رفع الستار عن فعاليات الدورة الثالثة من مهرجان روح الثقافات بالصويرة    تقدم في التحقيقات: اكتشاف المخرج الرئيسي لنفق التهريب بين المغرب وسبتة    "برلمانيو الأحرار" يترافعون عن الصحراء    فوز صعب ل"الماص" على المحمدية    المنتخب النسوي يفوز وديا على غانا    "ميزانية المواطن".. مبادرة تروم تقريب وتبسيط مالية جهة طنجة للساكنة    لجنة تتفقد المناخ المدرسي ببني ملال    "طلب رشوة" يورط عميد شرطة    حادث سير يصرع شابة في الناظور    "الفوبريل" يدعم حل نزاع الصحراء    المؤتمر الوطني للعربية ينتقد "الجائحة اللغوية" ويتشبث ب"اللسانَين الأم"    حوار مع "شات جيبيتي".. هل الأندلس الحقيقية موجودة في أمريكا؟    الحصبة.. مراقبة أكثر من 9 ملايين دفتر صحي وتخوفات من ارتفاع الحالات    السلطات المغربية تحدد موقع مدخل نفق لتهريب المخدرات بين سبتة المحتلة والفنيدق    نادي القضاة يصدر بلاغاً ناريا رداً على تصريحات وزير العدل بشأن استقلالية القضاء    المدير السابق للاستخبارات الفرنسية للأمن الخارج: المغرب كان دائما في طليعة مكافحة الإرهاب    طقس السبت .. امطار مرتقبة بمنطقة الريف والواجهة المتوسطية    ارتفاع المداخيل الضريبية بنسبة 24,6 في المائة عند متم يناير 2025    أزولاي: البصمة المغربية مرجع دولي لشرعية التنوع واحترام الآخر    اختتام القمة العربية المصغرة في الرياض بشأن غزة من دون إصدار بيان رسمي    صراع مغربي مشتعل على عرش هدافي الدوري الأوروبي    من العاصمة .. الإعلام ومسؤوليته في مواجهة الإرهاب    الملتقى الوطني الاتحادي للمثقفات والمثقفين تحت شعار: «الثقافة دعامة أساسية للارتقاء بالمشروع الديمقراطي التنموي»    قرعة دور ال16 لدوري الأبطال .. ريال مدريد في معركة مع "العدو" وباريس يصطدم بليفربول … والبارصا ضد بنفيكا    استقر في المرتبة 50 عالميا.. كيف يبني المغرب "قوة ناعمة" أكثر تأثيرا؟    محكمة بالدار البيضاء تتابع الرابور "حليوة" في حالة سراح    إيفاد أئمة ووعاظ لمواكبة الجالية المغربية بالمهجر في رمضان    الملك محمد السادس يحل بمطار سانية الرمل بتطوان استعدادًا لقضاء شهر رمضان في الشمال    الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء تحدد تعريفة استخدام الشبكات الكهربائية للتوزيع ذات الجهد المتوسط    على بعد أيام قليلة عن انتهاء الشوط الثاني من الحملة الاستدراكية للتلقيح تراجع نسبي للحصبة وتسجيل 3365 حالة إصابة و 6 وفيات خلال الأسبوع الفارط    مليلية المحتلة تستقبل أول شاحنة محملة بالأسماك المغربية    نتنياهو يزور طولكرم ويهدد بالتصعيد    المغرب يشارك في الدورة ال58 لمجلس حقوق الإنسان    الرجاء يعلن منع تنقل جماهيره إلى مدينة القنيطرة لحضور مباراة "الكلاسيكو"    المغرب ضيف شرف المعرض الدولي للفلاحة بباريس.. تكريم استثنائي لرائد إقليمي في الفلاحة الذكية والمستدامة    المندوبية السامية للتخطيط تسجل ارتفاعا في كلفة المعيشة في المغرب    المقاتلات الشبحية F-35.. نقلة نوعية في القوة العسكرية المغربية    حماس: جثة بيباس تحولت إلى أشلاء    روايات نجيب محفوظ.. تشريح شرائح اجتماعيّة من قاع المدينة    الاقتصاد السوري يحتاج إلى نصف قرن لاستعادة عافيته بعد الحرب التي دمرته    إطلاق تقرير"الرقمنة 2025″ في المنتدى السعودي للإعلام    إطلاق أول رحلة جوية بين المغرب وأوروبا باستخدام وقود مستدام    تراجع احتمالات اصطدام كويكب بالأرض في 2032 إلى النصف    فضاء: المسبار الصيني "تيانون-2" سيتم اطلاقه في النصف الأول من 2025 (هيئة)    كيف ستغير تقنية 5G تكنولوجيا المستقبل في عام 2025: آفاق رئيسية    حوار مع "شات جيبيتي" .. هل تكون قرطبة الأرجنتينية هي الأصل؟    