دعت هيئات مهنية و نقابية إلى وقف أعمال كوميدية، تبث في القنوات التلفزية المغربية، بمبرر أنها تتضمن إساءة للمهن التي تمثلها الهيئات السالفة الذكر. حرّكَت السلسلة الكوميدية " قهوة نص نص" مشاعر الغضب لدى هيئة المُحامين، وصلت إلى ردهات المحكمة التي طالبت الشركة الوطنية للإذاعة و التلفزة بوقف بث حلقات السلسلة الكوميدية، و التي اعتبرت الدور الذي تؤديه الفنانة "بديعة الصنهاجي" فيه مساس بمهنة المحاماة و مكانتها الاعتبارية. لم يتوقف الغضب عند هذه الهيئة فقط، فقد دعا المكتب النقابي الممثل للسككيين إلى وقف حلقات سلسلة "كلنا مغاربة"، لما تحملُه من إساءة و احتقار لفئة السككيين. انخرطت فئة الممرضات في هذا السباق المحموم نحوَ الدعوة إلى منع بعض الأعمال الفنية عن العرض، بدعوى أن مسلسل " بنات العساس" يتضمن مشاهد حاطة من قيمة الممرضة. تذكرني هذه الحملة التي تشنها مختلف الهيئات كل شهر رمضان على مُختلف الانتاجات الرمضانية، بالمُضايقات التي كانت تشن على المبدعين و الكتاب في مرحلة من مراحل التاريخ السياسي المغربي المُظلم الذي كانَ مشوبا بالقمع و الرقابة، بحيث منعت أفلام من العرض، صودرت كتب لدواع دينية و أخلاقية…جُمعت جرائد من الأكشاك بمجرد صدورها. لكن الدولة بأجهزتها صارت أكثر انفتاحا و تقبلا للانتقاد أكثر من حراس المهن الذين لا يودون أن تمس مهنهم حتى فنيا، رغمَ أن الفن في ماهيته و غايته لا يسعى إلى الإساءة لأحد، بقدر ما يسعى إلى الكشف عن مواطن الخلل في الإنسان، كيف ما كانت مهنته و درجته و رتبته الاجتماعية. من أين تأتينا الحموضة إذن؟، إن الجواب تتضمنه هذه المبادرات التي تسعى إلى وضع صنوف من الخطوط الحمراء و الخضراء…مما يفرض على الفنانين و المخرجين الخوض في مواضيع هامشية و متجاوزة تتجسد في السخرية من لكنة البدوي و لباسه… الغريب في كل هذا المسخ، أن الطبقة التي تحتج ضد هذه الأعمال لها من الرصيد الثقافي و المعرفي ما يؤهلها أن تكون متفهمة لماهية و رسالة الفن حتى يكون صدرها رحبا…و المثير للغرابة؛ أن المحامين الذين تشبعوا بقيم الحق والحرية و باقي القيم الكونية، من ضمنها حرية التعبير و الإبداع، يناقضون المبادئ التي يدافعون عنها ليلَ نهار، بمحاولة ثني فنانين على أداءٍ رسالتهم. يا أيها المحامون، أيتها الممرضان، أيها السككيون،" وسعوا من قشابتكم" أكثر من اللازم، فلا مهنة و لا حرفة مقدسة،"كل شيء يمكن أن يكون فنا" على لسان" آرثر دانتو" في كتابه "بعد نهاية الفن"، فهذا هو جوهر الفن؛ أن يقدمن افي حالتنا المشوهة و يكشف زلاتنا و أخطائنا و هفواتنا و تناقضننا، إن كان سيقدمنا للمشاهد كما نريد، فهذا ليسَ إبداعا.