* بعد قراءة وتفكيك فقرات وتوصيات وملاحظات تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، انطونيو غوتيريس، الذي وزع على أعضاء مجلس الأمن في الثالث من شهر أكتوبر الجاري، وبعد الإمعان في الاستماع الى إحاطة المبعوث الشخصي والمبعوث الخاص وقائد بعثة المينورسو، ومقارنة فحواه بمضمون قرار مجلس الأمن 2654 وعلاقتها بتعليقات أعضاء مجلس على تصويتها، يمكن الخروج بالاستنتاجات التالية: أولاً: مجلس الأمن يرسخ مسألة الحل السياسي التوافقي الواقعي والعملي، الذي ما فتئ يعبر عنها مجلس الأمن في تذكيراته وتوجيهاته، وذلك بالرغم من أن تقرير الأمين في ملاحظاته وتوصياته استعمل تعبير قديم يعود لسنة 2006 حل سياسي عادل ودائم. فمجلس الأمن بين أنه أكثر حرصا من الأمين العام على احترام التقدم الحاصل منذ 2018. ثانيا: ترسيخ المائدة المستديرة كآلية وحيدة للحوار والنقاش بين الأطراف. وذلك بالرغم من تعبير الجزائر للمبعوث الشخصي للأمين العام ديميستورا عن ارتيابها من هذه الطريقة والوسيلة (وهو الشك الذي عرج عليه الأمين العام في الفقرة 26 من تقريره عدد 733). وتجدر الإشارة إلى أن نقاش المائدة المستديرة هو إبداع المبعوث الشخصي السابق هورست كوهلر، وتبناها مجلس الأمن وأصبحت ممأسسة في وثائقه وثابته في طريقة نظره. ثالثا: ترسيخ أجندة الآلية والانطلاق من حيث انتهت المائدة الثانية في عهد المبعوث الشخصي السابق، بحيث انتهت عند ما سمي البحث عن الخطوات المقبلة المرتبطة بعناصر الحل. رابعاً: ترسيخ مبدأ وقاعدة الحفاظ على التقدم المحرز منذ 2018، وهو مبدأ أصيل وغير قابل للتصرف في التحقيق والتدبير والإشراف الذي تقوم به الأممالمتحدة، فكل خطوة يخطوها لا تعدو سوى نتاج المرحلة السابقة، وما يتم تسجيله من تطور وتقدم يتم تحصينه بمبدأ عدم التراجع عن طريق إجراء قطيعة نسبية مع التراكم الذي تم مراكمته، وذلك عن طريق تغيير الإطار القانوني من 1991 إلى 2006 ومن 2006 الى 2018 ومن 2018 الى الآن ومازالت مستمرة، وعنوان المرحلة الحالية هي الانتقال من مجرد التدبير السياسي إلى مرحلة الحسم أو الحل النهائي. والمُلاحظ أن كل حقبة مستقلة لكنها تخدم سياسيا التي تليها. فالحاضر القائم الآن يستشرف البحث عن حل سياسي واقعي وعملي ويتجاوز خطة التسوية و آليتها المبنية على الاستفتاء لأنه غير واقعي وليس بعملي، ويسعى الأمين العام ومجلس الأمن إلى تطوير مسألة الحل من مجرد كونها مسألة عامة و مجردة، لحل سياسي واقعي وعملي بما يضمن تقرير المصير إلى عناصر دالة تفيد في الوصول تحديد الحل. خامساً: ترسيخ عتبة الدراسة الدورية للحالة في الصحراء المغربية وتثبيت أجل السنة، وهو ما يدل على أن النزاع توارى ولم يعد يشكل أهمية وأولوية دولية. فتكثيف آجالات النظر لا تعطي فرصة للأطراف ولا تدع لهم الوقت للتأني في التفكير مليا واتخاذ خطوات مدروسة بقدر ما ضاعف خفض تمديد مدة عمل بعثة المينورسو في انعدام الثقة والشك بسبب سوء تأويل اجراء مجلس الأمن وإعطاء استنتاج خاطئ إنه لصالح طرف دون الآخر، وشجع على عدم الانخراط الجدي في عمليات البحث عن حل (على غرار ما وقع سنة 2014 واعتبار سنة 2015 هي سنة الحسم من طرف الجزائر و البوليساريو). سادساً: دعوة القرار للجزائر لتوضيح وتطوير عروضها، فهي تتناقض بين قولها وفعلها. والمغرب مدعو