تم إحداث الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري منذ سنة 2002، بجانب جلالة الملك، بمقتضى ظهير شريف وبناء على الفصل 19 من دستور 1996 بكل ما يحمله ذلك من دلالات في السياق السياسي والنظام الدستوري المغربي قبل دستور 2011، وتم اعتبارها بمقتضى الظهير المحدث لها أنداك مؤسسة خاصة وبعد ذلك ستتم دسترتها في دستور 2011 وسيعاد تنظيمها بمقتضى قانون سنة 2016. وتصنف هذه الهيئة حسب الدستور ضمن ما ينعت بهيئات "الحكامة الجيدة والضبط والتقنين المستقلة"، بحيث أدرجت هذه المؤسسة في الباب الثاني عشر المعنون ب "الحكامة الجيدة" والذي يهم مؤسسات وهيئات ليست مرافق عمومية ولا جماعات ترابية. ولقد نص الفصل 28 من الدستور على أن: "الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري تسهر على احترام التعددية اللغوية والثقافية والسياسية للمجتمع المغربي، وفق أحكام الفصل 165 من الدستور الذي ينص هو الآخر على أن: "الهيئة العليا تتولى السهر على احترام التعبير التعددي لتيارات الرأي والفكر، والحق في المعلومة في الميدان السمعي البصري، وذلك في إطار احترام القيم الحضارية الأساسية وقوانين المملكة". وتعتبر الهيئة العليا طبقا للمادة الأولى من القانون الجديد رقم 11.15 المتعلق بإعادة تنظيمها "مؤسسة دستورية مستقلة لتقنين وضبط مجال الاتصال السمعي البصري". ولقد أكدت المحكمة الدستورية على موضوع استقلاليتها في قرارها بخصوص النظام الداخلي لمجلس النواب، واعتبرت أنها "هيئة حكامة جيدة وتقنين تتمتع بالاستقلالية المنصوص عليها في الفصل 159 من الدستور". واعتبرت أيضا أن هذا النوع من المؤسسات أسند لها النهوض بمهام مقررة دستوريا تنطوي على صلاحيات الضبط أو التقنين أو الرقابة أو تتبع التنفيذ، وهو ما يميزها عن باقي الهيئات والمجالس ذات الصلاحيات الاستشارية الواردة بدورها في الدستور". وبعد عشرين شنة من إحداثها أصبحت هناك حاجة ماسة وملحة لتقييم موضوعي لتجربة هيئة ضبط قطاع الاتصال السمعي البصري المغربية، وبالخصوص بعد تعاقب ثلاث مجالس عليا للاتصال السمعي البصري، لمعرفة حصيلة عمل هذه الهيئة من كل الجوانب. ما هي نقاط قوتها ونقاط ضعفها في ممارسة اختصاصاتها وخصوصا تلك المتعلقة بمهمتها الدستورية الرئيسية، وكذا في مجال ممارسة السلطة العامة وحماية الحقوق والحريات . لنخرج ببعض الخلاصات والدروس حول واقع ومآل تجربة ضبط قطاع الاتصال السمعي البصري، التحديات التي توجهها في عصر الرقمنة والتطور التكنولوجي، طبيعتها القانونية، تركيبتها وطريقة التعيين فيها، بروفايلات أعضاءها، ميزانتيها، حكامتها الداخلية، اختصاصاتها ومهامها (منحها بعض الصلاحيات وسلطة اتخاذ القرار في بعض المجالات دون الأخذ بعين الاعتبار مسؤوليات السلطات الأخرى)، مشاكل توازنها سواء مع السلطات السياسية والبرلمان والحكومة أو مع باقي المؤسسات الأخرى، مسألة مساءلتها، ومعادلة استقلاليتها وعلاقتها بباقي السلط الدستورية التقليدية في كليتها، ولا سيما مؤسسات فصل السلط. وبما أنها لا تخضع لأية رقابة، باستثناء رقابة القاضي الإداري على قراراتها