بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    "التقدم والاشتراكية": الحكومة تسعى لترسيخ التطبيع مع تضارب المصالح والفضاء الانتخابي خاضع لسلطة المال    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    روسيا تمنع دخول شحنة طماطم مغربية بسبب "أمراض فيروسية خطيرة"    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    نادي المغرب التطواني يقيل المدرب عزيز العامري من مهامه    التنويه بإقالة المدرب العامري من العارضة الفنية للمغرب التطواني    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    دشنه أخنوش قبل سنة.. أكبر مرآب للسيارات في أكادير كلف 9 ملايير سنتيم لا يشتغل ومتروك للإهمال    مجلس الأمن: بلينكن يشيد بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    قضايا المغرب الكبير وأفريقيا: المغرب بين البناء والتقدم.. والجزائر حبيسة سياسات عدائية عقيمة    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    مباراة الزمامرة والوداد بدون جماهير    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    تثمينا لروح اتفاق الصخيرات الذي رعته المملكة قبل تسع سنوات    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    دورية جزائرية تدخل الأراضي الموريتانية دون إشعار السلطات ومنقبون ينددون    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    ترامب يهدد باستعادة السيطرة على قناة بنما على خلفية النفوذ الاقتصادي المتنامي للصين    تفكيك أطروحة انفصال الصحراء.. المفاهيم القانونية والحقائق السياسية    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025        بريد المغرب يحتفي بفن الملحون    العرض ما قبل الأول للفيلم الطويل "404.01" للمخرج يونس الركاب    جويطي: الرواية تُنقذ الإنسان البسيط من النسيان وتَكشف عن فظاعات الدكتاتوريين    مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدخول المدرسي .. ثنائية الجدل والارتباك
نشر في العمق المغربي يوم 31 - 08 - 2020

في ظل الارتفاع المقلق لعدد الإصابات المؤكدة في الأسابيع الأخيرة، ارتفع منسوب الترقب والتوجس والانتظار في أوساط الأسر والأطر الإدارية والتربوية وعموم الرأي العام، بشأن الدخول المدرسي والسيناريوهات أو النماذج البيداغوجية التي يمكن اعتمادها من طرف وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي - قطاع التربية الوطنية -من أجل تدبير أمثل لدخول مدرسي استثنائي بكل المقاييس، وقد اتسعت دائرة القلق والجدل بعد أن كشفت الوزارة الوصية على القطاع قبل أيام، عن المقرر الوزاري لتنظيم السنة الدراسية الذي رسم خارطة طريق سنة دراسية "طبيعية"، قبل أن تحاول في بلاغ لاحق، توضيح ما أثاره هذا المقرر الوزاري من جدل متعدد المستويات، بتأكيدها بعدم الحسم في سبل تدبير الدخول المدرسي والسنة الدراسية برمتها، واضعة ثلاثة خيارات بيداغوجية، ربطت أولها باعتماد "التعليم الحضوري" بشكل كلي وثانيها بتبني "التعليم عن بعد" بشكل كلي وثالثها بإمكانية اللجوء إلى خيار بيداغوجي تناوبي يجمع بين "الحضوري" و"الافتراضي"، عقب ذلك، أجرى الوزير الوصي على القطاع اجتماعا تنسيقيا - عبر تقنية المناظرة المرئية- مع مديري الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، بشأن تدارس الإجراءات والتدابير المرتبطة بإنجاح الدخول المدرسي المقبل2021-2020، وقد تم الوقوف من خلاله عند الأنماط التربوية التي أعدتها الوزارة والإجراءات اللازمة لتفعيلها وأجرأتها، بما ينسجم ويتماشى والخصوصيات الجهوية والإقليمية والمحلية، مما جعل الكثير من التحليلات، تصب في اتجاه إمكانية اعتماد مقاربة بيداغوجية قائمة على تعدد السيناريوهات أوالنماذج البيداغوجية، التي تنسجم وخصوصيات الوضعية الوبائية لكل جهة أو عمالة أو إقليم، لكن في ظل هذه الموجة من الجدل والترقب والانتظار، لا أحد كان يتكهن بما ورد في بلاغ ليلة يوم السبت 22 غشت الجاري.