أوشلا: الزعيم مطالب بالمكر الكروي لعبور عقبة بيراميدز -فيديو-    "حماس" تنتقد ازدواجية الصليب الأحمر في التعامل مع جثامين الأسرى الإسرائيليين    طه المنصوري رئيس العصبة الوطنية للكرة المتنوعة والإسباني غوميز يطلقان من مالقا أول نسخة لكأس أبطال المغرب وإسبانيا في الكرة الشاطئية    سفيان بوفال وقع على لقاء رائع ضد اياكس امستردام    6 وفيات وأكثر من 3000 إصابة بسبب بوحمرون خلال أسبوع بالمغرب    الذكاء الاصطناعي يتفوق على البشر في تحليل بيانات أجهزة مراقبة القلب    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    حصيلة عدوى الحصبة في المغرب    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    الشيخ محمد فوزي الكركري يشارك في مؤتمر أكاديمي بجامعة إنديانا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة نجاح المؤثر الافتراضي "سِّي"
نشر في العمق المغربي يوم 14 - 10 - 2020

رغم أن ما صمد أمام عوامل التعرية من رصيده في القراءة والكتابة ساعده بشكل كبير في تحقيق "النجاح المثالي" الذي ينعم به اليوم، لم يندم قط عن انقطاعه عن الدراسة، بل لا يتردد في الاستخفاف بها، والاستهزاء بالمواظبين عليها، وبخريجيها مهما كانت شواهدهم ومناصبهم.
في البدء كافح من أجل امتلاك هاتف ذكي، ثم كافح من أجل تغذية رصيده من الانترنيت. أصبح يقضي معظم وقته في مواقع التواصل الاجتماعي، وأصبح من "الكائنات الواقع-افتراضية"، وهي كائنات، على غرار الكائنات البرمائية، لها قدرة العيش في بيئتين مختلفتين، بيئة واقعية محسوسة، وبيئة افتراضية عبر الشبكة العنكبوتية.
في بداية تجربته كان يمارس هواية الإبحار الافتراضي وهو جالس على قارعة الطريق كأي مهمش في المجتمع، فلا يرى إلا غارقا في التهام ما تجود به شاشة هاتفه، وما تستفزه أنامله. وكثيرون ممن عرفوه ما يزالون يستحضرون صورته وهو منكمش على نفسه، مقوس الظهر والعنق، جامد لا يعير اهتماما لما حوله. حتى أن المرء ليحار في فهم متى ينام؟ ومتى يأكل؟ ثم ارتقى افتراضيا واجتماعيا بتدرج، ليجد مكانه في مقاهي المدينة، ثم ليستقر به الحال في أرقى مقهى حيث يلتقي ب"النخبة"، قبل أن ينال تصنيف أقوى شخصية مؤثرة في العالم.
تدرج في اكتساب المعرفة بأغلب تقنيات "التواصل" في العالم الافتراضي، وتعلم العديد من قوانينه. وبفضل نشاطه الكبير في "النشر"، اكتسب شيئا فشيئا شهرة مكنته من امتلاك قاعدة واسعة من المعجبين والمتابعين، تحولت إلى "الأصل التجاري" الذي رقاه اجتماعيا.
اهتدى بفعل ذكائه إلى نقط ضعف جمهور العالم الافتراضي. أو ربما نجح في استثمار تجربته الشخصية، واستطاع من خلال ذلك العالم الأزرق أن يبلور نموذجا للعيش "ناجح".
اكتسب شهرة متنامية مند أن بدأ ينشر صورا وفديوهات يصورها بهاتفه الذكي لمظاهر اجتماعية في محيطه، واكتشف أن الصورة أو مقطع الفيديو هما من الوجبات الشهية المفضلة لدى الشعب الافتراضي.
القاعدة الصلبة التي انتزع بها مكانا له في العالم الافتراضي هي "أنشر كل ما يصلك". وفي هذه القاعدة لا يهم المضمون. لا يهم هل هو حقيقي أم مزيف؟ ولا هل له انعكاسات ضارة على الآخرين أم لا؟ فكل هذا لم يفكر فيه يوما، وحتى حين يجد نقاشا حوله يتضايق منه، ويستهزئ به، ويرمي أصحابه بالجهل.
