قبل أن ندرس منظور دوركايم للدين وعمقه الإجتماعي، لا بد من الرجوع إلى أهم كتبه، التي تساعدنا على فهم مواقفه من هذا الموضوع، ويعد كتابه "قواعد المنهج في علم الإجتماع " أهم كتبه، حيث يعطينا شرحا للمنهجية العلمية التي آتبعها في بحته حول الدين. في هذا الكتاب آنطلق دوركايم فيه من تعريف الظاهرة الدنية الإجتماعية بمجملها، وكانت أولها هي دراسة الحقائق، والوقائع الإجتماعية، بآعتبارها أشياء، وكان بذلك يعني أنه يمكن من خلالها الأشياء، والأحداث في الطبيعة. وبعد ذلك ركّز دوركايم على ضرورة التخلص من كل المفاهيم السابقة، والموروثة، هذه المفاهم التي تبلورث في الواقع، لا يمكن لها أن تبني العلم، وأضاف إلى ذلك عدم إدخال ماهو ذاتي في الموضوع، أو في الظواهر المطروحة للدراسة. دوركايم حاول أن يتبع هذه القواعد في دراسته للدين من خلال إسقاط خصائص الظواهر الإجمتاعية على الظاهرة الدنية. ففي صدد حديثه عن الأشكال البدائية للحياة الدينية الذي نشر سنة1912م. يشير إلى أننا إذا حاولنا أن نتعرف على الدين الأكثر بدائية وبساطة، فيكون من الضروري حينئد أن نتعرف على ما هو المقصود بالدين. إن فريزر لم يستطيع أن يتعرف على الصفة الدينية العميقة للمعتقدات والطقوس التى سوف تكون موضوع الإهتمام فيما بعد. وقبل أن يتعرض دوركايم لدراسة الخصائص العميقة لهذه المعتقدات، أعطى إشارة إلى العلامات الخارجية، والخصائص الظاهرة التي يمكن أن تساعدنا في التعرّف على حقيقة الظاهرة الدنية، ويكون من الضروري أن يبدأ بالتخلص من كل فكرة سابقة، لأنه لا يمكن تعريفه إلا عن طريق مجموعة الخصائص التي بمقتضاها وجدت هذه الظاهرة، نجد دوركايم أعطى في النص الذي كتبه حول الدين تعريف السوسيولوجيا للدين، وانتقد المفاهيم والنظريا ت التي اعتمد عليها بعض العلماء والمنظرين. حيث هناك فكرة اتفق عليها معظم العلماء، وهي الخاصية المميزة لكل ما هو ديني، هي أنه "خارق الطبيعة " والشئ الخارق للطيبيعة، تشير إلى كل ما هو غامض، وكل ما هو غير مفهوم، أومن المستحيل فهمه. إذن يمكن أن يكون الدين نوعا من التأمل الذي يتخلص من حدود العلم والتفكير المميز والواضح، وفي مقابل هذا عرّف دوركايم الدين بأنه النسق المواحد الإعتقادات والممارسات المتصلة بالأشياءالمقدسة. غير أن دوركايم وضع في كتابه السالف الذكر الأشكال البدائية للحياة الدينية فكرتين أساسيتين هما: -إن الدين والميتافزقيا لا يمكن فصلهما عن التجليات الاجتماعية ( الطقوس الإجتماعية )، والدين عند دوركايم هو الفعل الذي يمكن من خلاله إنتاج المجتمع أوإعادة إنتاجه. كما أنه تجربة جماعية وقدرة إنسانية تستبعد وتحرم. هذا من جانب ومن جانب آخر ركّز دوركايم في عمله على دراسة الطوطمية، بإعتبارها دينا بدائيا. فالطوطم كما رأينا حيوان أو نبات يجسد قيمة رمزية للجماعة ويحضه الإحلال والإحترام، لأن له طابعا مقدسا تتبلور حوله منظومة من الأنشطة الطقوسية المتنوعة حيث يعرّف دوركايم الدين هنا طريق الفصل بين ما هو مقدس من جهة، وما هو مدنس من جهة أخرى، ويحظر في هذه الحالة أكل الطوطم من الحيوان أو النبات إلا في المناسبات الإحتفالية حيث الناس في هذه الحالة يسيعون على الناس الطوطم خصائص إلهية تميزه تماما عن الحيوان. إذن بأشد إختصار دوركايم في دراسته الطوطمية استخلص أن المجتمعات لها ميول لخلق الإلهية عندما تكون في حالة غليان جماعي (الرقص حول النار عند الهنود الحمر). ما أريد التأكيد عليه هنا دوركايم، هو أن الجماعة هي المسؤولة عن تكوين الدين والأخلاق. فوظيفة الدين هي الدعم الاجتماعي لنظام، ومنعه من الإنحراف والتصورات الدينية عند دوركايم هي تصورات جمعية. كما أن الطقوس هي أساليب العمل بالنسبة للجماعات . من خلال ما سبق يمكن القول أن دوركايم أمضى جانبا كبيرا من جهده البحثي في دراسة الدين مع التركيز بصورة خاصة على اعتقاد الديني في المجتمعات . ولم ينتقد دوركايم موقفا واضحا من الأشكال البديلة للعقائد الدينية التقليدية غير أنه ألمح أكثر من مرة إلى أن الشعائر الدينية ستدور حول القيم الإنسانية، والسياسية مثل الحرية والمساواة والتعاون الإجتماعي.