للانتباه أكثر، فهي فقرة ملغومة تحتمل أكثر من قراءة، فدفع المغرب بكونها طرف واستجابة مجلس الأمن لذلك والرقي بالنزاع واعتباره اقليميا، يجب تأطيره بضوابط لا يجعل أحد سواء في الجزائر أو في موريتانيا يفسرها تفسيرا أكثر من مسؤولية الجزائروموريتانيا. موريتانيا (دورها في إعادة التوطين فقط وحسب) كأحد الحلول الدائمة المنصوص عليها في القانون الدولي الخاص باللجوء، وفي مسؤولية الجزائر كدولة الاحتضان وتعيق في الوصول الى الحل، وهو الاتهام الذي طالها سابقا بمقتضى التقرير 248/2006 الفقرة 39، وفي طلبها الموجه الى الأممالمتحدة قبولها بتقسيم الصحراء. ويجب عليها الانخراط الجدي لبلوغه تحت طائلة مسؤوليتها. وهذه المسؤولية تتعدى التنموية المغاربية إلى الأمنية التي تمتد حتى الساحل والصحراء. سابعًا: مجلس الأمن يغير من لغة خطابه مع الجزائر من مجرد "الحث والطلب" إلى اظهار الحزم والصرامة، عندما يثير مسؤولياتها القانونية في إطار قواعد القانون الدولي الآمرة، التي لا يمكن مخالفتها ولا الاتفاق على مخالفتها، والمرتبطة بتسجيل واحصاء اللاجئين، فهو شأن والتزام جزائري، تبعا لقرارات المجلس الدولي لحقوق الانسان الذي يرفض تفويض إدارة المخيمات للبوليساريو. ثامناً: مجلس الأمن يحاصر البوليساريو في كونها تعيق عمل المينورسو في المنطقة شرق الجدار الدفاعي الأمني المغرب، إذ خرق وقف اطلاق النار ويعرق اضطلاع بعثة المينورسو بعملها في منطقة عملياتها، حيث استقر اختصاصها في مراقبة وقف إطلاق النار وازالة الألغام . وفي هذا الصدد يمكن ملاحظة عدم تمييز الأمين العام في تقريره 733 فصل بين الخطر الحقيقي الذي تقوم به البوليساريو والمدعوم باعترافها وأقرارها وبين محاولة الجمع بين هذا الخطر ورد الفعل المغربي لمقاومته وصده واعتباره وتكييفه خرقا، الشي الذي عمد مجلس الأمن الى تصحيحه في قراره 2654 وتقويمه بتوجيه الخطاب الى البوليساريو بشكل مباشر. تاسعا: مجلس الأمن يسحب الثقة عن الجزائر والبوليساريو في توزيع المساعدات الدولية، ويدعو المنظمات الدولية لتتولى عمليات تتبع مساعداتها حتى وصولها إلى المعنيين بالأمر بعد اكتشاف عمليات الفساد والتلاعب بالمساعدات بتقارير أممية وأوروبية. عاشراً: ترسخ واستقرار حكم مجلس الأمن على مبادرة المغرب بالحكم الذاتي، بالإشادة بها أولا، والإشهاد على واقعيتها وجديتها، ثانيا لأنها تتقاطع مع الإشادة بجدية جهود المغرب، ولاتحاد المبادرة المغربية مع عناصر مسألة الحل الأممية التي أشير إليها مجلس الأمن منذ 2014 وطورها في 2018 بمقتضى القرار 2440 في هدفه البحث عن حل سياسي توافقي وعملها وفي الاشادة بجهود المغرب. على سبيل الختام هكذا يبدو لي مجلس الأمن أكثر تقدما من الأمين العام للأمم المتحدة، وأعضاء مجلس الأمن أكثر إقداما ووضوحا من المجلس نفسه، وأن أمريكا تنفذ تعهداتها والتزامها باعترافها بسيادة المغرب على كل الصحراء من داخل مجلس الأمن، ولا يمكن نفيه وإنكاره. أما ما يجري على أرض الواقع بمبادرة مغربية وبمساهمة ومشاركة أمريكا وإسبانيا ودول أفريقية وعربية فهو أسرع من عمل مجلس الأمن نفسه. ويمكن اعتبار وضع للحكم الذاتي قيد التطبيق والتنفيذ. ولا مراء أن اشادة مجلس الأمن بجهود المغرب ينطلق من ذلك. *محامي / خبير في القانون الدولي، قضايا الهجرة ونزاع الصحراء.