تطورت تجربته، وتطور من "ناشر ما يصله" إلى باحث لدى الآخرين عن ما ينشره. فقد اكتشف أحد "قوانين" التواصل الاجتماعي الافتراضي: "أنشر دائما تكن عظيما".
لم يهتم من قبل بالملكية الفكرية، ولا بحقوق المؤلف، ولا بالأمانة العلمية، وحدها قيمة المنشور تبرر موقفه منه. وهكذا نشط في "سرقة" ما ينشره الآخرون لينشره هو دون إحالة ولا إشارة إلى مصدره.
وهو في طور "الرقي العلمي"، اكتشف قانونا جديدا في مجال التواصل الاجتماعي الافتراضي: "العبرة ليست بقيمة المضمون بل بنشره". فجرب نشر تدوينات لا يعرف هو نفسه ماذا يريد منها. لكن قانون الفعل ورد الفعل جعله يدرك أهمية أن يتحول إلى "كاتب"، فعدد المعجبين بما يكتبه من خربشات مهم ومتنام. والذي زاد من ثقته في نفسه اتصال صحافيين به بحثا عن "الجديد"، وحين يرى "جديده" يوقعه "صحافيون"، قرر أن يكون صحافيا أيضا، ثم قرر أن يكون "باحثا"، ثم "خبيرا" ...
تعلم وهو يبني مجده الافتراضي أن "الإثارة" هي أقوى مغناطيس لجلب الجمهور، وكثيرا ما يشبهها بلعبته المفضلة لديه في طفولته.
لقد كان وهو صغير يجر قطعة مغناطيس في التراب، فتلتصق بها جسيمات صغيرة لا يعرف ماهيتها، لكنه يقوم بجمع كمية معتبرة منها، ثم يضعها على ورقة أو قطعة خشب أو زجاج أو فقط على كفه، ومن تحت الحامل يقوم بتمرير قطعة المغناطيس في مختلف الاتجاهات. كان معجبا بقدرة المغناطيس على التأثير في تلك الجسيمات من خلال "أي حائل"، وبقدرته على تصفيفها، وفي توجيهها، وفي تجميعها، وفي التحكم فيها. وكان أكثر ما يثير إعجابه حين تكون تلك الجسيمات في وضعية مصطفة، وتقوم تحت تأثير قوة المغناطيس وحركته، بحركات تشبه "الركوع" و"السجود" .. وكان يقضي معظم وقته وهو يلعب لعبته تلك حتى أنه أبدع الكثير من أشكال اللعب بها.
انتقل من "لعبة المغناطيس" التي واظب عليها حتى وهو مراهق، إلى "لعبة الإثارة" بعد أن أصبح من "الكائنات الواقع-افتراضية". لم يكن بحاجة للمرور بأحد "معاهدها" كي يتعلم فنونها ويدرك العوامل الفاعلة فيها فقد تعلم أن يكون "عصاميا" في كل شيء. لكنه استطاع أن يميز الكثير من تلك العوامل: الغرابة، والصدمة، والغموض، والمبالغة ... وأدرك أن توظيفها في بعض القضايا الخاصة يحولها إلى قنبلة جذب قوية.
تعلم كيف يعد مختلف "خلطات الإثارة". فيحول مواضيع في مجال السياسة، والجنس والدين ... إلى نيران مشتعلة. لا تهمه معرفة الميكانيزمات النفسية لتلك العوامل، كما لم يهتم من قبل قط بمعرفة القانون الذي يحكم علاقة المغناطيس بالجسيمات التي كانت تتراقص تحت تأثيره فيلهو بذلك. وكل ما يهمه من "خلطات الإثارة" هو النتيجة العملية، تأثيرها، قدرتها على الجذب، قدرتها على التجميع، قدرتها على التصفيف، قدراتها المختلفة... لقد تعلم صناعة الإثارة، وهو يسير في اتجاه إنشاء "مختبر" إعداد "خلطاتها" لطالبيها.
"مشادات بالأيدي بين جيران أوصلتهم إلى القضاء".. كان ذلك عنوان خبر لم يهتم أحد بمضمونه. فحوله إلى قنبلة حين أضاف كلمات بسيطة: "مشاداة بالأيدي بين جيران حول تهم التحرش الجنسي أوصلتهم إلى القضاء". كانت تلك صنيعته الأولى، اكتشف من نجاحها أن له "موهبة جديدة".
