في يوم السبت 26 أبريل من عام 1986، قرب مدينة بريبيات في شمال أوكرانيا السوفيتية، وقعت أكبر كارثة نووية شهدها العالم، إنها كارثة تشيرنوبل وهي حادثة نووية إشعاعية كارثية وقعت في المفاعل رقم 4 من محطة تشيرنوبل للطاقة النووية. حدثت الكارثة في الوقت الذي كان فيه 200 موظف يعملون في مفاعل الطاقة النووي يجرون عملية محاكاة وتجربة في الوحدة الرابعة التي وقع فيها الانفجار. كما ساهم عامل بنية المفاعل في الانفجار حيث أن التحكم في العملية النووية كان يتم بأعمدة من الجرافيت. وقد نتج الخلل عن تراكم أخطاء بشرية قاتلة أدى ذلك إلى حدوث اضطراب في إمدادات الطاقة في جمهورية أوكرانيا السوفيتية، كما أدى إلى إغلاق المصانع وتعطل المزارع وبلغت الخسائر المادية ماقيمته أكثر من ثلاثة مليارات دولار أمريكي. وقد لقي 36 شخصاً مصرعهم وأصيب أكثر من 2000 شخص. وتم إغلاق المفاعل نهائياً عام 2002. انفجار محطة تشيرنوبيل للطاقة النووية أدى إلى انتشار سحابة مشعة على أجزاء كبيرة من الاتحاد السوفياتي، هي ما يسمى الآن ب: بيلاروس، وأوكرانيا والاتحاد الروسي. وتعرض ما يقرب من 8.4 مليون شخص في البلدان الثلاثة إلى الإشعاع. في عام 1990، اعتمدت الجمعية العامة القرار رقم 45/190 بناءا على تقرير لجنة الخبراء، حيث يعد بمثابة العقد العالمي للتنمية الثقافية ، داعية فيه إلى ''التعاون الدولي في معالجة الآثار الناجمة عن حادثة محطة تشيرنوبيل للطاقة النووية وتخفيفها''. وكان ذلك بداية مشاركة الأممالمتحدة في الجهود المبذولة لإنعاش تشيرنوبيل. وأنشئت فرقة عمل مشتركة بين الوكالات لتنسيق التعاون بشأن تشيرنوبيل. وفي عام 1991، أنشأت الأممالمتحدة الصندوق الاستئماني لتشيرنوبيل – يعمل حاليا تحت إدارة مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية. ومنذ عام 1986، دشنت المؤسسات التابعة للأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الرئيسية ما يزيد عن 230 مشروعا من مشاريع البحوث والمساعدة في مجالات الصحة والسلامة النووية وإعادة التأهيل والبيئة وإنتاج الأغذية النظيفة والمعلومات. وفي عام 2002، أعلنت الأممالمتحدة تحولا في استراتيجيتها بشأن تشيرنوبيل، مع التركيز على نهج إنمائي طويل الأمد. وأخذ برنامج الأممالمتحدة الإنمائي، ومكاتبه الإقليمية في البلدان الثلاثة المتضررة، زمام المبادرة في تنفيذ الاستراتيجية الجديدة. ولا يزال هناك الكثير من العمل الذي يجب القيام به في المنطقة المتضررة. وأعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة، بموجب قرار أعلن في دجنبر من عام 2016، سعيا منها لزيادة الوعي بالآثار الطويلة الأجل لكارثة تشيرنوبيل، إعلان يوم 26 أبريل بوصفه اليوم لإحياء ذكرى كارثة تشيرنوبيل، على أن يبدأ الاحتفال به كل سنة اعتبارا من عام 2017. ودعت جميع الدول الأعضاء، والوكالات المعنية في منظومة الأممالمتحدة والمنظمات الدولية الأخرى، فضلا عن المجتمع المدني، إلى الاحتفال بهذا اليوم. خلفت كارثة تشيرنوبيل العديد من الآثار الصحية والبيئية التي تركت أثرا واضحا على المنطقة المحيطة بالمفاعل وانتشارها لاحقا إلى مناطق أخرى أوسع. بالإضافة إلى تداعيات إشعاعية، حيث كان معظم الإشعاع المنتشر من المفاعل عبارة عن اليود-131 ، والسيزيوم-134 ، والسيزيوم 137 التي تنتشر بسرعة في الهواء، وعادة ما تتوطن في الغدة الدرقية للإنسان. كما تم قطع العديد من الأشجار والغابات المحيطة بسبب مستويات الإشعاع العالية. وسميت المنطقة المحيطة بالمحطة النووية "الغابة الحمراء" وذلك لأن لون الأشجار تحول إلى لون زنجبيلي ساطع. في نهاية المطاف تم جرف ودفن الأشجار ضمن خنادق، وتم إجلاء أكثر من 100 ألف شخص من المناطق المحيطة بالمفاعل. وبعد حدوث الانفجار بدأت عمليات دفن وتغليف المفاعل بالخرسانة المسلحة لمنع تسرب الإشعاع الناجم عنه والذي أدى إلى وفاة عدد كبير في السنوات اللاحقة متأثرين بالإشعاع وخاصة أمراض سرطان الغدة الدرقية. إلا أنه في الأعوام الأخيرة لوحظ تشقق في الغلاف الخرساني لذلك هناك دراسات لعمل غلاف جديد أكثر سماكة وأفضل عزلا. ما زالت العديد من المناطق التي مسها الإشعاع النووي من الحقول والبحيرات وأراضي الغابات المحيطة بها التي تزودها بالغذاء والماء ملوثة، يعاني سكانها جميعهم تقريبا من مشاكل صحية متعددة، والأطفال عرضة بوجه خاص للتأثر. إلا أن أكبر هاجس يؤرقهم هو الخوف من العيوب الوراثية التي قد تؤثر في الأجيال المقبلة. فقد تسبب تعرض المصابين إلى خطر الإصابة بالسرطان في الغدة الدرقية والتسلخات الجلدية والتساقط في الشعر قد تعرض الإنسان إلى الخلل في القدرات العقلية والكبد والجهاز التناسلي والضعف العام في جهاز المناعة. وقد تم إجراء دراسات علمية عديدة بشأن الآثار المتعددة الناجمة عن حادثة تشيرنوبيل، لدراسة الآثار الصحية والعواقب البيئية وكذا دراسة العواقب الاجتماعية والاقتصادية من قبل برنامج الأممالمتحدة الإنمائي. لتشخيص الوضع بشكل دقيق ومحاولة الحيلولة دون وقوع كارثة إنسانية جديدة مماثلة. فهل فعلا استفادت الدول الصناعية الكبرى من هذا الدرس المفجع؟ وإلى أي حد تتمسك المصانع النووية فيها بإجراءات السلامة الصحية والبيئية حتى لا يكون الإنسان سببا في دمار الكوكب.