ذكرى عيد الشباب مناسبة مواتية للاحتفاء بالشباب، الثروة الحقيقية للأمة، لوضع حصيلة المبادرات التي تم إطلاقها من طرف صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده لصالحهم، والتفكير في الإجراءات القادرة على تسريع وتيرة مشاركتهم في عملية التنمية، وترمز كذلك إلى النهوض الإجتماعي المتواصل والتجديد المستمر الذي شهدته المملكة المغربية الشريفة، مما يزيد في تكريس الأمن والرخاء والإزدهار والنماء للشعب الذي يصبو إلى تحقيق طموحاته وبلوغ أمانيه. وفي هذا الإطار تضطلع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية والتي تم الإحتفال هذه السنة بالذكرى ل 17 لإعطاء إنطلاقتها من طرف صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، من خلال البرامج الأربعة لمرحلتها الثالثة بدور حاسم في النهوض بالعنصر البشري، من خلال إعادة توجيه برامجها للتركيز على الأجيال الصاعدة وتحسين الإدماج الإقتصادي للشباب. وقد كان الخطاب السامي لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، بمناسبة الذكرى التاسعة عشرة لعيد العرش المجيد، بمثابة إيذان بانطلاق هذه المرحلة الثالثة، حيث أكد جلالته أعزه الله "... *إن الشأن الإجتماعي يحظى عندي باهتمام وانشغال بالغين، كملك وكإنسان... فإني أؤكد على التركيز على المبادرات المستعجلة في المجالات التالية... إطلاق المرحلة الثالثة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، بتعزيز مكاسبها، وإعادة توجيه برامجها للنهوض بالرأسمال البشري للأجيال الصاعدة، ودعم الفئات في وضعية صعبة، وإطلاق جيل جديد من المبادرات المدرة للدخل ولفرص الشغل* ". وهكذا، وبمختلف جهات المملكة، وضمن أربعة مجالات محددة، تعمل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية على تفعيل تصور هذه المرحلة الثالثة، التي خصصت لها، على مدى خمس سنوات، 18 مليار درهم. وشملت هذه المجالات كلا من تدارك الخصاص على مستوى البنيات التحتية والخدمات الأساسية الاجتماعية بالمجالات الترابية الأقل تجهيزا، ومواكبة الأشخاص في وضعية هشاشة، وتحسين الدخل والإدماج الاقتصادي للشباب، ثم الدفع بالتنمية البشرية للأجيال الصاعدة. وفي أبريل الماضي، شكل اجتماع عقدته لجنة القيادة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، الذي صادف حلول منتصف مرحلتها الثالثة، مناسبة للوقوف على حصيلة تنزيل مشاريعها، ومناقشة أولوياتها وكذا استشراف تحدياتها المستقبلية، فضلا عن تعزيز الالتقائية بين كافة المتدخلين. وبهذه المناسبة، تم تسليط الضوء على الدينامية التنموية الجديدة التي أحدثتها هذه المرحلة الثالثة، لتضيف بذلك لبنة جديدة تعزز مكتسبات المرحلتين السابقتين، وتواصل حمل مشعل تطوير مؤشرات التنمية البشرية والمجالية. ويهم البرنامج الأول ضمن هذه المرحلة، والهادف إلى تقليص التفاوتات المتبقية على المستويين الاجتماعي والمجالي، تدارك الخصاص في البنيات التحتية الأساسية، من خلال مواصلة محاربة التفاوتات الإجتماعية والمجالية. إذ تواصل المرحلة الثالثة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، المجهودات المبذولة خلال المرحلتين الأولى والثانية، والتي كانت قد خصصت 80 بالمائة من ميزانيتها لهذا البرنامج. وفي إطار برنامج مواكبة الأشخاص في وضعية هشاشة، تتدخل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية من خلال الرفع من جودة الخدمات