بلاغ لم يخرج عن قاعدة البلاغات والقرارات التي تعودنا أن تصدر في ساعات متأخرة من الليل، وبدل تذويب جليد الجدل والتوجس والتخفيف من درجات حرارة التوتر والقلق في أوساط الأسر والتلاميذ والفاعلين التربويين والإداريين، جاءت مضامينه حاملة لمفردات الضبابية والغموض والإبهام، بشكل سيجعلنا وبدون شك، أمام دخول مدرسي على وقع الجدل واللخبطة والتعثر والارتباك، و سنة دراسية ستعيش أجواء من الاضطراب وعدم الاستقرار، بعدما تم ربط محطاتها وإيقاعاتها بوضعية وبائية مقلقة، لا أحد بإمكانه التكهن بتطوراتها، وهو بلاغ جاءت خلاصاته الكبرى على النحو التالي:
اعتماد صيغة "التعليم عن بعد" في بداية الموسم الدراسي 2021-2020 المرتقب أن ينطلق رسميا يوم السابع من شهر شتنبر المقبل بالنسبة لجميع الأسلاك والمستويات بكافة المؤسسات التعليمية العمومية والخصوصية ومدارس البعثات الأجنبية، مع توفير خيار "التعليم الحضوري" بالنسبة للمتعلمين الذين سيعبر أولياء أمورهم ، عن اختيار هذه الصيغة، في أفق وضع آلية تمكن الأسر الراغبة في ذلك، من التعبير عن هذا الاختيار:
خيار "التعليم عن بعد" كان "متوقعا" بالنظر إلى الوضعية الوبائية التي باتت مقلقة ومحرجة في ظل الارتفاع المهول في عدد الإصابات المؤكدة والوفيات والحالات النشطة والحالات الصعبة والحرجة، ولامناص من القول أن أرقام كورونا، جعلت من "التعليم عن بعد" الخيار الأقرب على الأقل لتدبير الدخول المدرسي في انتظار ما ستسفر عنه تطورات الوضع الوبائي، لكن "غير المتوقع" أن يتم تبني آلية "التعليم الحضوري بشروط" بالنسبة للمتعلمين الذين سيعبر أولياء أمورهم عن ذلك، بمعنى أن هذا الدخول المدرسي سيكون محكوما بتبني خيارين بيداغوجيين مختلفين، أولهما "عن بعد" (القاعدة) وثانيهما "حضوري بشروط" (استثناء)، وهذه "التخريجة البيداغوجية" أثارت زوبعة من اللغط والجدل المتعدد المستويات في أوساط الأسر والتلاميذ والأطر الإدارية والتربوية والباحثين والمهتمين، ليس فقط لأن لا أحد كان يتوقع أن تخرج الوزارة الوصية بقرار من هذا القبيل، ولكن لأن المبررات الوبائية التي فرضت اللجوء إلى خيار "التعليم عن بعد"، اختفت أو لم يتم استحضارها لحظة التفكير في تنزيل "تخريجة التعليم الحضوري بشروط"، بشكل دفع الكثير من الآراء أن تصب في اتجاه ربط "التخريجة" بلوبيات مقاولات التعليم الخصوصي (مع الاستثناء طبعا)، التي منحت "آلية بيداغوجية" لممارسة الجشع واستهداف جيوب الأسر(واجبات التمدرس، واجبات التأمين ..) وإثقال كاهلها بعقود "إذعان" تفرض تأدية واجبات التمدرس في أية وضعية من الوضعيات (عن بعد، حضوري، تناوبي) وتحت أي ظرف من الظروف (جائحة، حوادث فجائية، أزمات ..)، وهذا ما يفسر اتجاه إرادة "اللوبيات الخصوصية"إلى خيار "التعليم الحضوري" لممارسة رقصة الجشع والابتزاز بدون خجل أو حياء، وفي جميع الحالات، نرى أن هذه "التخريجة" (الحضوري بشروط) ستحمل بعض مشاهد اللخبطة والارتباك وعدم الاستقرار، للاعتبارات التالية :
- المؤسسات الخصوصية ومدارس البعثات الأجنبية ستلجأ إلى خيار "التعليم الحضوري" في ظل توفر بنيات مدرسية قد تساعد على أجرأة التدابير الوقائية والاحترازية (تخفيف عدد التلاميذ داخل الحجرات الدراسية، تحقيق التباعد، الكمامات، وسائل التعقيم ...)، أو يمكن الاعتماد عليهما معا حسب خصوصيات بعض المواد والتخصصات وحسب الإمكانيات التقنية المتاحة.
