طرحت مشاريع القوانين المؤطرة للاستحقاق الانتخابي المغربي المقبل أمام اللجنة المعنية بالبرلمان، ما سيفتح النقاش والتوافق حول القدر اللازم من الضوابط التي يجب أن تجرى في إطارها هاته المحطة، حيث ستهدف المناقشات الى توفير مناخ ايجابي لتكثيف منسوب الثقة في العملية والرفع من رهان المشاركة الانتخابية، من خلال مدارسة مواضيع من قبيل الشفافية وحياد السلطات العمومية والقاسم الانتخابي وتعزيز حضور المرأة والشباب والمغاربة المقيمين بالخارج وتمويل الحملة. لكن سؤال الانتخابات لا يقف عمليا ونظريا عند هذا الحد من النقاش المسطري فقط، بقدر ما هو مرتبط بشكل كبير بمواضيع اخرى لا تقل أهمية، ومن أبرزها: _مدى تأهيل العنصر البشري الحزبي؛ _التقدم المسجل في الثقافة السياسية السائدة لدى غالبية المواطنين ؛ _تعزيز قنوات الديمقراطية الداخلية للاحزاب؛ _ناهيك عن تقوية الوظيفة البرنامجية للفاعل السياسي. وهي مواضيع لم تلقى بعد العناية اللازمة، بالنظر لتذبذب الإرادة التي من شأنها ان تنحو نحو انتاج قراءات وتوجهات حديثة للحقل الانتخابي. لذلك فالهيئة الناخبة المغربية ستعيش من جديد صعوبة عملية على مستوى القدرة على قراءة مخرجات السياق السياسي الراهن، خاصة فيما يتعلق بقراءة البرامج والمرجعيات التي ستطرح وتتنافس قبيل الانتخابات المقبلة، مع ما يستتبعه ذلك عمليا من اثار وخيمة على مستوى الاختيار بين ألوان انتخابية تتشابه في غالبيتها على مستوى الخطاب والبنية والمضمون، لم تستطع بعد اقحام الحقل الانتخابي الوطني ضمن مسار تطبعه قطبية برنامجية واضحة من حيث المرتكزات والاختيارات التي تتيح لجمهور المواطنين امكانية البحث عن اجوبته وقضاياه الاساسية. من جانت اخر، بات واضحا اننا أمام زحف متواصل للطابع المركزي للدولة CENTRO-ETATIQUE على حساب فضاءات التسييس والتمثيلية التي بقيت وفية لخطاب التثمين في غالب الحالات، متناسية بذلك لادوار الوساطة التي تقتضي التمكن من ادوات النقد والابتكار والمساءلة باسم الامة. وهذه الملاحظات سوف تعرف انتعاشة غير مسبوقة مع قدرة الدولة المركزية على تشغيل دورة النظام السياسي بشكلٍ ذاتي بعيدا عن الفضاءات والقنوات الحزبية. يحدث كل ذلك تزامنا مع الاتساع المتنامي لدائرة النقاش العمومي نحو فضاءات جديدة غير منضبطة بالضرورة لقنوات التمثيل التقليدية، خاصة مع الانعطافة الملحوظة لقنوات ممارسة التعبير وديمقراطية الرأي دون المرور الحتمي عبر المساطر والمؤسسات والبنيات المعيارية لممارسة الحق في المشاركة. كل هذه المتغيرات، سوف تجعل من التفكير في سؤال تأهيل السلوك الانتخابي للمواطنين المغاربة، محكا حقيقيا لتشكل حقل انتخابي منضبط ومعقلن، يتيح المشاركة للجميع بنفس القدر من الفهم والانخراط ويساهم في انتاج نخب جديدة وبرامج منسجمة مع أهداف الطموح التنموي بالمملكة وتقطع مع اشكالات المحطات السابقة ولو بشكل جزئي. * باحث في القانون العام ، الرشيدية