والرقابة "الشكلية" للمجلس الأعلى للحسابات، ألا يقتضي الأمر البحث عن وسائل ديموقراطية للرقابة عليها، وإجراء على الأقل لمناقشة مباشرة لميزانيتها أمام البرلمان المجسد للرقابة الديموقراطية، وضرورة وضع شروط لإجراء تقييم حقيقي وفعلي دوري لأعمالها بواسطة اللجان البرلمانية المكلفة بدراسة تقاريرها السنوية المفروض أن تودع بشكل منتظم أمام البرلمان وأن يتضمن الخانات الإلزامية (وضع موضع التنفيذ لأولوياتها، قواعد أخلاقيات المهنة، تقديم القواعد وكذا الفقه المواكب لممارسة صلاحياتها). وأخيرا ألا يقتضي الأمر إعادة النظر في نظامها القانوني والتنظيمي وتطوير شروط اختيار وتعيين أعضاءها(تنويع تشكيلها،الخبرة، الكفاءة، النزاهة، الاستقلالية،...)،وتدعيم وتقوية استقلاليتها، والقواعد الأخلاقية لأعضاءها والعاملين فيها (شفافية التوظيف فيها)والمتعاملين معها، من خلال وضع ميثاق للأخلاقيات كما هو جاري به العمل في عدد من المؤسسات وطنيا ودوليا ... !!؟؟ ومن خلال هذه السلسلة سنحاول الوقوف على بعض التحديات والرهانات التي تواجه هذه المؤسسة، وإن كانت كثيرة ومتعددة إلا أننا سنتطرق فقط لبعض منها لأن المقام لا يسمح بالتفصيل في الاشكالات والقضايا ذات الصلة بقطاع الاتصال السمعي البصري والدور المفترض أن تلعبه المؤسسة المكلفة بضبط هذا القطاع. تحديات ورهانات الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري 1- التحدي التكنولوجي: يتميز المشهد الإعلامي العالمي المعاصر بتطور غير مسبوق في التكنولوجيات والاستخدامات: رقمنة قنوات الاتصال، الانتشار السريع لوسائل إعلام الكترونية جديدة والمنصات الرقمية، نجاح عدد من مواقع التواصل الاجتماعي، انفجار غير مسبوق لبث مضامين ليس من قبل مهنيي الإعلام ولكن من طرف المستخدمين، ظهور نوع جديد من الصحافة والممارسات الإعلامية...، وقد نتج عن ذلك خلال السنوات القليلة الأخيرة تطور سريع وهيمنة أكثر من طرف بعض المقاولات والشركات التكنولوجية العالمية الكبرى، والتي تستفيد من موارد ضخمة في سوق الإعلانات والاشهار وتخنق في المقابل وسائل الإعلام التقليدية. باختصار يتميز قطاع الإعلام وبالخصوص الاتصال السمعي البصري اليوم ما يطلق عليه بظاهرة "انتشار المنصات plateformisation"، والتي تعرف "تغلغلا للبنيات والعمليات الاقتصادية والاطارات التنظيمية للمنصات الرقمية في مختلف القطاعات الاقتصادية و مناحي الحياة، فضلا عن إعادة تنظيم الممارسات والتمثلات الثقافية حول هذه المنصات". وإذا كانت هذه التطورات التكنولوجية مرفوقة بتحسن كبير في حرية التعبير، إلا أنه في المقابل تسبب وينتج عنها بشكل مطرد مشاكل عميقة لا تعد ولا تحصى، ليس فقط من حيث المنافسة ما بين الخدمات العالمية الغير خاضعة للضبط في جزء كبير منها، من جهة، والخدمات المحلية والوطنية الخاضعة لضبط صارم وشديد، من جهة ثانية. ولكن أيضا من حيث الآثار المترتبة على استخدام هذه المنصات الرقمية في حد ذاتها، وهو استخدام منظم بواسطة الخوارزميات والذكاء الاصطناعي ويحدث لدى المستخدمين ظواهر جديدة يجب الانتباه إليها. مما يجعل هيئة ضبط