كل شيء يجوز استعماله في السياسية بجماعة بلفاع، هذا هو الشعار المرفوع الذي يتوافق مع الوقائع التي نشاهدها، بداية من النبش في أعراض الناس وأمورهم الشخصية، ونشر الأكاذيب والتقول على الناس وصناعة تاريخ الكذب ودخوله من أوسع أبوابه، ونهاية باستغلال الدين والرموز والشخصيات والمؤسسات الدينية في تصفية الخصوم السياسيين. إن المتتبع للشأن العمومي بجماعة بلفاع، سيلاحظ تحولات مهمة في مجريات الحقل السياسي، وعلى رأسها تحولات الخطاب وظهور مفاهيم جديدة يتم تسويقها في التصريحات والكتابات، واستأثر باهتمامنا تحول الخطاب السياسي لرئيس المجلس والذي راكم لمدة ربع قرن في التسويق لمجموعة من المفاهيم ذات الحمولة التقدمية والحداثية نظرا لتكوينه في تنظيمات اليسار، والذي تحول إلى خطاب جديد يحاول ما أمكن أن يقحم الدين في السياسة ويستغل الخطاب الديني المقدس في قضايا سياسية مدنسة ونسبية، ومحاولة إعطاء القرارات السياسية بعدا مقدسا، وتحويل السياسات العمومية إلى حقائق ومطلقات لا تقبل الجدل والانتقاد، بدا أنه هناك انتقال جذري ونقض كامل للتجربة. الأمر الذي انعكس على شقين مهمين، السياسات العمومية والخطاب السياسي، في السياسات العمومية هناك اهتمام وتوجيه لجزء مهم من ميزانية الجماعة نحو المنشئات الدينية، وفي نفس الوقت تبني مجهودات المحسنين والمبادرات الإحسانية ذات الطبيعة التعبدية وجعلها انجازات خالصة للمجلس وضمها وتسويقها ضمن حصيلة المجلس، لذلك سيتم التفصيل في هذا الموضوع وفق المحاور التالية: الخطاب السياسي الديني على مستوى منشورات الصفحة الرسمية لجماعة بلفاع في تعليق حول صفقة ترميم الطريق الفلاحية 805 جاء فيه "إن مع العسر يسرا" وهي آية قرآنية، و"المؤمن لا يكذب" وهو حديث نبوي، وفي توضيح منشور على الصفحة الرسمية للجماعة لقرار المصادقة على شراء البقعة موضع المحطة سابقا بتاريخ 24 مارس 2021 عنون له ب "أفلح إن صدق" وفي تعليقه حول أشغال التطهير قال "اللهم إننا قد بلغنا فاللهم فاشهد"، وفي نشر المجلس لقرار الموافقة البيئية المرتبط بمشروع الواد الحار وذلك في 09 ابريل 2021 على الصفحة الرسمية، جاء في ما كتب حول هذا القرار، قوله تعالى "قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي" وفي توضيح حول تدخل القوات العمومية لفض اعتصام ايت بوهروة بتاريخ 12 ابريل 2021، ختمه ب "ولله في خلقه شؤون"، وفي نشر إعلان حول دوري كرة القدم تم إرفاقه بعبارة "ماكينة التنمية لن تتوقف ولو كره الكافرون" بتاريخ 14 يونيو 2021، وفي تعليق على حكم قضائي حول الدعوى القضائية التي تقدم بها مواطنين بدواوير أيت بوهروة ضد محطة التصفية، وصف الاحتجاج ب"الباطل" وقرار المجلس بالحق المطلق، والعبارة كالتالي " ظهر الحق وزهق الباطل" وذلك بتاريخ 13 غشت 2021. وجاء ذكر قوله تعالى "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله .."الخ الآية الكريمة، رفقة صور تعود لتنزيل جمعية معينة لمقتضيات الاتفاقيات الثلاثية المتعلقة بالماء الصالح للشرب ونشر بتاريخ 23 فبراير 2022. ''اللهم لا نسألك رد القضاء ولكن اللطف به'' هكذا تم التعليق على جواب وزير الصحة المنشور على صفحة الجماعة بتاريخ 16 فبراير 2022، "وتستمر الحياة التنموية ما استطعنا إليها سبيلا" وهو قول المجلس حول بناء منشأة الخزان المائي بالمركز، نشر في 26 ديسمبر 2021. ومن الآيات كذلك "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا اعتدنا للظالمين نارا" وهي أية كريمة جاءت كرد وتهديد منشور بتاريخ 04 أبريل 2022 على الصفحة الرسمية للمجلس، تمت إزالته فيما بعد، وكان مرفقا بصورة لمنشور فيسبوكي لعضو جماعي يتحدث عن آية قرانية "وجعلنا من الماء كل شيء حي". تعليقات فيسبوكية لرئيس المجلس الجماعي في ما يلي مجموعة من التعليقات الفيسبوكية لرئيس جماعة بلفاع، في معرض رده على نقاش أثاره المعارضون كتب قائلا "عن ابي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين رواه البخاري ومسلم" وذلك في 03 ابريل 2022، وفي تعليق آخر حول تصويت أعضاء حزبه لصالح أعضاء من حزب آخر في تشكيل المجالس بعد الانتخابات الأخيرة كتب "لا عزاء للشامتين الذين سيكون عزاءهم عسيرا" تصريحات