تأتي جرائم الذكاء الاصطناعي على قمة جرائم المستقبل القريب – إن لم يكن بدأ بعضها الآن – فقد أدى التطور التكنولوجي خلال السنوات الماضية – والذي تسارعت وتيرته في الفترة الحالية – إلى ظهور العديد من تلك الجرائم، حيث أعطت البرمجة المتطورة لبعض الآلات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي قدرات تصل خطورتها إلى بناء خبرة ذاتية تمكنها من اتخاذ قرارات منفردة ف أي مواقف تواجهها مثل الانسان البشري. وبالتالي كان ضروريا بحث المسؤولية الجرائم عن جرائم الذكاء الاصطناعي، هل تقع على الشركة المنتجة أم على المالك، أم حرية الإرادة واتخاذ القرار المتوفر للذكاء الاصطناعي تجعله مسؤولا بصورة منفردة عن أفعاله، وإذا توفرت هذه الحالة الآخيرة، فهل يمكن واقعيا مساءلته جنائيا؟ ولا يتوقف الأمر عن هذا الحد فقط، بل قد يصل إلى حدوث تطوير ذاتي داخل هذا الذكاء الاصطناعي – بسبب القدرات البرمجية التي حصل عليها – يمكنه من الخروج عن الضوابط والحدود الموضوعة له، فيخرج عن السيطرة، ولذلك من الضروري تحديد قواعد قانونية تجبر المصنع على وضع حد للصلاحيات الممنوحة للذكاء الاصطناعي، حتى ظل تحت السيطرة. ومن المظاهر الجلية للذكاء الاصطناعي حاليا السيارات ذات القيادة الذاتية، حيث يتم استخدام الذكاء الاصطناعي بها، والمتمثل في الأكواد البرمجية التي تتحكم في تحريك السيارة بدون تدخل بشري، وأيضا أنظمة الملاحة الآلية في السفن والطائرات، أما عن الذكاء الاصطناعي في العالم الافتراضي، فيتمثل في تطوير خوارزميات برمجية تتمكن من التعرف على الوجوه الموجودة بالصورة على الانترنت والتدخل في خصوصيات المستخدمين للتعرف على اهتماماتهم من أجل استخدامها ف أغراض تجارية مثل الإعلانات. وتبدوا خطورة أخرى عند استخدام الذكاء الاصطناعي في الآلات الطبية، والذي تم التوسع فيه حاليا – فقد استبدل الأطباء بالعديد من أدوات الذكاء الاصطناعي لما لها من سرعة وكفاءة – فتستطيع تجميع الكثير من المعلومات عن المرضى، فهناك سجلات الكترونية تحتوي على كل شيء عن المريض وعلاجه وفترة العلاج وتستخدم تلك المعلومات لمصلحة المريض، حث يستطيع الذكاء الاصطناعي دعم اتخاذ القرارات الاكلينيكية المتعلقة بالمريض بناء على المعلومات السابقة، وبالتالي تظهر مشكلة تتعلق بانتهاك الخصوصية للمريض. فكيف يمكن معالجتها ووضع ضوابط لها؟ مما هو جدير بالذكر أن التطور في الذكاء الاصطناعي والذي سيفوق قريبا القدرات البشرية جعلنا نطرح سؤالا وهو، هل يمكن مساواة الألة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي بالإنسان في الحقوق والواجبات، أم يختلف الوضع؟ وقد شكلت واقعة الروبوت الآلي – صوفيا – و التي كانت حديث العالم أجمع، وقامت المملكة العربة السعودية أنداك بإعطائها الجنسية السعودية ومنحها جواز سفر أيضا، حيث كانت حدثا تاريخيا لأنها أول إنسان آلي يحصل على جنسية دولة و أيضا جواز سفر. ومع هذا التطور الرهيب كان بنا أن نفتح هذا الملف الهام الذي يشكل موضوع مشروع اطروحتنا والذي لم يتطرق له الغالبية من الباحثين، لنضع الخطوط العريضة في هذا الموضوع، تمهيدا لما سينتج عن تعمق استخدام الذكاء الاصطناعي في جميع مناحي الحياة، وتحديد المسؤولية الجنائية عن الجرائم التي ستنتج من قبله. وقد قامت العديد من الدول بخطوات مسبقة بشأن الذكاء الاصطناعي فعلى سبيل المثال صدر تقرير عن لجنة العلوم والتكنولوجيا في برلمان المملكة المتحدة في عام 2016 أوصى بلجنة دائمة للذكاء الاصطناعي تكون مهمتها دراسة أثاره وتضع مبادئا تحكم هذا التطور بالإضافة إلى وضع إطار قانوني له. والمغرب بدوره كغيره من دول العالم قام بتبنيه لمشروع استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في جميع المجالات وذلك بتنزيله لاستراتيجية وطنية في مجال الاقتصاد الرقمي يهدف من خلالها إرساء نموذج للحكامة ومناخ أعمال ناجع و تحسين فعالية وجودة الخدمات العمومية عبر رافعة تجريد الوثائق و مواكبة الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين من خلال الاقتصاد الرقمي هذه الاستراتيجية تتمحور حول 15 ورشا تشكل المحاور الأساسية لاستراتيجية المغرب الرقمي تتعلق بالأساس برقمنة الإدارة والاقتصاد والمجتمع بالإضافة إلى محاور أفقية تتعلق بوضع بيئة ملائمة للتنمية الرقمي (البنية التحتية، الإطار القانوني، التكوين، وترسيخ الثقة، والثقافة الرقمية) ومن تم شكل ورش تطوير منظومة الذكاء الاصطناعي أهم أوراش هذه الاستراتيجية التي تسعى الحكومة إلى تنزيلها على أرض الواقع. * الباحث القانوني أزوكاغ عزيز