تسثأتر مشاريع قوانين المالية بمتابعة واهتمام ومناقشة كبيرة من لدن خبراء ومختصين ومهتمين، وذلك لما لقوانين المالية من أهمية كبرى على الحياة الاقتصادية والإجتماعية والسياسية والتنموية للبلاد. ولأجل هذا أولى المشرع الدستوري أهمية خاصة لقانون المالية في الوثيقة الدستورية لدستور 2011 بالمقارنة مع باقي الدساتير السابقة للمملكة. ومن خلال هذا المقال سنتطرق إلى مكانة وتدخل المجلس الوزاري في إعداد مشاريع قوانين المالية وكيف إنتقل من تدخل تقريري إلى تدخل توجيهي، وكذا التوقيت الدستوري لتدخل المجلس الوزاري في مسطرة إعدادها. إن تدخل المجلس الوزاري في قانون المالية في دستور 1996 يؤطره الفصل الساس والستون، الذي ينص على أنه للوزير الأول حق التقدم بمشاريع القوانين ولا يمكنه أن يودع أي مشروع قانون بمكتب أي من مجلسي البرلمان قبل المداولة في شأنه بالمجلس الوزاري. هذا ما أعيد التأكيد عليه كذلك في الفصل السادس والستون من دستور 1996 خاصة في الفقرة السادسة منه، حيث أكد على أنه من بين المسائل التي تحال على المجلس الوزاري قبل البث فيها نجد مشاريع القوانين قبل إيداعها بمكتب أي من مجلسي البرلمان بما فيها مشروع قانون المالية. وهذا ما يبرز ويؤكد الطابع التقريري للمجلس الوزاري في إعداد مشروع قانون المالية على غرار باقي المشاريع القوانين العادية التي كانت تتم المصادقة عليها وجوبا داخل المجلس الوزاري وفقا لدستور 1996 وباقي الدساتير السابقة، وهوما كان يفسر انعقاد المجلس الوزاري وجوبا قبيل تاريخ 20 أكتوبر والذي هو أقصى أجل منحه المشرع للحكومة من أجل إحالة مشروع قانون المالية بمكتبي أحد مجلسي البرلمان،كما نصت على ذلك المادة 33 من القانون التنظيمي لقانون المالية رقم 98-7 والتي تنص على أنه يودع مشروع قانون المالية للسنة بمكتب أحد مجلسي البرلمان قبل نهاية السنة المالية الجارية بسبعين يوما على أبعد تقدير. أما في دستور 2011 فإن المشرع الدستوري وبناء على مقتضايات الفصل 49 منه،قد خص المجلس الوزاري بتدارس القوانين التنظيمية فقط،في حين ترك مسألة تدارس باقي مشاريع القوانين العادية للمجلس الحكومي بإستثناء مشروع قانون المالية الذي نص الفصل 49 صراحة على أنه يتم التداول في توجهاته العامة داخل المجلس الوزاري، في حين نجد أن القانون التنظيمي لقانون المالية رقم 130.13 الصادر سنة 2015، ينص في المادة 46 منه على أن الوزير المكلف بالمالية يتولى إعداد مشروع قانون المالية تحت إشراف رئيس الحكومة، وذلك طبقا للتوجهات العامة التي تم التداول بشأنها في المجلس الوزاري،وفقا للفصل 49 من الدستور. وفي المادة 47 من القانون التنظيمي، واستكمالا لمراحل إعداد مشروع قانون المالية نجد أن المشرع قد ألزم الوزير المكلف بالمالية أن يعرض على اللجنتين المكلفتين بالمالية بالبرلمان قبل 31 يوليوز،الإطار العام لمشروع قانون المالية، هذا الإطار العام الذي تم إعداده بناء على التوجهات العامة التي تم التداول بشأنها داخل المجلس الوزاري وفقا لمنطوق المادة 46 من القانون التنظيمي 130.13. وهذا ما أكده الدكتور جواد العسري الأستاذ الباحث بجامعة الحسن الثاني في إحدى تصريحاته، بحيث قال: "أنه وبإجرائنا قرائة بسيطة للفصل 46 من القانون التنظيمي للمالية نجد أنه ينص على أن الوزير المكلف بالمالية يتولى إعداد مشروع قانون المالية بناء على التوجهات العامة المتداول بشأنها بالمجلس الوزاري بالفصل 49 من الدستور. وحسب ما جاء به الفصل 46 من القانون التنظيمي للمالية"، يوضح الدكتور العسري، "أنه يستشف من المقتضيات المشارة إليها أن مسطرة إعداد الميزانية تأتي في وقت لاحق لانعقاد مجلس وزاري يرأسه جلالة الملك الذي حدد التوجهات العامة والأولويات التي تحضى بأهمية ملكية والتي يتعين على الحكومة الإلتزام بها وإعدادها في مشاريع قوانين المالية". ومن خلال ما سبق يتبين لنا أن تاريخ إنعقاد المجلس الوزاري يكون قبل 31 يوليوز تاريخ عرض الوزير المكلف بالمالية للإطار العام لمشروع قانون المالية، لأن غاية المشرع تتجه أساسا لتحديد التوجهات العامة بالأولية،على أن يتم إعداد الإطار العام بناء على هذه التوجهات في خطوة ثانية، وهذا ما يتضح ويؤكده الترتيب المنبني على أساس التسلسل الزمني الذي إعتمده المشرع في ترتيب مواد القانون التنظيمي 130.13، بداية من المادة 46 التي تتحدث عن إنعقاد المجلس الوزاري للتداول في التوجهات العامة لمشروع القانون، ثم بعد ذلك 47 تنص على عرض الإطار العام للمشروع أمام اللجنتين المكلفتين بالمالية بالبرلمان قبل تاريخ 31 يوليوز، ثم تأتي بعدهما المادة 48 التي تتحدث عن تاريخ إيداع مشروع القانون بمكتب مجلس النواب في أجل أقصاه 20 أكتوبر، وهوتسلسل منطقي. وختاما فإننا نسجل أن دستور 2011 قد نقل تدخل المجلس الوزاري في مشروع قانون المالية من تدخل تقريري كما كان في دستور 1996 إلى تدخل توجيهي فقط. وهذا ما سبق وأكذه الدكتور جواد العسري بحيث قال إن "المجلس الوزاري في ظل دساتير 1962 1970 1972 1992 1996 كانت له سلطة تقريرية فيما يتعلق بمشاريع قوانين المالية بينما في ظل دستور 2011 يملك فقط سلطة التوجيه، وتأسيسا عليه فهو يمارس سلطة التاطير والتوجيه التي تسبق عملية الاعداد الاداري طبقا للفصل 46من القانون التنظيمي للمالية". * باحث في الحكامة القانونية والقضائية / جامعة الحسن الثاني، كلية الحقوق المحمدية.