لايهمه ما سيجده القارئ في ثنايا الخبر الذي ينشره، بل يهمه أن يجذبه إليه، ويجعله يقرأه.
لا يهمه أن يكذب، فهو إنما أراد أن "يجدب"، كما كان المغناطيس يجدب من قبل. كان كلما تطابقت في ذهنه الصور الماضية مع المواقف المستجدة يتساءل: وما ذنب المغناطيس إذا جذب، وجمع، وصفف، ...؟ بل وما ذنب الطفل الصغير الذي إنما كان يلعب ويلهو؟
ومن بين أهم التقنيات التي تعلمها في مسار بناء خبراته التواصلية، "تقنية البلوكاج". استعملها بفعالية للحد من النقاد والمنبهين والفاضحين لسلوكاته. واظب على تنقية جمهوره من المشوشين. أصبح له اليوم جمهور واسع وفي و"نظيف".
وهو في تطوره وتعلمه المستمر، أدرك أن أكثر ما يغري الجمهور الافتراضي ويستهويه هو "مذهب نقد كل شيء"، وأنه كلما كان "النقد" جارحا وفاضحا وقاسيا وعنيفا، كلما كان مثيرا وجذابا. وتعلم أن "شروط" رواج الخطاب الافتراضي بسيطة جدا، أن يكون سلبيا، ويائسا، وناقما.
لا يعرف سر تأثير كل تلك "القواعد" التي اكتشفها، لكنه، وهو يكتسب شيئا فشيئا نظرة فلسفية للأمور، أدرك أنها قواعد الجذب في "مغناطيسه" الجديد. فانتقد الوضع في بلدته وفق "خلطات" تلك القواعد، وانتقد المنتخبين، وبعض المسؤولين فيها، ونشر صورا لسيارات بعضهم، و ... حتى صورة كلب أو قط اكتشف أن لها قيمة عظيمة في "التواصل الاجتماعي الافتراضي" إذا كانا لمسؤول. وعلمه قانون الفعل ورد الفعل الاجتماعي أنه على "الطريق".
كان كلما تطابقت في ذهنه صورته وهو ينقر على هاتفه، مع صورته وهو يلعب "لعبة المغناطيس" وهو صغير، يجد متعة نوستالجيا لا تقدر بثمن.
اكتشف مبكرا "آلهة العالم الافتراضي"، تعلم الطقوس الضرورية التي ترضيها، وواظب على تقديم القرابين التي تطلبها، وحرص على أن يضحي لنيل رضاها بالغالي والنفيس، كل ذلك من أجل نيل بركتها وجودها والدخول إلى جنتها .. هكذا تعامل مع "الجمهور الافتراضي".
في أول استدعاء له من طرف مسؤول أمني، ظن أن سوابقه العدلية ما تزال تلاحقه، لم يَدُر بخلده أبدا أن خربشاته بالنقر في هاتفه النقال هي موضوع الاستدعاء. لكنه تعلم الكثير من لقاءاته المتكررة مع ذلك المسؤول. إطمأن أن لا شيء سيوقفه، بل فقط ينبغي الانتباه إلى تجنب فلان وعلان، وهذه المؤسسة وتلك... وهكذا تعلم أن يكون له "خط تحرير".
توالت الدعوات الموجهة إليه لحضور التظاهرات واللقاءات و... يتصل به القائد، والبرلماني، ورئيس المجلس البلدي، والمنتخبون، ومسؤولي الأحزاب في مدينته، فضلا عن الشيخ والمقدم ... كل يطلب الهدنة معه ويوجهه إلى "الآخرين". لقد قيل له إنه أصبح من "الشخصيات المؤثرة".
أدرك أن سر قوته يكمن في "جبهته الافتراضية". وأن تلك "الجبهة" كلما كانت صلبة كلما فسحت له الطريق. وهنا تعلم شيئا آخر، أن يكون للجميع، وأن يكون على الجميع، وأن يأكل مع الصديق وعدوه.
لا يصدق أحيانا ما أصبح عليه شأنه. أصبح لرقم هاتفه رواج لم يكن ليحلم به. اتسعت لائحة معارفه. وأدرك أن ريع أمجاده الافتراضية أصبح واقعا يعيش به. تقدم له الهدايا، ويستدعى للولائم، ويدعى لشرب كاس شاي أو قهوة من طرف "النخبة" حين يمر قرب مقهى، وأصبح لديه مدير أعمال ينسق مواعيده، ويتفاوض باسمه، ويرد على الرسائل والدعوات و ... وأصبحت لاسمه لازمة من لقب "سِّي".
