يشهد بلدنا المغرب أكبر ورش إجتماعي في تاريخه، ثورة إجتماعية يُنتظر منها الكثير ، مشروع وطني غير مسبوق يتَمأسس على أربعة مُرتكزات جَوهرية يَتلاقح فيها ماهو اجتماعي بماهو صحي وماهو اقتصادي وتَلتقي في هدف واحد وأوحد ألاَ وهو السّعي لبلوغ عدالة إجتماعية ومجالية، ولبلوغ تلك المَرامِي خَصَّصَت الدَّولة بَرْمَجَة مُحَدّدة الزَّمن وبِموارد مَالية ضَخْمة (51 مليار درهم سنويا، مِنها 23 مليارا سَيتم تَمويلها من الميزانية العامة للدّولة). إنّ ورش تعميم الحماية الإجتماعية هو ورش ملكي طَمُوح وَضَع ملامِحه الكبرى خِطابين مَلكيين، الأول خطاب العرش لسنة 2020 حيث قال الملك محمد السادس " إنَّ الهدف من كلِّ المشاريع والمبادرات والإصلاحات التي نقوم بها هو النهوض بالتنمية، وتحقيق العدالة الإجتماعية والمجالية، ويأتي في مقدمة ذلك توفير الحماية الاجتماعية لكل المغاربة التي ستبقى شغلنا الشاغل حتى نتمكن من تعميمها على جميع الفئات وقد سبق لي دعوت في خطاب العرش لسنة 2018 للتَّعْجيل بإعادة النظر في منظومة الحماية الإجتماعية التي يَطبعها التشتت، والضعف في مستوى التغطية والنجاعة. "، وفي الخطاب الملكي الخاص بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية العاشرة وضع عَبره الملك محمد السادس المُرتكزات الأربع التي يَتأسّسُ حَوْلها هذا الورش المُجتمعي الضّخم والتي من خِلالها تمّ وَضع القانون الإطار رقم 09.21 المُتعلّق بالحِماية الإجتماعية الذي يهدِف إلى تجاوز الإشكالات التي يتخبّط فيها نظام الحماية الإجتماعية الحالي والذي يتّسِم بتعدّد البرامج والفاعلين وعدم وجود نظام موحّد أو التقائية بين كافة الشُّركاء و المُتدخلين، لذلك دعا الملك محمد السادس في خِطاب العرش لسنة 2018 بضرورة إعادة النظر في منظومة الحماية الإجتماعية. يَتضَمّن نظام الحماية الإجتماعية الجديد أُسُسين اثنين؛ الأول يتعلّق بالتأمين الإجتماعي الذي يضُمّ أربع خدمات هي تعميم التغطية الصحية، التعويضات العائلية، التقاعد والتعويضات عن فقدان الشغل، أما الأساس الثاني فيَشمل برامج المُساعدة الإجتماعية التي تصل لِمئة وأربعين برنامجا ، بالإضافة إلى كل ذلك فورش تعميم الحماية الإجتماعية يُشكل رافعة مِحورية لبداية إدماج القطاع غير المُهيكل خاصّة مع قُرْب خُروج السّجل الإجتماعي المُوحد للوجود الذي يعتبر الحل الأنجع لإحصاء الفئات الفقيرة والهشة التي تَسْتحق الحصول على الدعم الإجتماعي، فهو آلية تِقنية ناجِعة لإستهداف الفئات الهشّة للتغطية الصحية والإجتماعية بصفة عامة عبر تحديد خريطة الهشاشة بدقّة. أمّا بخصوص المُرتكزات الأربعة لهذا الورش الإجتماعي فَيَتجلى أولها في تعميم التغطية الصحية الإجبارية على المرض لِصالح 22 مليون مُستفيد إضافي خلال سنتي 2021 و 2022، إذ ستَشملُ في مرحلتها الأولى حوالي 11 مليون مواطن مغربي خلال السنة الحالية، وفي هذا الصّدد تم توقيع ثلاث اتفاقيات إطار أمام أنظار الملك مؤخرا والتي تهم فئات التجار ومُقدمي الخدمات