في خضم حزننا وعجزنا ونحن نتابع أخبار العدوان الصهيوني والغارات الليلية على غزة وسقوط الشهداء بفلسطين المحتلة، أغلبهم من الأطفال والنساء، ورغم هذه المشاهد القاسية تطالعنا صور الصمود وابتسامات الشهداء وشارات النصر يحملها الأطفال من تحت الركام يبثون فينا بعض الأمل وهم متشبثون بأرضهم حتى آخر ذرة رمل فيها . وسط هذه الأجواء ،تفاجئنا وسائل الإعلام المحلية بصور صادمة وأخبار مفجعة عن هروب جماعي وصل إلى حدود 5000 شخص في يوم واحد ،معظمهم أطفال هاجروا عبر شاطئ بليونش إلى مدينة سبتةالمحتلة . شاهدنا فيديوهات صادمة وصورا لأطفال بعمر الزهور ،وصورا لأمهات فارغات الفؤاد يرقبن أبناءهن على الشاطئ في هروبهم الجماعي هذه الصور لخصت كل الحكاية، حكاية موت الأمل وتفشي اليأس . فلا يكاد يختلف اثنان عن وجود استعداد نفسي وقابلية للفرار متى توفرت الفرصة لمعظم الشباب ،ليس فقط العاطلين منهم عن العمل بل وحتى الأطر والكفاءات . تتعدد الأسباب والهروب واحد ،إنه نتيجة لمقدمات طويلة ولعوامل متراكمة، جعلت المغرب يحتل المراتب الأولى في هجرة الأدمغة وربما مستقبلا في هجرة الأطفال . فالهجرة أصبحت موضوعا يؤرق الجميع ،نسمع كل سنة عن أطباء مغاربة قدموا استقالاتهم بالجملة وهجرة كفاءات علمية من جميع التخصصات ،نحو بلدان تقدر كفاءاتهم وتوفر لهم مناخا ملائما للعمل والعيش بكرامة . وفي نفس السياق كان وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي سعيد أمزازي قد أوضح أن أكثر من 600 مهندس يغادر المغرب سنويا .الصادم والغريب في الأمر أن السيد الوزير عقب رده على أحد الأسئلة بمجلس المستشارين بخصوص هجرة الكفاءات، قال " ..هذه مناسبة للتنويه بالكفاءات المغربية المهاجرة،لأنه ولله الحمد هناك إقبال عليهم بكثرة من طرف الدول الأوروبية وأمريكا وآسيا ،وأريد ان أبرز هنا أهمية النظام التربوي والتعليمي العالي الوطني،الذي يفرز لنا هذه الخبرات ويمكننا من تصدير بروفايل ذي جودة.." وزير يدلي بتصريح مشجع ومحرض على الهجرة ماذا ننتظر منه في أفق إيجاد حل لهذه الظاهرة المقلقة ؟؟ إن التصدي لظاهرة النفور والهروب من الوطن تحتاج لتوفر الإرادة السياسية ،فوضع الحد لهذا النزيف يبدأ بمحاربة الأسباب الرئيسية له من مظاهر الفساد والاستبداد واحتكار الثروات ومحاربة الزبونية والمحسوبية وتهيئة ظروف العمل بكرامة والتفكير الجدي في تنمية حقيقية للأقاليم المتضررة من قرار إغلاق معبر سبتة وإيجاد بدائل اقتصادية تضمن العيش الكريم لسكانها وتغنيهم عن الهروب أو الانتحار . أمام هذه التطورات الخطيرة والمقلقة لظاهرة الهروب الجماعي في واضحة النهار نأمل ان تصل الرسالة صناع القرار في بلادنا وأن يسمعوا صوت ناقوس الخطر المنذر بالطوفان ويتحركوا بسرعة قبل فوات الأوان …قبل أن يأتي علينا يوم نتساءل فيه أين الشعب؟؟ أين ثروتنا البشرية؟ كما كنا نتساءل ولا زلنا ..أين ثرواتنا المادية ؟