- بنيات مدارس التعليم العمومي لاتسمح بالالتزام بما وضعته السلطات العمومية من إجراءات وتدابير وقائية واحترازية (محدودية الحجرات الدراسية، ضعف أو انعدام الفضاءات (قاعات رياضية، مسارح ..) التي من شأنها كسب رهان التخفيف والتباعد الجسدي).
- آلية "التعليم الحضوري" ربطت بمدى رغبة أولياء أمور التلاميذ في اختيار هذه الصيغة، وهي رغبة لابد أن تتأسس على وعي حقيقي لا لبس فيه بواقع حال الوضعية الوبائية وتقدير أي خطر محتمل على التلميذ(ة)/الابن(ة) في حالة تبني خيار "التعليم الحضوري"، وإذا كانت الوزارة الوصية بل وحتى الحكومة نفسها، لا تستطيع التكهن بتطورات الوضعية الوبائية وبمدى تداعيات "التعليم الحضوري" على الحالة الوبائية، فكيف يمكن أن نحمل ذلك، لأولياء أمور التلاميذ، خاصة في ظل الفوارق الثقافية والاجتماعية والمادية والمجالية، فمثلا أب بائع متجول أو فلاح صغير في قرية معزولة وسط الجبال، كيف نطلب منه الاختيار بين "التعليم عن بعد" و"التعليم الحضوري بشروط"؟ فعلى الأقل الوزارة الوصية والحكومة ككل تستند في قراراتها على رأي "اللجنة العلمية" القادرة وحدها دون غيرها على تشخيص واقع حال الوضع الوبائي بالمملكة وعلى القدرة على التوقع بناء على ما بات يسجل في الآونة الأخيرة من أرقام ومؤشرات مثيرة للقلق، وبالتالي فهي (الوزارة) الأكثر "أهلية" في تبني الخيار البيداغوجي الذي ينسجم وخصوصيات هذه الظرفية الوبائية، أما إلقاء الكرة في مرمى آباء وأمهات وأولياء التلاميذ، فهو محاولة لتحميلهم المسؤولية في هذه الأزمة الصحية، وليس إشراكهم في صناعة القرار التربوي.
- من ناحية الأجرأة والتفعيل، هل يكفي على أولياء أمور التلاميذ التعبير عن الرغبة في الاختيار لأبنائهم لصيغة "التعليم الحضوري" بتعبئة "استمارة" مباشرة عبر خدمة توفرها منظومة مسار أو تعبئتها مباشرة بالمؤسسات التعليمية، أم أن المسألة تتطلب التزامات موازية مرتبطة بإخضاع أبنائهم لاختبار الكشف عن وباء كورونا المستجد "كوفيد 19"، وإذا ما كان هذا الاختبار يعد شرطا إلزاميا، فمن يتحمل تكاليفه المادية، هل الإدارة أم أولياء أمور التلاميذ؟ وهل الأسر المتوسطة أو ذات الدخل المحدود، باستطاعتها تحمل تكاليف أية اختبارات محتملة لأبنائها خاصة في حالة تعدد الأبناء/التلاميذ؟ وفي حالة إذا ما كانت هذه الاختبارات ستتحملها الأسر، وهو ما لاتستطيع تحمله، أليس ذلك، إرغاما لهم على تقبل الأمر الواقع (الخضوع للتعليم عن بعد) بدون أية مساعدات أو وسائل؟
- نفترض أن كل أولياء الأمور اختاروا بشكل اعتباطي "التعليم الحضوري" بنسبة 80% أو 90% منهم تخوفوا على أبنائهم واختاروا "التعليم عن بعد"، فكيف سيتم تدبير كل وضعية على مستوى جداول حصص الأساتذة واستعمالات الزمن الخاصة بالتلاميذ وطرائق إجراء التقويمات (فروض المراقبة المستمرة)؟ وكيف يمكن تدبير حالة قسم نصفه اختار "الحضوري بشروط" ونصفه الثاني فضل آلية "التعليم عن بعد"؟ وماهي المعايير التي على ضوئها يمكن أن يشتغل الأستاذ(ة) "عن بعد" بشكل كلي" أو "حضوريا" بشكل كلي أو بالتناوب؟ وإلى أي مدى الأستاذ(ة) يبقى حرا في اختيار الخيار البيداغوجي الذي يناسبه؟ أم أن "آلية الحضوري بشروط" هي التي ستتحكم في هندسة جداول الحصص (الخاصة بالأساتذة) واستعمالات الزمن (الخاصة بالتلاميذ)؟
- الدخول المدرسي خاصة في أسابيعه الأولى يخصص عادة للتعارف والتواصل وتحديد خطة العمل وإجراء التقويمات التشخيصية، فكيف يمكن تحقيق هذه الغايات في حالة دخول مدرسي "عن بعد"؟ كيف يتحقق التفاعل بين جماعة القسم؟ كيف يمكن للأستاذ(ة) التعرف على المواظبين والمجتهدين والمتهاونين؟ وكيف له أن يرصد المتعثرين منهم؟ وأية آلية بيداغوجية يمكن اعتمادها لتقويمهم (فروض المراقبة المستمرة)؟
- "عن بعد" و"حضوري بشروط" يجعلنا أمام بيئة تنتج اللاعدالة وانعدام تكافؤ الفرص، خاصة في ظل الفوارق الاجتماعية والمجالية الصارخة.
