العالم الافتراضي مليء بحماة الأخلاق والقيم، وتعليقاتهم على صفحات مواقع التواصل الاجتماعية تستنكر وتدعو للتصدي إلى خراب البيوت وشتات الأسر، والمساس بالقيم وانتشار الميوعة خصوصا عندما يتعلق الأمر بظهور أدوار نسائية في المسلسلات التلفزية أو الأفلام السينمائية التي يعتبرونها صادمة. المئات من العبارات والأحكام الجاهزة تُستعمل كنوع من " البلوكاج " يُوظفها الكثير من الأشخاص حينما يفقدون القدرة على الدخول في نقاش عقلاني حر، بعيدا عن شبه التنويم المغناطيسي الذي يحترفه بعض الدعاة الكهربائيون على قنواتهم الرقمية. الأمر هنا أشبه بصراع أغلبية "محافظة " تدافع عن الأخلاق بشراسة من وراء شاشات الهواتف الذكية، ضد أقلية تُلقب ب"التائهة" يُعتقد أنها تُشجع الميوعة والفساد، وليس الأمر متعلق فقط بتعاملها مع الواقع بشكل منطقي عقلاني ومُنفتح. من المفترض أن يشبهَ عالمنا الواقعي العالم الافتراضي بقيادة تلك الأغلبية " المُريحة " التي تتصدى إلى كل محاولات المساس بالقيم عند كل " پوليميك " أخلاقي وتدعو إلى صلاح المجتمع ويذهب البعض منها أحيانا إلى وصفها بحملات ومؤامرات خارجية ضد الدين والعقيدة، من المفترض أن يُشبه العالم الواقعي وتُطبق فيه كل القيم التي ترفعها تلك الأغلبية الافتراضية هناك بشكل حماسي. من المفترض أيضا أن نشهد ثورة أخلاقية في الواقع تعكس الثورة الكلامية المندلعة على الافتراضي، ثورة تُخفضُ من نِسب التحرش الجنسي والجريمة وحوادث الاغتصاب والسرقة المرتفعة في المجتمع، ومن نسب العنف بشتى أنواعه، وتحُد من الفوضى وأنانية السائقين في الطرقات، والفوضى في الأسواق، في طوابير الانتظار داخل المحلات التجارية الكبرى والإدارات والمصالح العمومية، وتحدُ أيضا من السلوكيات اليومية التي تُقلل من جودة الحياة داخل المجتمع. هل يتعلق الأمر هنا ب " متلازمة " تُصيب الانسان وتجعله يعيش في جو أشبه بحفلة تنكرية افتراضية مخيفة، لا يعرف فيها أحدنا حقيقة الآخر وأفعاله في الواقع؟ هل المساحة الكبيرة من التخفي التي منحها الافتراضي للإنسان ساهمت بشكل كبير في تشكّلِ نسخة مزيفة منه في الواقع؟ الأكيد أنه يجب القيام بتحيين الذوات الافتراضية مع الذوات الواقعية لربح رهان بناء مجتمع سليم والتطور الرقمي الذي يواكبه.