تضخم طموحه. انتبه وهو يتعلم، أنه ينبغي أن يكون من "المؤثرين" على المستوى الوطني، بل والعالمي أيضا. فاهتم، باعتماد "خلطاته"، بنقد البرامج و السياسات العمومية، والقضايا الفكرية والفلسفية، والعلاقات الدولية، ومواقف الدول، ونتائج الانتخبات هنا وهناك، وتدبير مختلف الأزمات، والصراع مع الصهاينة، وقضايا الشرق الأوسط، والتنافس بين الصين وأمريكا، و... لقد تعلم أن لا شيء يمنع من مناقشة أو الكتابة في أي شيء، ف"ديمقراطية" العالم الافتراضي قد أسقطت الحدود ومزقت المواثيق، وأنتجت ثقافة "كولشي كايفهم فكولشي".
كسب شهرة عابرة للحدود حين نشر صورة سلفي له وهو يحمل صورة عالم فيزياء مشهور تداولت الصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي آخر نظرياته حول الكون. في الصورة كان يشير إلى العالم بسبابته. نشر الصورة مع تعليق بسيط يقول" لا تصدقوا هذا الكذاب، فإن ما يقوله مجرد خيال!". كتبه باللغة العربية والانجليزية والفرنسية، بمساعدة فريق مساعديه من الشباب العاطل. ومكنته خبرة التسويق الافتراضي، التي اكتسبها فريق عمله، من نشرها على أوسع نطاق.
أثارت الصورة جدلا واسعا وكبيرا عبر العالم. وفتح النقاش حول ما مدى صدقية ما توصل إليه عالم الفيزياء؟ وهو سؤال لم يثره أحد لما نشر نتائج أبحاثه. وتفرق الناس بين مشكك في هوية صاحب الصورة المتهمة، وبين من يشك في الخلاصات العلمية للعالم، وبين من يدافع عن تلك النظرية الجديدة. ونشَّطت الصحافة تلك الديناميكية بتصريحات علماء ونقاد وباحثين وملاحظين،...
أحد مختبرات تحليل المضمون الرقمي العالمية قام برصد روجان تلك الصورة في الأنترنيت، كانت النتيجة شيئا لا يصدق إلا في العالم الافتراضي. لقد كانت "صورة السنة" بأزيد من مليار تفاعل مختلف! تمنى "سي" لو أن كل تفاعل يترجم إلى سنتيم أو درهم، ولم لا إلى دولار أو يورو! لا يعرف ما هو المليار بلغة الرياضيات، لكنه رقم حاضر بقوة في أحلامه الافتراضية لقياس الثروة التي يطمح إلى جمعها.
"مقاولة سي للخدمات"، أصبحت واقعا، ببناية خاصة، وأجراء، وفريق عمل ضمنهم خبراء، ورقم معاملات يتنامى بسرعة، ... لكن الأصل التجاري الحقيقي لتلك المقاولة ليس في عقاراتها ورأسمالها، ولائحة زبنائها الماديين والمعنويين، وغير ذلك، بل في رصيدها من الجمهور الافتراضي.
هذا الأصل التجاري الافتراضي، الذي يحكي قصة تجربة "سِّي"، هو مصدر قوته ومقاولته، هو ما تبيعه، وهو ما تستثمر في تنميته والمحافظة عليه... مئات الملايين من المتابعين والمعجبين لحسابات وصفحات وقنوات "سِّي" في العالم الافتراضي. هذه القاعدة الافتراضية هي التي يبيعها "سِّي" لأصحاب الاشهار، ولمروجي الأخبار الزائفة والإشاعات، ويبيعها كمنصة إطلاق لمنظمي الحملات، التجارية منها والسياسية. أصبح "سي ..." رقما صعبا في العالم الافتراضي، خاصة في تنظيم الغزوات والحروب الالكترونية، بين الشركات، بين الأحزاب، وبين الدول أيضا. باختصار شديد لقد أصبح "سِّي" خبيرا في مجال "التواصل".