الاتصال السمعي البصري في المغرب متجاوزة في عملها الضبطي مقارنة مع نظيرتها في التجارب المقارنة التي اهتمت بهذا التطور التكنولوجي وتأثيره على وسائل الإعلام ، وأصبحت اليوم غير مسلحة وجاهزة لمواجهة هذا التحدي الجارف الذي تفرضه البيئة الرقمية وما يترتب عنه من مساس بالعديد من المقتضيات والالتزامات التي تفرض على وسائل الإعلام التقليدية وفي الحدود الوطنية من قبيل الحرية، التعددية ، صدقية ونزاهة الخبر، التوازن، الحياد، احترام الكرامة الإنسانية، المساواة والانصاف التجرد محاربة الأخبار الزائفة، التنوع والتعدد الثقافي واللغوي، حماية الجمهور الناشئ والحفاظ على سلامته الجسدية والنفسية والذهنية، المقتضيات المتعلقة بالإشهار التجاري(تقنين الاشهار)، الاشهار السياسي، تغطية الحملات الانتخابية.... لذلك نجد اليوم حقلين إعلاميين واحد خاضع لضوابط صارمة تفرضها قوانين الاتصال السمعي البصري الوطنية ودفاتر تحملات المتعهدين سواء العمومين أو الخواص والتي تسهر الهيئة العليا على احترامها، وحقل إعلامي سمعي بصري رقمي متحرر ومنفلت هذه الضوابط والقواعد القانونية والتنظيمية، وهو الأكثر مشاهدة وتتبعا(مضامين ومحتويات سمعية بصرية على الأنترنت، مواقع التواصل الاجتماعي، مختلف المنصات الرقمية،....). فبالإضافة إلى التأثير على حقوق الأفراد هناك تنامي للمشاكل التي يتم مواجهتها عبر الإنترنت والتي تؤثر على اشتغال النظام الديمقراطي، وتؤثر على فهم الجمهور للحقيقة والواقع ، وفي بعض الأحيان تقوض ثقتهم في الديمقراطية نفسها. وهنا يجب أن تلعب هيئة ضبط وسائل الإعلام دورها ، جنبًا إلى جنب مع هيئات الضبط المختصة الأخرى مثل سلطات حماية المعطيات الشخصية، لذلك هناك نقاش اليوم حول الضبط بواسطة المعطيات La régulation par la data /régulation par la donnée. 2- التحرير الفعلي للمشهد الإعلامي السمعي البصري: لابد من التذكير بأن من بين المبادئ الأساسية التي تبناها أول مجلس أعلى للاتصال السمعي البصري هو اعتماد الخيار الذي ينبني على مهمة الضبط "الديناميكية" والتي تتعارض مع منطق الضبط من نوع "الشباك السلبي guichet passif"، ويعتبر هذا الاختيار ترجمة لرغبة المجلس الأعلى ،في تجربته الأولى، في عدم جعل الهيئة العليا مؤسسة تتلاءم وتتكيف فقط مع الطلب المعبر عنه من طرف السوق بل من خلال جعل عملها يستجيب لرؤية و إستراتيجية تتطلب البحث عن تحقيق أهداف كبرى. ومن بين الأهداف التي أعلنت الهيئة العليا،أنذاك، عن رغبتها في تحقيقها في إطار تصورها وإستراتيجيتها لضبط قطاع الاتصال السمعي البصري هو توفير مشهد بصري إذاعي يتميز بمايلي: – التنوع، والتنوع هنا سواء فيما يتعلق بتنوع المتعهدين أو تنوع البرامج. – التكاملية، من خلال نوع التغطية (وطنية كانت، جهوية أو محلية)، وموضوع وطبيعة الخدمة( عامة أو موضوعاتية)، ومن خلال البرمجة، وأيضا التكاملية من حيث الطبيعة و التوجه. – التوازن، سواء من الناحية الترابية وتنوع البرامج. وكل هذا من خلال تبنيها لمقاربة تدريجية. لذلك يطرح السؤال هل نجحت الهيئة العليا في تحقيق أهدافها وتصورها الاستراتيجي؟ أليست هناك حاجة لتقييم تجربة التحرير؟، وهل مازالت الهيئة، مع المجلس الأعلى الحالي الذي تم تعيينه في دجنبر 2018، ترمي إلى تحقيق نفس الأهداف أم أنها رسمت أهداف جديدة وتصورا بديلا لقطاع الاتصال السمعي البصري الذي ينتظر منه الشيء الكثير وبالخصوص مع التحولات الكبرى التي تعرفها بلادنا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وتكنولوجيا، سواء، من جهة، مع مشروع الجهوية المتقدمة الذي من المفروض أن يكون الإعلام السمعي البصري أحد رافعات إنجاحه، فلا يمكن أن نتصور جهوية متقدمة بدون إعلام قرب حقيقي جهوي تعددي ومهني وجدي مواكب لتنزيل الجهوية، ولقد أوصى تقرير لجنة النموذج التنموي بضرورة تقوية العرض الإعلامي الجهوي وذلك حتى تتمكن كل جهة من التوفر على قناة تلفزية، على الأقل، تخصص جزءا من برامجها للنقاش والأخبار والرهانات المحلية. ومن جهة ثانية، مع طموحات النموذج التنموي الجديد التي لا يمكن أن تجد طريقها إلى التنزيل دون تحرير حقيقي للإعلام السمعي البصري، والذي لا يمكن أن تقوم به إلا هيئة للضبط تمارس سلطات ضبط حقيقة وواسعة. وفي هذا الاطار أوصى تقرير لجنة النموذج التنموي بتعزيز أدوار سلطات الضبط المستقلة التي تعتبر ضرورية لضمان سير شفاف للسوق وللمنافسة الحرة والمشروعة. وأوصى بفسح المجال للمبادرة الحرة وتعدد المتدخلين لاعتبارهما ضروريين لإرساء إطار تنافسي يفضي إلى خلق مزيد من القيمة ،على اعتبار أن وجود وسائل إعلام مستقلة يعتبر واحد من بين عناصر أساسية أخرى من أجل إغناء ومواكبة حياة عامة غنية، نشطة، دامجة ومطبوعة بحس المواطنة والشعور بانتماء كافة المواطنين لمشروع مشترك، لذلك من الضروري دعم دور الإعلام باعتباره أداة للإخبار والنقاش العام ومواكبة مسار تحوله الرقمي، وكذا تحيين السياسة العمومية للاتصال من أجل تحديد نطاق المرفق العام لوسائل الإعلام وتجديد الحكامة وطرق التمويل كما أوصى بذلك أيضا تقرير اللجنة. 3- إشكالية الاستقلالية: يطرح السؤال حول موضوع الاستقلالية التي اعترف بها المشرع الدستوري لهذه الهيئة، وغيرها من الهيئات والمؤسسات التي يصطلح عليها دستوريا "بهيئات الحكامة"، حيث تم الاعتراف لها بوضعية قانونية متميزة عن كل مؤسسات البناء الدستوري من خلال تمتيعها باستقلالية مطلقة وجعلها غير خاضعة لأية رقابة سياسية أو شعبية، مما يجعلها خارج دائرة "المساءلة"، اللهم الرقابة التي يمارسها القاضي الإداري(قاضي المشروعية) والمحاسب العمومي الملحق لديها والمجلس الأعلى للحسابات. مما يعطي الانطباع بأن لها وضعا امتيازيا يخرق حتى المبدأ الدستوري المكرس وفق الفصل الأول من الدستور، القائل بربط "المسؤولية بالمحاسبة"، ويعطي الانطباع أنها "سلطة فوق كل السلط "أو"دولة داخل الدولة". ولقد كرس المجلس الدستوري سابقا، والمحكمة الدستورية حاليا، وبعض الفقه، هذا التوجه الذي يطرح عدة علامات استفهام وإشكالات قانونية دستورية وسياسية، في علاقتها بموضوع الديموقراطية ودولة القانون ومبدأ الفصل بين السلط... !!؟؟. إن جعل هذه المؤسسات والهيئات خارج أية رقابة شعبية، ديموقراطية، وبالخصوص