- لجوء الوزارة إلى خيار "التعليم عن بعد" هو خيار مبرر من الناحية الوبائية كما تمت الإشارة إلى ذلك، لكن على مستوى الواقع، لم يتم توفير البيئة المناسبة لهذا النمط من التعليم الذي يقتضي شروط الدعم والتحفيز للأساتذة (تعويضات محفزة، وسائل رقمية) والأسر(مساعدات مالية لتمكين أبنائها من الهواتف الذكية واللوحات الإلكترونية)، كما يقتضي رؤية واضحة المعالم على مستوى التدبير وخاصة على مستوى تقويم التعلمات (سبل تقويم التلاميذ عن بعد)، كما أن الرهان على "التعليم الحضوري بشروط" قد يواجه بصعوبات واقعية على مستوى الالتزام بالتدابير الوقائية والاحترازية خاصة على صعيد المؤسسات العمومية (صعوبة تخفيف عدد التلاميذ داخل الأقسام في ظل محدودية البنيات المدرسية، صعوبة التحكم في تصرفات التلاميذ على مستوى إجراءات الوقاية والاحتراز، مدى القدرة على توفير الكمامات والمعقمات...)، وفي المجمل، قد نواجه صعوبات موضوعية (خاصة في التعليم العمومي) على مستوى "التعليم الحضوري" الذي يفرض شروطا صارمة قد لا يتم الوفاء والالتزام بها بشكل كلي، كما سنواجه مشكلات على مستوى "التعليم عن بعد" في ظل الفوارق الاجتماعية والمجالية الصارخة، ورهان الحكومة ككل على التعليم "عن بعد"، كان لابد أن توازيه إجراءات موازية (تعويضات مادية للأساتذة، مساعدة الأسر لتمكين أبنائها من الأجهزة الإلكترونية، توفير مجانية الأنترنيت للأساتذة والتلاميذ، مجانية منصات التعليم، انخراط حقيقي لمجموعة من المتدخلين في دعم تجربة "التعليم عن بعد" (شركات الاتصال، الجماعات الترابية وعلى رأسها الجهات، شركات القطاع الخاص التي تشتغل في مجال الاتصالات، الإعلام العمومي، مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للتربية والتكوين ... إلخ)).
- الرهان على الخيارين معا، يفترض أن يوازيه تخفيف في الغلاف الزمني للبرامج الدراسية بالنسبة لجميع المواد والتخصصات، وهذا التخفيف لامناص منه في هذا الظرف الخاص والاستثنائي (العبرة في الكيف وليس في الكم)، وإجراء من هذا القبيل، لاشك أنه سيخفف الأعباء عن الأساتذة والتلاميذ، ويتيح للوزارة تكييف مخطط تدبير السنة الدراسية بكل يسر وسلاسة وأريحية حسب تطورات الوضعية الوبائية، ومن المخجل جدا، أن يتم الاحتفاظ بنفس البرامج الدراسية والأطر المرجعية للامتحانات في ظرفية خاصة واستثنائية.
- الوزارة أو الحكومة وهي تتبنى هذا الطرح الثنائي، استحضرت ما تم تسجيله خلال الموسم الدراسي المنصرم (النزاع بين مقاولات التعليم الخصوصي وأولياء الأمور، جدل التعليم عن بعد) فحاولت "الموازنة بين مصالح "اللوبي الخاص" ومصالح الأسر التي خيرت بين أمرين أحلاهما مر إن صح التعبير ("الحضوري" (في ظل وضعية وبائية مقلقة) و"عن بعد"(في ظل ضعف أو انعدام الوسائل).