في كل يوم يخصص "سِّي" اجتماعا مع فريق الخبراء، يستعرضون فيه أهم القضايا التي رصدوها في العالم الافتراضي وتثير اهتمام الجمهور باعتماد أحدث برامج الرصد والتتبع، فيقترحون رزنامة أهم تلك القضايا مع "زوايا معالجة" تناسب "خط تحرير سِّي" الذي بناه بعصامية ناذرة. فيخرجون بمجموعة مضامين سيتم نشرها عبر مختلف الدعامات الإلكترونية التي تم تحفيظها باسم "سِّي"، وتشمل صفحة فيسبوك، وقناة في اليوتوب، وحسابات في كل المواقع الاجتماعية، وعلى الفريق أن يقترح لكل دعامة ما يناسبها: مقاطع فيديو ينبغي تصويرها، تدوينات مختصرة تنشر باسم "سِّي"، رسوم كارتونية، كاريكاتير ... وفي كل عمل يعطي "سِّي" توجيهاته وفق "خط تحريره". فيوضع برنامج للتنفيذ، يشمل تصوير فيديوهات قصيرة ل"سِّي"، وإعداد مضامين مختلفة يوقعها "سِّي"، ...
"مقاولة سِّي" لا تنام، تنشر باستمرار، تراقب، ترصد، تشن الهجمات، تحاصر، تبتز، تهدد، تروج، تضغط، ... تقوم بكل شيء. لقد تحولت إلى آلة جهنمية تهتز من حركاتها جبال العالم الافتراضي، وبدون مبالغة تهتز من نشاطها أنظمة سياسية مند أن تمكنت من التلاعب بالرأي العام في عدد من الدول الافريقية وتمكن زبناؤها من حصد النتائج التي خططوا لها.
"شخصية مؤثرة"، عبارة رنت من جديد في ذهن "سي". تأمل فيها بنظرته الفلسفية الجديدة، استعاد صورته وهو يلعب "لعبة المغنطيس". تساءل، هل أنا الطفل أم أنا المغناطيس؟ استرسل في التفلسف حتى اصطدم بسؤال: إذا كنت أنا المغناطيس فمن يكون الطفل؟ آلمه هذا السؤال، فلعن الفلسفة والفلاسفة والتفلسف، وقرر أن يكتفي بمظاهر الأشياء، فهو الذي يملك "مقاولة سِّي"، وهو الذي ينشر، والجمهور يحتشد على صفحة العالم الافتراضي، فيحركه كيف يشاء، هذه هي الحقيقة التي لا يريد معرفة وجهها الآخر.
ذات يوم وهو جالس في المقهى يحتسي كوب قهوة مع مدير أعماله، رن هاتف هذا الأخير، وانفرجت أساريره وهو يطلع "سِّي" على هوية المتصل. فتح الخط، وتحدث إنجليزيته المتعثرة، وأنهى المكالمة والعرق يتصبب من جبينه. وقال ل "سِّي": أخيرا نجحت الخطة، القناة الأجنبية الشهيرة "..." في المغرب. سوف تجري معك الحوار في العاصمة الرباط، يقترحون غدا على الساعة الرابعة بعد الزوال، وقد حجزوا لك فندقا...
ابتسم "سِّي" وقال له: إذن ليس لدينا الكثير من الوقت، قم بنا للإعداد ...
قام "سِّي" كما يقوم أي شخص واتق من نفسه، وسار مع مدير أعماله بهدوء الرجال العظام نحو مجد إعلامي جديد: قناة أجنبية قررت تحقيق "سبق إعلامي" باستجواب صاحب "صورة السنة" أو صورة "هذا كذاب!".
جرى الحوار ونشرته القناة، وحصدت رواجا لم تحلم به من قبل بفضل خدمات "مقاولة سِّي". كان حوارا ناجحا بكل مقاييس صحافة "ما يطلبه الجمهور".
أما "مقاولة سِّي" فقد حصلت على شيك بمبلغ ضخم اودعته حسابها.
أما "سِّي" فقد أعاد نشر رابط الحوار على صفحته على فايسبوك، وتويتر، وأنستاكرام، و ... مع تعليق مقتضب على صورة يرفع فيها شارة النصر بيده، يقول فيه: "أنا قادم"! وحصد ملايين التعليقات التي تقول له: "برافو"، "كنت لامعا"، "واصل"، "أيها البطل"، "ننتظرك"...
وكان من بين كل تلك التعليقات واحد لم تطله يد رقابة فريق "سِّي" يقول فيه صاحبه: "خلا لك الجو فبيضي واصفري".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.