المستقلين الخاضعين لنظام المساهمة المهنية الموحدة أو لنظام المقاول الذاتي أو لنظام المحاسبة نتحدث هنا عن ما يفوق 800 ألف منخرط، كما ستَستفيد فئات الحرفيين ومهنيي الصناعة التقليدية الذين يصل عددهم إلى حوالي 500 ألف مستفيد إضافة إلى الفلاحين الذين يُشكلون حوالي 1,6 مليون منخرط، ممّا يعني أنّ ما يُناهِز 3 مليون منخرط سَتَسْتفيد من التأمين الصّحي الأساسي رِفقَة أسرهم، وبالتالي فالعدد الإجمالي للمغاربة المُستفيدين سَيصِل 9 ملايين مواطن، وهو ما يمثل حوالي %83 منَ الفئات المُسْتهدَفة، في حينَ أنَّ بَقيّة الشرائح سَتَسْتفيد من التأمين الصّحي في المُسْتَقبل القريب عبر توقيع اتفاقيات مرتبطة بهم، وهُنا نتحدث عن مهنيي النقل وأصحاب المهن الحرة من مهندسين، أطباء ومحامين، تجذر الإشارة إلى أنَّ التأمين الأساسي على المَرَض سَيَشملُ مصاريف التَّطبيب، الدّواء، الإسْتِشْفاء والعلاج، أمَّا المُرتكز الثاني لهذا الورش المُجتَمَعي فيتمثَّل في تعميم التعويضات العائلية لتَشمل حوالي سبعة ملايين طفل في سنّ الدراسة تستفيد منها ثلاثة ملايين أسرة وذلك خلال سنتي 2023 _2024، إذْ تَشْمل كذلك التعويضات الخاصة بالحِماية من المخاطر المُرتبطة بالطفولة و من التعويضات الجزافية، أما المُرتكز الثالث فَيتحدث عن توسيع الإنخراط في نظام التقاعد في أفق سنة 2025 يهمّ بالأساس قُرابة خمسة ملايين مواطن من الذين يمارسون عملا ولا يَستفيدون مِن معاش، وفي هذا السّياق سيتمّ تنزيل نظام المعاشات الخاص بفئات المهنيين والعمال المُستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يُزاولون نشاطا خاصا ليشمل كل الفئات المعنية، أما المُرتكز الرابع والأخير فيتعلق أساسا بتعميم الإستفادة من التأمين على التعويض على فقدان الشغل بالنسبة للمغاربة الذين يتوفرون على عمل قار في أفق سنة 2025 بما في ذلك تبسيط شروط الإستفادة من هذا التعويض وتوسيع دائرة الإستفادة منه. إن من بين أهم المُستجدات التي جاء بها ورش تعميم الحماية الإجتماعية هو فتح قطاع الصحة أمام الكفاءات الأجنبية والإستثمار الأجنبي لِما لذلك من تأثير جد إيجابي في تعميم التغطية الصحية والمساهمة في حلحلة الإشكالات البِنيوية المرتبطة بالقطاع الصّحي على سبيل المثال ضُعف مُعدل التأطير الطبي والخصاص الملحوظ على مُستوى الموارد البشرية إضافة إلى تحدي بلوغ العدالة المجالية الصّحية، مما يَسْتوجب معه فتح مزاولة مهنة الطب أمام الكفاءات الأجنبية وأمام الإستثمار الأجنبي والعمل على تشجيع المؤسسات الصحية الأجنبية على العمل والاستثمار في القطاع الصّحي بالمغرب مما سيكون له لا محالة الأثر الإيجابي على المنظومة الصحية الوطنية في مجالات التّكوين وتبادل التجارب الناجحة والإستفادة منها. خِتاما يُشكل ورش تعميم الحماية الإجتماعية ثورة مُجتمعية بكل ماتحمله الكلمة من معنى ، ورش كبير يعكس إرادة ملك حكيم ومُبدع. * رضوان جخا ، ناشط شبابي ، رئيس مجلس شباب ورزازات، باحث في علم الإجتماع ، مدون مغربي.