محاولة الكثيرين قياس الأحداث في تونس على مصر، لا تسنده الوقائع و السياقات لاعتبارات عدة رغم أن خطاب المظلومية الإخواني يوجه ماكينته الإعلامية و التعبوية هذه الوجهة لربط ما حدث بالتطورات الدراماتيكية التي رافقت إزاحة الإخوان من الحكم في مصر، عقد المقارنة هنا و وصف ما جرى بالانقلاب "المكتمل الأركان" لا يستقيم للاعتبارات التالية : 1- جملة التدابير الاستثنائية التي اتخذها الرئيس قيس سعيد خلال الإجتماع الطارئ للقيادات العسكرية، والأمنية منها "تجميد عمل البرلمان ورفع الحصانة عن النواب" تستند إلى الفصل 80 من الدستور، إذا فهي تتمتع بالسند القانوني، قد يقول البعض: "تأوله"، و له ذلك، باعتباره أحد الفقهاء الدستوريين. 2- حازت القرارات عل دعم حزبي، و مدني و إن كان بدرجات متفاوتة، و أحيانا مشروطة بتوفير الضمانات القانونية. 3- القرارات تحظى بغطاء شعبي، حيث جاءت بعد مظاهرات حاشدة طالبت بحل البرلمان وإسقاط الحكومة التي يرأسها هشام المشيشي. و أعاد مشهد اقتحام مقار الإخوان قبيل تلك القرارات إلى الأذهان ليلة سقوط إخوان مصر حيث توجهت الحشود الغاضبة من حكم الإخوان إلى مقار الجماعة و ما رافقها من أعمال النهب… نقمة شعبية تصيب هذه المرة أحد أوتاد التنظيم الإخواني العالمي السيد الغنوشي، الذي رأى في تلك القرارات ردة و عودة للحكم الفردي…، لم يتعرض في اعتصامه أمام البرلمان، لأسباب التذمر، و الغضب الشعبي على الطبقة السياسية. تقرير لوكالة رويترز اعتبر الشيخ الغنوشي "طرفا رئيسيا في البلبلة التي اصطبغ بها المسرح السياسي منذ الثورة التونسية عام 2011″، و يؤدي ثمن الأخطاء القاتلة التي سقطت فيها حركة النهضة، و تحالفاتها التي وصفها المرزوقي ب"المناورة" مع بقايا النظام السابق، و قوى ليبرالية، و نيولبرالية التي لم تستجب لتطلعات الفئات الفقيرة و المهمشة. نفس التقرير لوكالة رويترز يرد "موجة الغضب الشعبي إلى النخبة السياسية التي فشلت على مدار سنوات في إنتاج ثمار الديمقراطية الموعودة". الرئيس سعيد لم يركب الموجة كما زعم التقرير، بل وجد الظروف مواتية ليبسط رؤيته التصحيحية للوضع، بعد التعطيل الذي شاب المرحلة السابقة و دخول رئيس البرلمان في تنازع الصلاحيات مع الرئاسة. قيس سعيد ليس عسكريا، و لا متعطشا للدماء، و هو ما يفسر هامش الحرية الذي تمتع به المعارضون للخطوة، المستهدفون بالقرارات. إن قصة الرئيس تختزل محنة المثقف و علاقته بالسلطة، مثقف ضاق ذرعا بالأساليب السياسوية. الذي تعايش مع أشكال التعطيل، و فنون المناورات السياسيات، و هو ما يعكس هزالة التدبير الحكومي للقضايا السوسيو اقتصادية، و الوضع الصحي الكارثي. ما أقدم عليه الرئيس ليس بالامر بالهين، خاصة أنه يواجه تنظيم ممتد يضم كيانات دينية، و لوبيات إعلامية، و دول راعية. لهذا ليس غريبا أن تنتقد تركيا ما سمته "تعليق الديمقراطية" بتونس، و فتوى تحريم "الاعتداء على العقد الاجتماعي الذي تم بإرادة الشعب التونسي" التي أصدرها الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين حول التطورات السياسية الحالية التي تشهدها تونس. تصريحات و فتاوى تعكس هواجس الإخوان و شبح إزاحتهم من الحكم الذي يؤرق زعمائهم ، لهذا حذر البيان من "خطورة تلازم ثلاثية (الاستبداد والفوضى والانقلاب غير الشرعي)، الذي لن يحقق للشعوب الحرة أي وعد من وعوده الكاذبة، وأن التجارب القريبة تخبرنا بذلك فلا رفاهية ولا خير في انقلاب". و لكن السادة الفقهاء لم يبدلوا ولو قليلا من الجهد لفهم مكامن الخلل، و أوجه اعتراض العامة عليهم، بل السواد الأعظم في البلدان التي حكموها، أو شاركوا في تسيير حكوماتها ازدادت نقمة الشعوب عليهم في مصر، تونس و المغرب حتى تركيا التي يحاجج بها الإخوان سقطت فيها أهم بلديات من يد العدالة و التنمية!. الأحداث تبين الحاجة الماسة لقراءة نقدية متبصرة للأداء السياسي للتنظيم الإخواني ، و لعل ما يميز الحالة التونسية هو ظهور قراءات نقدية، و حركات تصحيحية من داخل الحركة لم تكتب لها النجاح، و أدت الحركة ثمن النزعة الفردانية.