إن التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم وتعقد المشاكل المحلية والجهوية وتشعبها، وصعوبة حلها بالتدخلات المركزية، جعلت من نظام الجهوية المتقدمة ومن الجهة الفضاء الأنسب لبلورة استراتيجيات تنموية متكاملة لمعالجة حدة الفوارق الاجتماعية والاقتصادية والمجالية، حيث يعد الخيار الجهوي مدخلا حقيقيا لكسب رهان التنمية في أبعادها المتعددة؛ إنه اختيار واعد ذو آفاق مستقبلية، وذلك لعدة اعتبارات منها ما هو ديموقراطي سياسي وتنموي… وبموجبه أصبح لزاما على الدولة أن توفر للجماعات الترابية وعلى رأسها الجهات الوسائل والآليات الضرورية لكي تتمكن الجهة من أن تصبح فضاء لبلورة السياسات العمومية بشكل متناسق ومندمج، فهي الإطار المثالي لتنظيم تدخلات مختلف الفاعلين التنمويين وصياغة سياسات ترابية مندمجة. كما يعد الخيار الجهوي السبيل لمواكبة ومسايرة المتغيرات الداخلية التي تشهدها الساحة الوطنية، وآلية لضمان احترام الاختلافات والتعدد والتنوع الثقافي، وتسيير الشأن العام الترابي بفعالية، خاصة وأنها الفضاء الأنسب لالتقاء جميع الفاعلين التنمويين، مما يتطلب تظافر وتضامن جهودهم جميعا وتعبئتها تعبئة شاملة، ويضمن توحيد الرؤى من أجل التوصل للإلتقائية في المخططات والبرامج التنموية، فقد اتفق على كون الجهة أصبحت فاعلا اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، تقوم على أساس تلبية الحاجيات الأساسية للمواطنين والمجموعات البشرية المنتمية لها بما يسمح لهم بالعيش الكريم. كما أن التوفق في تحقيق التنمية الجهوية المندمجة يبقى أحد الرهانات الكبرى للسياسات العمومية التنموية، حيث أصبح التكامل والالتقاء تحديا كبيرا أمام صناع هذه السياسات يتم من خلال بلوغ التناسق بين المستويات الترابية داخل الجهة من جهة أولى، وبين مختلف المتدخلين التنمويين من جهة ثانية. فعلى مستوى صياغة السياسات العمومية التنموية، أصبحت الجهة إلى جانب الجماعات الترابية الأخرى مساهمة في تفعيل السياسات العامة للدولة وفي إعداد السياسات الترابية من خلال ممثليها في مجلس المستشارين، كما أصبحت فاعلا مهما على مستوى تسطير السياسات العمومية التنموية ذات البعد الترابي، خاصة أمام إلزامية السلطات المركزية باستشارة المجالس الجهوية بمناسبة إعداد الاستراتيجية الوطنية الاقتصادية والاجتماعية، والمخططات القطاعية الوطنية والجهوية، والتصميم الوطني لإعداد التراب، والاستراتيجيات الوطنية والجهوية في مجالات النهوض بالاستثمارات وغيرها… وبالنظر لمكانة الصدارة التي تتمتع بها الجهة اليوم في الهندسة الترابية، فهي تهتم بتجميع وتنسيق مقترحات الجماعات الترابية المكونة لها وجعلها تنسجم والتصور التنموي الجهوي، حيث يضع المجلس الجهوي تحت إشراف رئيسه برنامج التنمية الجهوية مع مراعاة إدماج التوجهات الواردة في التصميم الجهوي لإعداد التراب والالتزامات المتفق بشأنها بين الجهة والجماعات الترابية الأخرى وهيئاتها والمقاولات العمومية الترابية والقطاعات الاقتصادية والاجتماعية بالجهة، مع الحرص على أن تشكل مجالس العمالات والأقاليم حلقة الوصل بين مجلس الجهة والمجالس الجماعية (حضرية وقروية) في مجال التشاور والتنسيق وتفعيل المخططات والبرامج الجهوية في تراب العمالة أو الإقليم المعني من خلال تفعيل سياسة التعاقدات، وأن تتولى كذلك تشجيع ومواكبة التعاون البيني للجماعات الترابية بما يضمن إنجاز مشاريع وتحقيق أهداف مشتركة وتوفير الوسائل والموارد الضرورية لذلك، بهدف تحقيق أهداف ومشاريع يصعب إنجازها من طرف مؤسسة ترابية لوحدها. إن تنزيل سياسات عمومية ترابية متناسقة ومندمجة يتطلب تحقق النجاعة على مستوى تدخلات الدولة في جل مستويات التنظيم الترابي، والعمل على تنسيق برامجها وتكامل خدماتها داخل هذه المجالات، ووضع سياسات عمومية ترابية مندمجة بفعل إشراك مختلف القطاعات والمصالح اللاممركزة والمؤسسات العمومية الترابية والمنتخبين والقطاع الخاص وفعاليات المجتمع المدني في عملية اتخاذ القرار التنموي. كما يبدو أن تصريف الدولة لمختلف الاستراتيجيات والسياسات العمومية التنموية يجب أن يتم على المستوى الترابي، خاصة من خلال مؤسسة الجهة على اعتبار كونها قطبا يتجمع فيه جل الفاعلين والمستويات الترابية، وحيث يتم كذلك التشاور مع باقي الفاعلين العموميين والترابيين بالجهة، بغية تحقيق رهان التكامل بين القطاعات وبين المشاريع والبرامج والاستعمال الأمثل للوسائل والموارد قصد بلوغ الإلتقائية والتكامل لكسب رهان التنمية. إلا أن من بين العوامل التي تحد من فعالية التدخلات التنموية هو تعدد الفاعلين في صياغة السياسات العمومية التنموية، الأمر الذي ينتج عنه تعدد المتدخلين التنمويين على المستوى الترابي، الشيء الذي يؤثر بشكل سلبي على تكامل وتنسيق المخططات، كما ينتج عنه أيضا تشتت الموارد وضياع الجهد والوقت، وما يصاحب ذلك من تداخل في الاختصاصات وإطالة الإجراءات وزيادة في النفقات، مما يؤدي إلى تقاذف المسؤولية بين مختلف الفاعلين، وصعوبة في تحديد المسؤوليات عند تعثر المشاريع التنموية أو عدم بلوغ الأهداف المسطرة لها.