- الحكومة حملت المسؤولية لأولياء الأمور، في محاولة لكبح جماح أي نزاع محتمل مع اللوبي الخصوصي أو أي احتجاج متوقع بشأن التعليم عن بعد، فمن أراد لابنه "التعليم عن بعد" فله ذلك، ومن اختار "التعليم الحضوري بشروط" فله ذلك، ليبقى العنصر الغائب هو "رأي التلميذ(ة)"، فماذا لو اختار الأب خيار "التعليم عن بعد" تخوفا من الحالة الوبائية، واختار الابن(ة)/التلميذة(ة) آلية "الحضوري بشروط"؟، لكن إلقاء المسؤولية على الآباء في الاختيار لأبنائهم بين "التعليم الحضوري بشروط" و"التعليم عن بعد"، رأت فيه "الكونفدرالية الوطنية لجمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ بالمغرب" (بلاغ محرر بالدار البيضاء، بتاريخ 23 غشت 2020) "قرارا يراعي بالأساس مصالح بعض مؤسسات التعليم الخصوصي، ويضرب في العمق مبدأ تكافؤ الفرص"، وهو موقف قد يضع أولياء التلاميذ مرة أخرى في مواجهة مباشرة مع أرباب مقاولات التعليم الخصوصي التي ستستثمر دروس وعبر الموسم الدراسي المنصرم، بممارسة المزيد من الجشع والابتزاز، والحكومة وتحديدا الوزارة الوصية على القطاع لايمكن أن تبقى على الحياد السلبي، فهي تبقى ملزمة بإعادة النظر فيما يؤطر التعليم الخصوصي من قوانين متجاوزة، بشكل يسمح بإرساء منظومة قانونية ناجعة وعادلة، قادرة على تقنين القطاع لكبح جماح بعض "تجار التربية" الذين انكشفت عوراتهم في ظل جائحة عالمية كانت تقتضي استحضار قيم المواطنة والتعاون والتضامن والتعاضد، وليس الركوب على صهوة الجشع والإشهار المبكر لسلاح "الأزمة" ورفع مطالب التعويض.
- الوضعية الوبائية أضحت مقلقة جدا، والأرقام القياسية التي باتت تسجل في عدد الإصابات اليومية المؤكدة، تدق ناقوس الخطر كما ورد في خطاب ذكرى ثورة الملك والشعب، والرهان على آلية "التعليم الحضوري بشروط" قد يكون مجازفة مجهولة العواقب من الناحية الوبائية، قد تفرز بعض "البؤر المدرسية" خاصة في المدن التي ترتفع فيها الإصابات كالدارالبيضاء ومراكش وبني ملال وفاس وطنجة، وهذا التوجه، قد يشكل خطرا على الأطر الإدارية والتربوية، فهل استحضرت الوزارة "السلامة الصحية" لأطرها في ظل حساسية المرحلة الوبائية، خاصة وأن الكثير من حالات الإصابة لا تظهر عليها أعراض؟ وما هي حدود مسؤولياتها الإدارية والقانونية في حالة إذا ما أصيب أستاذ(ة) أو إداري(ة) بالعدوى من طرف التلاميذ،ونقل العدوى إلى محيطه الأسري؟ وما هو "الإطار القانوني" الذي يمكن أن يؤطر أية إصابة أو إصابات محتملة في صفوف الأطر الإدارية والتربوية التي أصيبت داخل الفضاء المدرسي؟ وهل وضعت الوزارة الوصية في الحسبان حالة "الإغلاق الاضطراري" لمؤسسة من المؤسسات في حالة ظهور "بؤرة مدرسية" وسط التلاميذ؟ وهل استحضرت ما يفرضه ذلك من مرور سريع من نموذج بيداغوجي (حضوري) إلى آخر (عن بعد)؟ وما قد يترتب عن ذلك من تداعيات نفسية على الأساتذة والتلاميذ والأسر؟