رقابة البرلمان الذي من المفروض نظريا أنه يمثل "الإرادة العامة والإرادة الشعبية"، حيث تم إفراغ مهمة التقارير السنوية التي تقدمها هذه الأخيرة أمام البرلمان ،دون حضور مسؤوليها، من محتواها ومضمونها، وتم جعله مجرد عمل إخباري لا أقل ولا أكثر. ولأننا نعتقد أن تقديم هذه التقارير السنوية من المفروض أن تكون فرصة لتقييم عمل هذه المؤسسات والهيئات وتسليط الضوء على طريقة تدبيرها وتسييرها للقطاع والمجال الذي تشرف عليه، وأيضا للاطلاع على تجربة حكامتها الداخلية. لذلك نعتبر أن عدم وجوب حضور مسؤولي هذه المؤسسات والهيئات أمام البرلمان لمناقشة تقاريرها السنوية سيدفع في اتجاه احداث "سلط فوق السلط التقليدية" أو الدفع في اتجاه خلق نوع من "استبدادية المؤسسات"،أو الجعل منها "دولة داخل الدولة". وبالمناسبة نود أن نثير الانتباه إلى أن موضوع استقلالية هذا النوع من المؤسسات والهيئات في التجارب المقارنة يطرح في أغلب الأحيان في علاقاتها بالسلطة التنفيذية، على اعتبار أنه تم سحب قطاعات حساسة واستراتيجية أو لها علاقة بالحقوق والحريات من مجال اختصاصاها، وكانت في الأصل تحت سلطتها ووصايتها، لعدة اعتبارات منها أن السلطة التنفيذية لا يمكن لها تدبير هذه القطاعات والمجالات بشكل حيادي ومتجرد ونزيه وشفاف وبحنكة واحترافية أكبر، لذلك تم الاهتداء إلى إحداث هذا النوع من المؤسسات المتخصصة التي تتصرف باسم الدولة دون أن تكون تابعة للحكومة، وتم منحها اختصاصات وصلاحيات متعددة من المجال التنظيمي ووضع قواعد ذات طبيعة "قانونية" وصولا إلى إصدار العقوبات، بمعنى أنها تمارس ما يطلق عليه في الأدبيات المشتغلة على هذا النوع من المؤسسات في التجارب المقارنة باختصاصات "شبه تنظيمية"، واختصاصات "شبه تشريعية"، واختصاصات "شبه قضائية" أي أنها تمارس جزءا من "اختصاص" الحكومة وجزءا من "اختصاص" البرلمان وجزءا من "اختصاص" القاضي، دون أن تكون تابعة لأي واحدة منها وتحت وصايتها، رغم ما يطرحه هذا الاختيار من نقاش بخصوص مبدأ الفصل بين السلط الذي يشكل مناط الممارسة الديموقراطية ودولة القانون. إننا نعتقد أن حضور المسؤولين عن هذه الهيئات والمؤسسات للبرلمان لمناقشة التقارير، في تقديرنا، ليس فيه ما يمس باستقلاليتها لأنها مضمونة بآليات قانونية أخرى أقوى (منها استقلاليتها الإدارية والمالية وتوفرها على الشخصية الاعتبارية...). كما أننا نؤمن أن الاستقلالية تُفرض ولا تُمنح، تُفرض ليس فقط بالقوانين وإنما تتم ترجمتها أيضا بمصداقية عمل هذه المؤسسات وسلوك أعضائها والعاملين فيها والقيم التي تؤطر عملها، من خلال احترام دولة القانون وتحقيق الصالح العام، والفعالية والاختصاص، والتجرد، والنزاهة والشفافية، والنسبية. وهذه كلها قيم يجب أن تحكم وتؤطر عمل هذا النوع من المؤسسات. لذلك نعتبر أنه يستحب أن يتم إعادة النظر في موضوع استقلالية هذه المؤسسات على مستوى اجتهاد القضاء الدستوري أو الفقه وأيضا على المستوى التشريعي، بتوضيح المقتضيات المتعلقة بذلك بشكل أوضح بما يضمن استقلاليتها الفعلية، من جهة، وخضوعها للمراقبة الديموقراطية ، من جهة ثانية.