كيف استطاعت إسرائيل قنص العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده؟ وكيف قدرت على الوصول إليه بهذه الكيفية التي تمت بها عملية اغتياله؟ لكن إذا تأمّلنا في استعراض نتنياهو سنة 2018م عندما أراد أن يبيّن خطر الملف النووي الإيراني على المنطقة، نراه قد ذكره بالاسم، مما يعني أنه سيكون مستهدفا في أي لحظة من اللحظات وبالتالي وجدت إسرائيل نفسها مضطرة لاغتياله لاكتساب نقاط مهمة على حساب إيران، ويبدو أن العملية كانت منسّقة ومدبّرة ومخطّطة تخطيطا محكما، بحيث لا ينجو العالم الإيراني من الموت المحقّق، وفعلا هذا ما حدث لمحسن فخري زاده، وما حدث لقاسم سليماني والمهندس قبله في عملية أمريكية إسرائيلية مشتركة. ولن تُقدم إسرائيل على مثل هذه العمليّات الخطيرة إلا بعد أن تمنحها أمريكا الضوء الأخضر، رغم أن الأخيرة مشغولة بما يجري داخلها، من صراع حول الانتخابات الرئاسية التي جرت أخيرا، وقد أبى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلا أن ينهي فترة رئاسته بمجموعة من العمليات الإجرامية الانتقامية من إيران، وقد لمّح إلى ذلك وقال في أحد خطاباته أو إحدى تغريداته أنه ستحدث أشياء كثيرة خلال المدّة المتبقية ويعني بها الستين يوما التالية، كما أنه توعّد إيران أكثر من مرّة أنه لن يتركها وأنه سيجعلها غير قادرة على امتلاك السلاح النووي رغم أنها ذكرت أكثر من مرة أنها لا تريد أن تصنع قنبلة نووية بل إنها تريد أن تجعل ذلك طاقة نووية سلميّة لأغراض علميّة. فكيف اخترقت إسرائيل جهاز الأمن الإيراني في مثل هذا الوقت الذي كان ينبغي لإيران أن تكون مستعدّة لأي هزّة أمنية يمكن من خلالها الولوج لتحقيق إسرائيل مآربها، وقد استغلت تل أبيب هذه الفجوة الأمنية وقامت بعمليتها كما يبدو، وقد ظهر أثر ذلك جليا على وجه نتنياهو وهو يتحدث بزهوّ وفخر أنه حقق أحد أهدافه، ومازال يسعى خلال المدّة المتبقية من فترة رئاسة ترامب إلى تحقيق مزيد من الأهداف، ولعله قد جهّز الخطط للانقضاض على ما يسمّيه الإرهاب الإيراني. ويبدو أن إسرائيل لديها أهداف ربما تكون متنوّعة لتحقيقها على الأرض الإيرانية وقد سبق لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أن هدّد بنقل المعركة إلى الداخل الإيراني في أي وقت. وكيف قدرت إسرائيل على الوصول إلى العالم الإيراني البارز والكبير في طهران؟ مما يعني أنها قادرة ربما للوصول إلى شخصيات أخرى أكبر تأثيرا منها وبالطبع الأقل منها، فالعملية ليست سهلة ولا هيّنة وإنما احتاجت إلى تدقيق كبير وتخطيط محكم وتنفيذ حسب المخطّط، والنتيجة اغتيال محسن فخري زاده، هذا الرجل الذي مثّل همّا كبيرا لإسرائيل وأمريكا، وأراد كلاهما التخلص منه بأي وسيلة وقد حدث فعلا، مما يعني أن هناك مخطّطات لاغتيال شخصيات مهمّة أخرى قد تتبع إيران داخلها وخارجها بحجم زاده وأكبر ربّما، كالسيد حسن نصر الله وإسماعيل هنية وبدر الدين الحوثي وهي شخصيات تتمتع بحماية أمنية، لكن يمكن أن تخترقها إسرائيل في أي لحظة وتصل إليها بكل دهاء وتغتالها انتقاما من إيران وهي بارعة في هذا المجال. ويبدو أن إسرائيل لا تبالي بالتهديدات الإيرانية وتوعّدت من خلالها إيرانُ إسرائيلَ وقالت إنها ستنتقم منها ومن أمريكا والسعودية وهي البُلدان التي صرّحت بمعاداتها الشديدة لإيران، مما يعني الاستخفاف بقُدرات إيران من الانتقام المزعوم، وإذا حدث فإنه ستتصدى له أمريكا وإسرائيل معًا، وهما تعلمان مدى قدرتهما العسكرية في مواجهة أي تحرك إيراني، وقد تجران المنطقة إلى حرب شاملة كما يبدو وهو الأمر المُخيف جدّا إذا حصل، وستحدث الكارثة الكبرى ولن ينجو منها أحد. وكل المؤشّرات تدلّ على أن ترامب جادّ في استحداث مشاكل كبيرة في المنطقة لا سيما المتعلق منها بالملف الإيراني لعدة أسباب، أولها أن يقطع الطريق على بايدن للوصول إلى هدفه والرجوع إلى الاتفاق النووي ومنها تحقيق حلمه في جعل إيران أضعف مما كانت عليه قبلئذ، وغيرهما من الأهداف المعلنة وغير المعلنة، مما يدفع إيران إلى صدام مباشر مع أمريكا وإسرائيل، وما تحرّك البنتاغون في الخليج والزيارة المكوكية التي قام بها بومبيو في المنطقة إلا دليل واضح وصريح أن كل منهما جادّ في مواصلة الحرب على إيران بل وقطع الطريق أمام أي نجاح يمكن أن يعكر عليهم خططهم. لكن في المقابل لن تسكت إيران على ما يحدث على الأرض، وربما اعتقدت إسرائيل أن إيران تعتبر العراق رقم 2، فيسهل اختراقها رغم ما تدعيه في وسائل الإعلام المختلفة من جاهزية عالية لقواتها المسلحة، وربما قلّلت أمريكا من إمكاناتها العسكرية رغم أنها تعرضت لضربة إيرانية قوية إثر اغتيال قاسم سليماني، لكن كيف سيكون الرد الانتقامي الإيراني هذه المرة؟ وهل يمكن أن تسكت إسرائيل وأمريكا على الإهانة إن حدثت؟ فيبدو أننا أمام أيام شديدة السخونة، وأيام عصيبة جدا، رغم أن عددها قليل إلا أننا قد نشهد أحداثا عظيمة ومؤسفة ومكلّفة.