تأجيل الامتحان الجهوي الموحد للسنة الأولى بكالوريا، إلى "وقت لاحق":
هذا القرار تم تبريره بالوضعية الوبائية التي باتت أرقامها مثيرة للقلق، وهنا نرى أن قرار التأجيل من يوليوز إلى شتنبر(التأجيل الأول) لم يكن صائبا، وكان من المفترض إجراؤه مباشرة بعد الامتحان الوطني الموحد للبكالوريا، استثمارا لما تم تحقيقه حينها، من تعبئة جماعية ومن حرص على الإجراءات والتدابير الوقائية (الكمامات، المعقمات ..) ومن إعداد لجملة من المدرجات الجامعية والقاعات الرياضية التي استثمرت كمراكز للامتحان لتحقيق إجراء التباعد الجسدي واحترام مسافات الأمان، خاصة وأن الحالة الوبائية كانت مستقرة ومتحكم فيها، وهذا التأجيل الثاني، لم يقدر حجم ودرجة التداعيات النفسية والصحية على المترشحين (تلاميذ السنة الأولى بكالوريا) الذين عاشوا سنة دراسية مسترسلة منذ شتنبر الماضي (2019)، وحتى العطلة التي يفترض أن تكون للراحة والاستجمام استعدادا لموسم دراسي جديد، تم استثمارها للإعداد الجيد للامتحان الجهوي الذي كان مبرمجا خلال الأسبوع الأول من شتنبر (2020) قبل أن يتم الإعلان عن تأجيله على بعد أقل من أسبوعين من موعد إجرائه إلى أجل "غير مسمى"، وهذا التأجيل، سيفرض عليهم الدخول في سنة دراسية جديدة في ظل مستوى إشهادي جديد (الثانية بكالوريا)، وفي نفس الآن، يحملون هم وثقل وهاجس الامتحان الجهوي الموحد، وهذا الوضع، ستكون له ولا شك في ذلك، آثارا نفسية وصحية، مما قد ينعكس سلبا على مستوى "الجاهزية" لهذا الاستحقاق الجهوي (نفسيا ومعرفيا) الذي يمثل ما نسبته 25% من المعدل العام للبكالوريا، وقد نتفهم التأجيل لأسباب وبائية، لكن يصعب تفهم فتح "إمكانية التعليم الحضوري" ما دامت الأسباب الوبائية واحدة، دون إغفال معطى موضوعي آخر، يرتبط بالامتحانات الجامعية ( الدورة الربيعية) المرتقب إجراؤها غضون مطلع شتنبر المقبل، والتي ستضع الوزارة الوصية على القطاع أمام اختبار ثان بعد استحقاق البكالوريا، سيتجدد معه الرهان في أن تمر هذه الامتحانات في أجواء عادية ودون أية تداعيات وبائية، وبالتالي كان من الصعب تدبير الامتحانات الجامعية والامتحان الجهوي في نفس الآن، مما يؤكد مرة أخرى أن قرار تأجيل "الجهوي" لم يكن موفقا، مع الإشارة أن مجموعة من الأساتذة الذين درسوا السنة الأولى بكالوريا (علوم، آداب) خلال الموسم الدراسي المنصرم، سيكونون مضطرين من ناحية "المبدأ" و"الالتزام" مواكبة تلاميذهم "عن بعد" والإجابة عن تساؤلاتهم واستفساراتهم، ومدهم بالتعليمات والتوجيهات الضرورية إلى حين اجتيازهم للامتحان الجهوي، وفي جميع الحالات، فالوزارة مطالبة بتوضيح رأيها بخصوص مستقبل الامتحان الجهوي الموحد، إما بإلغائه واعتماد نقط المراقبة المستمرة ومعدل الامتحان الوطني بالتساوي (في حالة تعقد الوضعية الوبائية) أو الإعلان الصريح عن موعد إجراء الامتحان، لتحرير التلاميذ من حالة القلق والتوتر والترقب والانتظار.
