سارت بنيةُ اللغة العربية لعشرات القرون على هدي تخصيص مرادف مؤنث بزيادة التاء في أغلب الحالات إلى صفة المذكر. لكننا اليوم نشهد معركة سيميائية وثقافية في معناها ومغزاها المجتمعي المتذبذب حول حمولة "شيخ" و"شيخة"، وما بينهما من تباعد وأحكام قيمة في المجال العام المغربي. أوساط الفقهاء والدعاة وبقية تصنيفات السلفيين تعتد بما تعتبره مقاما دنيويا ودينيا لمن يحمل لقب "شيخ"، وتنفي أي قيمة معيارية أو حتى أخلاقية إذا لزُم تأنيث اللقب إلى "شيخة". وهذا تباري جديد على احتكار القيم من معركة مفتوحة بين الخير والشر. لا يجد المرء حقيقة معيارا واضحا لتحديد من هو "شيخ"، ولا شهادة ميلاد أنثروبولوجية له، ولا نقطة التحول والانفصال في معناه بين السياق المغربي والسياق العربي العام. والأصل في المعنى اللغوي أن الشيخ هو من كبر في السن، أو شاخ أي تقدّم في السِّنِّ وصار شَيْخًا. لكن، جرى العرف في المغرب أن ولادة اللقب جاءت بفعل تواتر مشهد الشخص الذي يستشهد بآيات قرآنية ويقدم نفسه "عالما" في شؤون الدين مع إخراج تقليدي للهيئة: جلباب، ولحية، ونبرة تقوى ومظاهر تديّن، ويزعم لنفسه أنه الزعيم الديني والروحي وربّان هذه الأمة نحو الجنة. وبين هذه التجليات لشخصية "الشيخ" تذكير بالفضائل والقيم والمكارم وأحيانا احتكار لها في خطاب الشيوخ حتى تأكيد أو نفي مقبل. في المقابل، ينقسم المغاربة في تصنيف "شيخة" بين منحى الزهو والمرح والاحتفالية وحتى المجون في بعدهم التقليدي، ومنحى آخر يعتبر "الشيخات" مؤسسة اجتماعية عريقة لها تاريخها في النضال، وكأن الشيخة خربوشة تستيقظ من قبرها في هذه اللحظة لتجد حركة تصحيحية تقوم في المغرب ترد الاعتبار إليها من مظالم السلطوية التي كرسها القايد عيسى بن عمر. كان الشيوخ... وكانت الشيخات... وكان مغرب الأقدمين... وقام العمران... وانقلبت البوادي إلى حواضر... وتأسست الجامعات... وخرج المغرب إلى القرن الحادي والعشرين. لكن أن يكبر السجال ويحتدم حول "مكارم" و"رذائل" الشيخ والشيخة، ويغطي بظلاله على عشرات القضايا الحيوية والعالم في مرحلة مفصلية في مغرب 2022، فهو دليل على مدى الانحباس الفكري والاحتباس العقلاني الذي يعانيه المغرب الجديد. والأنكى أن يغيب الفلاسفة، ويتقاعد المثقفون، وينتفي أثر صناع الفكر الحداثي، ويسلّم إعلاميو المسؤولية المجتمعية بالأمر الواقع في حقبة الرموز والحمولات الواهية: لحيةُ شيخ يقيس بها دوره التنويري بين الجموع الخاشعين، وخصرُ شيخة تقيس به مستوى مغناطيسها الأنثوي بين الجموع الساهرين..!