقات التجارية والاقتصادية والثقافية والتقنية والاستثمار في أجل لا يتعدى شهرين، يحدث هذا في الوقت الذي لم يستطع المغرب إقناع الأمريكيين بفتح حتى قنصلية في الصحراء المغربية بعد ما يقارب ثلاث سنوات من توقيع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على قرار الاعتراف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، بل حتى إسرائيل لم تكلف نفسها أن تحذو حذو الرئيس الأمريكي. ويعتبر الإتفاق السعودي الإيراني ذا أهمية بالغة جدًا، للمنطقة أولا والعالم ثم بالنسبة لنا في المغرب أهمية هذا الاتفاق تكمن أولًا في كونه جاء برعاية صينية، ويفهم الآن أن الزيارة التي قام بها شي جين بينغ للسعودية تندرج في العمل الدؤوب الذي تقوم به بيكين في صمت وبفعالية بالغة من أجل إعادة ترتيب أوراق المنطقة وتزويد العالم بخوارزميات جيوستراتيجية جديدة، كما أن زيارة المسؤولين الإيرانيين للصين والاتصالات التي جرت بين الرئيسين الإيراني والصيني مؤخراً، والثقة التي تتعاطى بها طهران مع التحالف الغربي في إطار مفاوضات تجديد الاتفاق النووي، كلها مؤشرات على أن القطب المناهض للهيمنة الغربية لم يكن يضيع وقته خلال السنوات الماضية. وإذا ما أضفنا إلى هذه المعطيات العامل التركي في هذه المعادلة عبر ملاحظة مجموع الاتفاقيات وبروتوكولات التعاون التركي الروسي والزيارة اللقاء بين أردوغان والقادة السعوديين، ثم زيارة وزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان لموسكو قبل يومين، والسفر المفاجئ لوزير خارجية تركيا في هذا الظرف بالذات لطهران، رغم حالة الحداد التي تعيشها أنقرة على إثر الزلزال، والتصريحات التي تمت هناك حول التقاء وجهات النظر بين البلدين حول مجموعة من القضايا الإقليمية والدولية، كل هذا يجعلنا أمام لعبة شطرنج عالية التنظيم والدقة. أما بالنسبة لإسقاطات هذا الاتفاق فإنه يصعب حصرها، ويمكن حاليا الإشارة إلى بعضها فقط مثل: – بروز الدور السياسي للصين على المستويين الإقليمي والدولي، ففي الوقت الذي ظلت بيجين متحفظة جدا لمدة عقود فيما يتعلق بلعب دور سياسي على الساحة الدولية، يبدو أن هذا الاتفاق يؤرخ بالفعل لمنعرج كبير وتاريخي في هذا الصدد، ويبشر بدور صيني متصاعد في صياغة الخريطة الدولية وفق عالم متعدد الأقطاب بحق، وعليه ربما سنشهد، بعدما حسم شي جين بينغ مسألة السلطة في بلاده، أحداثا كبيرة على مستوى صياغة المفاهيم والتحالفات الدولية بمبادرة ورعاية من هذا البلد الكبير. ثانيا: هذه الإتفاقية تعطي مصداقية كبيرة للدور الذي يمكن للصين أن تلعبه في سياق إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا، ويجعل من المبادرة الصينية الأخيرة بهذا الصدد مبادرة ذات مرجعية ومصداقية أكبر بكثير. – التأثير القادم لهذه الاتفاقية على خريطة الشرق الأوسط: بدءا بنهاية الحرب في اليمن مرورا باستقرار الوضع في لبنان وانتهاء بعودة سوريا للعب دورها الإقليمي والدولي. – التأثير المنتظر على تسريع وتيرة إنجاز مشروع شي جين بينغ: طريق الحرير الجديد أو ما يعرف بالحزام والطريق. – دور عملية المصالحة هذه في تقوية التحالف الروسي الصيني الإيراني. – الإشارة السلبية جدًا التي ترسلها السعودية، عن قصد أو بدونه، لكل من إسرائيل وأمريكا بل وحتى لأوروبا فيما يتعلق بالاتفاق النووي، لأن هذه المصالحة تعني نهاية توجس الرياض من القدرات والتهديد الإيراني، بل إن الإشارة التي جاءت في بيان الاتفاق والمتعلقة باستئناف العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين تعني أن السعودية لم تبقى طرفا في العقوبات المفروضة على طهران وهو ما يمنح إيران متنفسا اقتصاديا وتجاريا هائلا. – هذه المصالحة ستفتح الباب أمام مفاوضات مماثلة بين الإمارات العربية المتحدةوإيران حول الجزر المتنازع عليها بينهما، بما يعني تمدد إيران سياسيا في المنطقة وتأمينها للجبهة الخليجية في أفق التفرغ لغيرها. – هذا الاتفاق سيتم تكريسه عبر جلب البلدين لمنظمتي بريكس وشنغهاي وبالتالي تعزيز القطب الصاعد المناهض لأمريكا. – أما بالنسبة إلينا فإن هذا الاتفاق يعتبر نذير شؤم لأنه سيعزز مكانة الجزائر، حليفة إيران، في التحالف الدولي وسيفك الارتباط بين موقف الملكيتين في المغرب والسعودية بخصوص إيران، وقد يتسبب في بعض الفتور أو على الأقل انخفاض دعم الخليج للموقف المغربي دوليا، وخصوصا أن المغرب ذهب بعيدا جدا في علاقاته مع إسرائيل والولايات المتحدة، بما يجعل المغرب والسعودية تقريبا في ضفتين مختلفتين دوليا، على اعتبار أن المسار الذي أخذه المغرب منذ سنوات يجعل من التصالح بين المغرب و إيران أمرًا شبه مستحيل لأنه لن يحظى لا بقبول إسرائيل وأمريكا ولا بقبول الجار الجزائري، بل إن التوافق الإيرانيالجزائري على دعم البوليساريو سيجد في هذا الاتفاق مبررا للمضي قدما في عداوته مع المغرب.