هناك ارتباط كبير بين النموذج التنموي الجديد الذي وضعته اللجنة الخاصة به و بين الجهوية المتقدمة أو الموسعة. فلا يمكن الحديث عن تنزيل مضامين وركائز الجهوية المتقدمة بدون تنزيل مضامين النموذج التنموي ، كما لا يصعب تحقيق أهداف هذا النموذج بدون تنزيل القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات الصادر بتاريخ 7 يوليوز2015 ، خاصة في سياق النداءات الملكية التي جعلت الجهوية المتقدمة محور النموذج التنموي. وما يؤكد هذا الرأي ، نذكر على سبيل المثال الخطاب الملكي السامي في بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب يوم 20 غشت 2022 ، الذي جاء فيه : " إن تحديث ودمقرطة هياكل الدولة، بقدر ما يتجسد في توزيع الدستور الجديد للسلطات المركزية ; وفق مبدإ فصل السلط ; فإنه يتجلى، بصفة أقوى، في إرساء الجهوية المتقدمة، القائمة على إعادة توزيع سلط وإمكانات المركز على الجهات. وذلك على أساس الديمقراطية الترابية والحكامة الجيدة ; بما يكفل تحقيق تنمية جهوية، متضامنة ومتوازنة ومندمجة، تضع حدا للمقولة الاستعمارية للمغرب النافع وغير النافع، وللفوارق المجالية ". وأيضا الرسالة الملكية الموجهة إلى المشاركين في الدورة الرابعة لمنتدى (كرانس مونتانا) التي احتضنتها مدينة الداخلة خلال شهر مارس 2018 . ومما جاء فيها أن "الجهوية المتقدمة ليست مجرد تدبير ترابي أو إداري، بل هي تجسيد فعلي لإرادة قوية على تجديد بنيات الدولة وتحديثها، بما يضمن توطيد دعائم التنمية المندمجة لمجالاتنا الترابية، ومن ثم تجميع طاقات كافة الفاعلين حول مشروع ينخرط فيه الجميع". فمن خلال رؤية جلالة الملك محمد السادس للتنمية في كل مجالاتها وأبعادها يظهر لنا مدى أهمية الجهوية المتقدمة، كونها إطارا ترابيا لتحقيق التنمية وآلية لدعم اللامركزية والديموقراطية المحلية وتحقيق التوازن المجالي.
و لذلك ، فإن الجهوية المتقدمة تعد محركا للتحولات الهيكلية للمملكة المغربية، وورشا كبيرا في صلب الرهانات الحالية والتحديات الداخلية والخارجية المستقبلية للتنمية الوطنية والجهوية الشاملة والمندمجة، ما يحتم إقرار تحول في مفاهيم الاستراتيجيات والسياسات التنموية المستقبلية ، والتي ينبغي أن تجعل من البعد المجالي ركيزة أساسية للنموذج التنموي الجديد لحل العديد من الاختلالات الاجتماعية والاقتصادية وإرساء عدالة مجالية يمكن لها تحقيق استدامة النموذج الوطني في الإصلاح وفي الاستقرار و استثمار إمكانيات كل جهة أو إقليم و إحداث توزيع عادل للثروات و التخفيف من ثقل تمركز إنتاج الثروات في جهة أو جهات بعينها ، واعتماد مسار جديد لنموذج التنمية كأساس للإدماج والالتقائية، وكمحرك للدفع بمختلف الديناميات السوسيو اقتصادية والمجتمعية والترابية. كما أن تشجيع الاستثمار الوطني والأجنبي والاهتمام بالفئات الهشة هو ما يمكن أن يعطي للعدالة الاجتماعية والمجالية مفهومها وبعدها ومدلولها الحقيقي العملي. فمثلا تشغيل الشباب والقضاء على العطالة لن يتحقق إلا من خلال وضع استراتيجية واضحة المعالم على مستوى كل جهة، لأن ترسيخ نظام الجهوية المتقدمة أو الموسعة ، قد يمكن من بناء علاقات جديدة بين الإدارة و المواطن، مبنية على القرب والإصغاء والشفافية والجودة والسرعة في الإنجاز.ذلك أن المسار المستقبلي للتنمية بالمغرب مرتبط بشكل عميق بنجاعة المشاريع الجهوية المهيكلة، وبعمق الإصلاحات الهيكلية وبأهمية الاستثمار ، الوطني والأجنبي ، الذي ستضطلع به الدولة والجماعات الترابية و المقاولات الوطنية . وجدير بالذكر في هذا الصدد، أن تحقيق العدالة المجالية، في ظل الجهوية الموسعة ، من شأنه تجاوز حالات العجز الذي تعاني منه عدد من مناطق البلاد، وخاصة المجال القروي والمناطق الجبلية، التي ينبغي تحويل إمكانياتها الكبيرة والغنية إلى ثروات عبر إطلاق مشاريع استثمارية جهوية ومحلية. ثم أن الأهداف الاستراتيجية للنموذج التنموي الجديد يجب أن تحدد في إطار سياسة جهوية واضحة وقابلة للتنفيذ، مع اعتماد منظور متجدد للتنمية مرتكز على معرفة جماعية ذكية للمكتسبات الواضحة التي يجب تقويتها في المجالات الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية و البيئية ، تأخذ بعين الاعتبار حاجيات و خصوصيات كل جهة من جهات المملكة ، ومعرفة نقط الضعف التي يجب معالجتها من منظور تنموي شامل . فالنموذج التنموي الجديد، إذا توفرت الإرادة السياسية، سيكون قادرا على توفير المطالب الملحة والحاجيات المتزايدة للمواطنين ، في إطار سياسات عمومية تأخذ بعين الاعتبار البعد الجهوي و مبنية على اقتصاد ناجع وقوي يهدف إلى تحقيق النمو بسرعة ، وخلق فرص الشغل ، و تحقيق العدالة الاجتماعية ، و خلق القيمة الانتاجية المضافة على مستوى القطاعات الإنتاجية ، و تقوية الانتقال الديمقراطي، وتسريع التحول الهيكلي ، وتكثيف التشعب الاقتصادي والتنافسية التكنولوجية ، وتقوية التأهيل الاجتماعي والجهوي و إقرار التماسك الاجتماعي والترابي ، ورفع نسبة تشغيل النساء ، وإدماج العالم القروي ، وضمان تكافؤ الفرص بين مختلف شرائح المجتمع، وتقوية قدرات المرأة والشباب، والرقي بالخدمات العمومية، وتكريس قيم التضامن في المجتمع.