يمكن في أي محطة من الموسم الدراسي 2021-2020، وفق تطورالوضعية الوبائية ببلادنا والتغيرات التي قد تطرأ عليها مستقبلا، تكييف الصيغة التربوية المعتمدة على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الجهوي بتنسيق مع السلطات المحلية والصحية :
وضعت الوزارة الوصية على القطاع "ثلاث فرضيات" لتدبير الموسم الدراسي مرتبطة بالأساس بتطور الوضعية الوبائية بالمملكة، ترتبط الأولى بتوقع تحسن الحالة الوبائية والعودة التدريجية للحياة الطبيعية، بشكل يسمح بالمرور إلى "نموذج التعليم الحضوري" بشكل كلي، والثانية ذات صلة بوضعية وبائية في تحسن، وتستدعي المزيد من التقيد بالشروط الوقائية والاحترازية، وهي وضعية تنسجم وآلية "التعليم بالتناوب" في إطار رؤية بيداغوجية تجمع بين "الحضوري" و "الافتراضي"(عن بعد)، فيما توازي الفرضية الثالثة وضعية وبائية متفاقمة وغير متحكم فيها، تفرض الاعتماد بشكل كلي على صيغة "التعليم عن بعد"، وهي فرضيات لاشك أنها ستضعنا أمام سنة دراسية على وقع الارتباك وعدم الاستقرار والتوجس والقلق والانتظار، لارتباطها بأرقام ومؤشرات وبائية من الصعب التكهن بها في المدى القريب والمتوسط، لكن الرؤية لايمكن أن تكون حاملة لمشاهد الغموض والضبابية والإبهام، فالوزارة ملزمة بوضع عتبات على امتداد الموسم الدراسي (العطل البينية)، تسمح بتشخيص وتقييم الوضع بما يتيح فرصة اتخاذ قرار المرور إلى مرحلة ثانية (التناوب بين "الحضوري" و "عن بعد" مثلا) أو البقاء في نفس المرحلة (عن بعد مثلا) حسب تطورات الوضعية الوبائية، لأننا أمام مجتمع مدرسي وإيقاعات تعلم وحياة مدرسية، من الصعب التحكم في إيقاعاتها عبر "قرارات فجائية" يتم الكشف عنها في "الوقت بدل الضائع".
في جميع الحالات، فالقرار الوزاري أثار زوبعة من الجدل واللغط والاحتجاج المتعدد المستويات، ومهما اختلفت التبريرات أو تباينت المؤاخذات، فالحقيقة التي لايمكن إنكارها أو تجاهلها، أن "الدخول المدرسي المرتقب" سيكون حاملا لمشاهد اللخبطة والتردد والقلق والترقب لاعتبارين اثنين، أولهما: تفاقم الوضعية الوبائية في ظل الارتفاع المهول في عدد الإصابات المؤكدة والوفيات، وثانيهما: اعتماد "آلية التعليم الحضوري بشروط"، والتي حملت الأسر ما لاطاقة لها به، مما سيفرز مشكلات وإكراهات عملية على مستوى تطبيق هذه الآلية التي رأى فيه الكثير إرضاء واضحا لمقاولات التعليم الخصوصي، ونرى أنه كان من الأرجح اعتماد "التعليم عن بعد" بشكل كلي، انسجاما مع واقع الحالة الوبائية التي باتت صعبة ومقلقة، وتناغما والفرضيات الثلاث التي وضعتها الوزارة الوصية (حالة وبائية متفاقمة يوازيها تعليم عن بعد) أو اللجوء إلى خيار "تأجيل الدخول المدرسي" في انتظار أن تتوضح صورة الحالة الوبائية بالمملكة، أو تكييف السيناريوهات البيداغوجية حسب الخصوصيات الجهوية والمحلية (تعدد النماذج البيداغوجية حسب الخصوصيات الوبائية على مستوى الجهات والعمالات والأقاليم)، والوزارة الوصية على القطاع، لابد لها أن تستحضر ما أثاره قرارها من جدل ورفض واحتجاج، وتقدر تداعيات ذلك على الدخول المدرسي وعلى السنة الدراسية برمتها، بأن تراهن على المزيد من التواصل وعلى خلق نقاشات جادة ومسؤولة مع مختلف الفرقاء الاجتماعيين (النقابات) والتربويين (جمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ ..) وعلى الخبراء والمفتشين التربويين والأساتذة، من أجل بلورة مقاربة شمولية "متفق عليها"، تضمن دخولا مدرسيا "آمنا" و"سلسا" وسنة دراسية بأقل الأضرار، ونختم بالقول، أن الشأن التربوي ليس شأن وزارة أو حكومة، بل هو "شأن مجتمع" و"شأن دولة"، لذلك، لامناص من الرهان على بناء الإنسان/المواطن التي تعول عليه الدولة اليوم لكسب رهان "معركة كورونا"، وهو بناء يمر قطعا عبر منظومة تربوية عصرية وعادلة ومنصفة ومبدعة، تعيد الاعتبار لمن قيل فيه : كاد المعلم أن يكون رسولا ...
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.