معاناة كبيرة تلك التي يكابدها المواطنون عندما يغادرون محطات القطار ليستقلوا واحدة من سيارات الأجرة لتذهب بهم صوب وجهتهم. فرغم أن سيارات الأجرة تعتمد العداد في احتساب أجرة الرحلة، إلا أن الأغلبية الساحقة من السائقين يتفاوضون مع الزبناء حول الأجرة، مطالبين بأثمنة تتراوح بين ثلاثة أضعاف الثمن الحقيقي وستة أضعاف أو أكثر؛ وهذا لعمري مما يندى له الجبين، وتتحرك له النفوس الأبية التي لا ترضى بالظلم والحيف والاستغلال. والغريب في الأمر أن هذه المعاناة شبه عامة أمام كل محطات القطار في المملكة؛ وقد خبرتها بنفسي أمام أبواب محطات قطار مكناس، وفاس، ومراكش، وطنجة... وفي هذا السياق، طلب مني أحد سائقي سيارات الأجرة في مدينة فاس مقابل رحلة من المحطة إلى وجهتي – والتي لا يتجاوز بالمناسبة ثمنها الحقيقي ستة دراهم – ثلاثين درهما؛ وهو ما يعادل الأجرة الحقيقية خمس مرات!!! فلا يجد المواطن أمامه إلا أن يدخل في شجار مع هذا المبتز، أو يضطر إلى أن يمضي بحمله الثقيل (حقائبه) ليبتعد عن المحطة ليجد سيارة أجرة أخرى من تلك التي لم تختر الوقوف أمام المحطة لابتزاز جيوب المواطنين؛ وفي هذا ما فيه من عنت ومشقة لسنا في حاجة للتدليل عليهما. والسؤال الذي يطرح هنا هو: ما محل الجهات المعنية من كل هذا؟ لماذا لا تتدخل الجهات الولائية – أو العَمالية – المسؤولة لحل هذا المشكل؟ لماذا لا يتم الضرب بيد من حديد على من يقوم بمثل هذا الاستغلال؟ لماذا يضطر المواطن إلى الدخول – على الدوام – في مثل هذه المتاهات، ويحرق أعصابه، ويستنزف جيبه فيما يعد خرقا للقانون وتجاوزا لكل الأعراف والقواعد المتداولة والجاري بها العمل؟ ألا تحمل كل سيارة أجرة وثيقة معروضة على العموم، تتضمن كل الأثمنة التي وضعتها العمالات والأقاليم حتى تكون واضحة أمام أعين المواطنين؟ لماذا يضرب هؤلاء السائقون بها عرض الحائط وينهبون أموال المواطنين في وضح النهار بدون حسيب ولا رقيب؟ لماذا؟ ولماذا؟ ولماذا؟ كل هذه الأسئلة – وغيرها – مطروحة على الطاولة ليجيب عنها المسؤولون ويتدخلوا للحد من هذا التلاعب المعيب الذي لم يعد مقبولا في عصرنا هذا، وفي ظل مختلف التحولات التي بدأت تعرفها المملكة تحت قيادة مولانا محمد السادس نصره الله. على صعيد آخر، تنتابني حيرة عارمة من هذه الظاهرة؛ وذلك بالنظر إلى أن المستغِل والمستغَل هما – في غالب الأحيان – من نفس المستوى الاجتماعي، ويعرفان نفس المشاكل الاقتصادية، ويعيشان في نفس الظروف تقريبا؛ وهو ما يدفعنا إلى التساؤل: هل هذا الاستغلال هدفه الاغتناء السريع؟ هل هو بدافع الانتقام من زبون ربما وضعيته الاجتماعية أفضل؟ هل هو سلوك مرتبط بظروف تنشئة اجتماعية معينة؟ أو هي ثقافة قديمة للغاية مازالت مكبوتة في لا وعي البعض، تقوم على منطق "ريِّش الطِّير قبل ما يطير"؟ أسئلة وأخرى ستدفع المختص في علم النفس الاجتماعي إلى وضع تصور واضح لهذا السلوك، الذي مهما حاولنا البحث في أصوله وجذوره، فإننا لن نجد البتة تفسيرا لتهاون المسؤولين بصدده، وتركهم للمواطن بمفرده في مواجهة هذا العنف الذي قد يبدأ رمزيا، لكنه يمكن أن يتحول إلى فعلي. أما إنْ قال قائل إنه من المفروض أن نتعاطف مع فئة سائقي سيارات الأجرة لأنها تعاني من غلاء أسعار الوقود؛ فقوله مردود لسببين أساسيين: أولهما ان هذا الغلاء غلاء عام يعانيه كل المغاربة؛ ثانيهما أن الغلاء لا يبرر النهب وتجاوز القانون. فحبذا لو انتبه المسؤولون إلى هذه الآفة وتدخلوا للحد منها.