رئيس جماعة بلفاع في لقاءات سياسية وانتخابية يستنجد رئيس المجلس بأحاديث وآيات قرآنية في دورات المجلس الجماعي للرد على أسئلة الاعضاء، ومما اشتهر في هذا الجانب جواب رئيس المجلس عن سؤال عضو بالمجلس حول تفعيل مسطرة إقالة عضو لأول مرة رغم توفر مبررات تفعيلها في الولايات السابقة، أجاب بالعبارة التالية "الإسلام يجب ما قبله" كأن الولاية الحالية للرئيس يمثل فيها الإسلام وينصره والولايات السابقة كانت جاهلية. وفي دوار ايت سعيد، في فترة الحملة للانتخابات الأخيرة حاول في كلمة مركزة أن يقوم بالتصفية الأخلاقية للخصم السياسي بدوار الزنيبي ( الكلمة في فيديو منشور على الفيسبوك) واستعمل في هذه الكلمة مجموعة من المفاهيم : مامربيش – البيران – السكارى – ودعاه أن يكون نموذجا في الأخلاق الإسلامية، وهذا الخطاب له وقع كبير على فئة الناخبين لخصوصية المنطقة جغرافيا وثقافيا، ولكون المعني لم يسبق له أن مارس في العمل الجمعوي والسياسي اختار رئيس الجماعة أن يحوّر النقاش إلى ما هو أخلاقي، في استثمار صريح للشعور الديني للناخبين، للتصويت لصالح مرشحه. وفي لقاء آخر نشر منه مقطع فيديو كان منعقدا بإحدى الدواوير بعد الانتخابات في منزل عضو جماعي استعان بمجموعة من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية للرد على الرافضين لقرار إنشاء محطة التصفية بالقرب من منازلهم، فسمى نائب برلماني ورئيس جماعة سابق، بالكذاب وقال " أولم يقل رسول الله صل الله عليه وسلم المؤمن لا يكذب" الألقاب والمفاهيم في الخطاب السياسي يتم استعمال بعض الألقاب سواء في الكتابات المنشورة على صفحة الفيسبوك، أو من طرف الأتباع، وعلى رأسها * مدبرها حكيم وهي صفات إلهية تم إسقاطها على رئيس الجماعة، "المدبر والحكيم". * جمعيات صادقة، وصف كتبه الرئيس على الصفحة الرسمية للجماعة، لوصف الجمعيات التي تستفيد من الدعم العمومي، وفي هذا الوصف جمع بين التنظيم الجمعوي كمؤسسة حديثة والصدق كقيمة ذات بعد ديني وأخلاقي. * وصف عضو المجلس بالابن البار، جاء هذا الوصف أيضا على صفحة الجماعة الرسمية، فبالإضافة إلى كون مفهوم البار مفهوما دينيا، يتبين أيضا أن استعمال هذا المفهوم يكرس من خلاله لثقافة الأبوة في المؤسسة العمومية. على مستوى السياسات العمومية تبنى المجلس الجماعي في الولاية السابقة 11 مشروعا حول تأهيل أماكن العبادات والمقابر والمساجد والمدارس العتيقة، وتبناها كمشاريع خالصة للمجلس الجماعي، رغم أن هذا الأخير يخول له القانون دعم الجمعيات القائمة على هذه المشاريع فقط، فانه يتبنى هذه المشاريع كمشاريع أنجزتها الجماعة، رغم أن مساهمات المحسنين في هذه المنشئات هي التي تشكل أغلبية الميزانية سواء كمساهمات مالية أو عينية أو بقع أرضية، بينما المجلس لا تتجاوز نسبة مساهماته 10 في المئة وبها ينسب المشروع كله على انه من منجزات المجلس الجماعي، وبذلك احتل المجلس الجماعي الولاية السابقة المرتبة الأولى في دعم بناء وترميم المنشآت الدينية، رغم أن علاقة المجالس المنتخبة بالأوقاف والمؤسسات الدينية يجب أن تسم بحياد تام، ولازال يستثمر الرئيس دعمه لجمعيات تسيير المساجد في خطابه السياسي، بل وكانت انطلاقته نحو البرلمان، نابعة من اللقاءات التشاركية التي عقدها بمجموعة من مساجد الدواوير. ختاما يمكن لنا تفسير هذه التحولات، بقاعدة سوسيولوجية، مفادها، أن التنظيمات الإيديولوجية تنطلق في مسارها بتبني بدائل فكرية مناقضة لما هو موجود، وعندما تصل إلى السلطة، تغير خطابها وسلوكها ليتفق تماما مع ما يريده اللاشعور الجمعي للمجتمع، حفاظا على القاعدة الانتخابية، وهو ما فهمه واستثمر فيه رئيس مجلس جماعة بلفاع، إلا انه لم يفهم التحولات الجديدة للأجيال المقبلة، ولم يستوعب بعد أن مطالب الجيل الحالي تختلف عن مطالب الأجيال السابقة، وبذلك يسقط قناع الحداثة والتقدمية والمواطنة. في الأخير نطرح سؤالا، ما هي نتائج استثمار الشعور الديني في السياسيات العمومية من لدن المنتخبين والأحزاب السياسة؟ وما هي تداعيات احتكار مؤسسة منتخبة لوسائل مادية ومعنوية بفضلها تخترق المجال الديني؟ ما الذي يبقى من معيارية الدين وقيمه عندما يصير ألعوبة في يد النخب السياسية ووسيلة للبقاء؟