المقدمة بالمراكز المخصصة لاستقبال الأطفال المتخلى عنهم وذوي الاحتياجات الخاصة ودور العجزة، بالإضافة إلى استهداف إحدى عشر فئة في وضعية هشاشة موزعة وفق ثلاث مجموعات تشمل حماية الطفولة والشباب، ودعم الإدماج السوسيو اقتصادي، ودعم الأشخاص المسنين والمرضى وذوي الاحتياجات الخاصة. ويعد إنجاح الإدماج الإقتصادي للشباب رهانا أساسيا بارزا لتحقيق التنمية. فباعتبار تحسين الدخل والإدماج الإقتصادي للشباب أحد برامج المرحلة الثالثة، يسعى هذا الورش إلى الرفع من قابلية تشغيل الشباب وتطوير سوق الشغل وضمان استدامة المشاريع. ويتأتى ذلك، على الخصوص، من خلال رفع التحديات على مستوى دعم قابلية تشغيل الشباب، وضمان استدامة المقاولات الصغرى والصغيرة جدا والمتوسطة من أجل خلق القيمة المضافة. في هذا الإطار، رصدت المعطيات الصادرة عن الإجتماع الأخير للجنة القيادة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، على الخصوص حصيلة برنامج منصات الشباب التي تم إحداثها، في إطار هذا البرنامج الثالث، بكافة جهات المملكة. هذه المنصات، التي تتمثل أبرز مهامها في استقبال الشباب والإنصات إلى انشغالاتهم، وتقديم خدمات التوجيه للباحثين عن العمل وإلى حاملي المشاريع في أفق تحسين الدخل وتحقيق الإدماج الإقتصادي لفائدة هذه الفئة، تظهر حصيلة جد مشجعة: أزيد من 100 ألف شاب استفادوا من خدمات هذه المنصات، البالغ عددها 99 منصة. وعبر مختلف مشاريع البرنامج الرابع من هذه المرحلة، المتعلق بالنهوض بالرأسمال البشري للأجيال الصاعدة، تعمل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية على تخصيص مواكبة خاصة للأفراد خلال المراحل الحاسمة من الحياة، عبر التركيز على أربعة محاور : صحة الأم والطفل، وتغذية الأم والطفل، والتعليم الأولي، والتفتح والتفوق المدرسي. وفي هذا الصدد، كشفت أرقام الإجتماع الأخير للجنة القيادة أن هذا البرنامج قطع أشواطا كبيرة، في مجال تعميم تعليم أولي ذي جودة بالمناطق القروية، وذلك بفضل الشراكة القائمة بين المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ووزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة. إذ مكنت هذه الشراكة من الرفع من نسبة تمدرس الأطفال التي انتقلت من 47 بالمائة سنة 2018 إلى 73 بالمائة في 2021، فيما كان الأثر ملموسا، على الخصوص، بالعالم القروي، إذ انتقلت النسبة من 33 إلى 62 بالمائة خلال الفترة ذاتها، واستفاد منها أزيد من 137 ألف طفل منذ إطلاق المرحلة الثالثة من المبادرة الوطنية. ولتيسير ولوج الساكنة المعوزة إلى الخدمات الصحية والحد من الوفيات في صفوف الأمهات والرضع، ومحاربة سوء التغذية والتأخر في النمو تم تفعيل منظومة الصحة الجماعاتية المحدثة لهذا الغرض، حيث شهدت هذه المنظومة تقدما ملموسا بثلاث جهات ذات أولوية، وذلك على الرغم من التأثيرات السلبية لجائحة كورونا. وإذا كانت المرحلة الثالثة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية تسعى إلى تحقيق هدف مزدوج يتمثل في تعزيز المكتسبات وبناء المستقبل من خلال محاربة معيقات التنمية البشرية، فإن مختلف المشاريع الدامجة التي يسطرها برنامج المرحلة يفتح، بحق، أمام الشباب كافة فرص تحقيق مستقبل واعد في مختلف قطاعات النشاط، بما يمكن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية من مواصلة مسيرتها في خدمة أبناء الوطن وتطوير كافة مؤشرات التنمية.