أضحكَتْني نكتة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، حين تحدَّث عن " اللعبة الخطيرة " التي تمارسها تركيا في ليبيا. و ذلك خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره التونسي قيس سعيد في العاصمة باريس. حيث لم أتَمالَك قَهْقَهاتي و أنا أتابع مُزحات العرض المسرحي للسيد ماكرون عن مستجدات الوضع الليبي، خصوصا حين قال إن من مصلحة الجميع وقف الحرب في ليبيا، و وقف التدخلات الخارجية في ليبيا. و لأن الشيء بالشيء يذكر، فإن السيد ماكرون أبدع في تَمثيلِه الفرجوي و كاد يُنْسينِي متناقضاتِ لَعِبهِ المُفرط على الحبلين، حين كان الرئيس الفرنسي يساند غزوة المشين حفتر في الخفاء و يظهر تشبُّتَه بشرعية حكومة السراج في العلن. فلا تستغربوا إن خرجت كبريات الصحف و المواقع الإخبارية الخليجية و المصرية بالمانْشيط العريض صدَّاحةً مدَّاحةً واصفةً إيمانويل ماكروم بالقومي العروبي القُحِّ المُتَيم بحرف الضاد ، و ذلك نكايةً في العثماني طيب رجب أردوغان و هيلمانِه العسكري في ليبيا. لذا فلا بد من إستيضاح قواعد اللعبة الفرنسية المُستَطيرة في ليبيا و مطالعة دفتر حُمولاتها الحقيقية. حيث نجد أم مصالحها تتلخص في مقدرات ليبيا الغنية بالنفط و الغاز. فها هو لعاب السيد ماكرون يسيل أمام صفقات الغنائم السائلة و المتبخِّرَة ، بل يدوخ عقلُه عن كيفية الحصول و التَّحَصل على نصيب فرنسا منها. و رغم أنه يتظاهر بدعمه للجهود الأممية من أجل الوصول إلى حل سياسي بين الأطراف الليبية ، إلاَّ أن الرئيس الفرنسي سرعان ما يُظْهِرُ غُرَّة تلاعبات الديبلوماسية الفرنسية. حيث كانت من الدول المساندة للغزْوَة الخاسِرة التي قادها المشين حفتر ، و الذي منحَتهُ إحدى الجرائد الفرنسية لقب " السياسي الشجاع" رغم تورطه في جرائم حرب همجيَّة في حق الشعب الليبي. حقًّا .. إن لعبة الرئيس الفرنسي المُستَطِيرة عنيفة و مُشَوِّقَة و جد مثيرة. فهو كان مع حفتر و ضدَّه، و ضِدَّ السراج و معه. بل هو قد يكون مع إتفاق الصخيرات و يدعم إعلان القاهرة، غير أن مغامرات لعبة ماكرون لا تستطيع منافسة عروض مسلسل "قيامة أرطغل" الذي بات يتصدر المشهد الليبي و يحظى بنسب عالية من المتابعة العربية و الإسلامية. فهل أيقَنتُم مثلي أن لعبةَ فرنسا مُستَطيرةٌ ؟. إن كان الجواب لا، فتابعوا قراءة المقال ! و لأن الرئيس الفرنسي كان مرفوقا في عرضه الكوميدي بالرئيس التونسي قيس السعيد .فإني سأطالب باستدعاء الشاهد من تونس الخضراء. .. لا أقصد رئيس الحكومة التونسية السابق، بل أعني بالطلب كل شاهِدٍ عايَنَ ذاك الفَيْلَق الفرنسي الذي سبقَ ضبطُه و بحوزته أسلحة و ذخائر ، لمَّا دخل إلى تونس عبر حدودها الشرقية على متن سيارات رباعية الدفع تحت غطاء ديبلوماسي مكثف. و حين أُثيرت الشبهات حول تورط الفيلق في تنسيق عسكري مع المشين حفتر، أنكرت باريس التهمة و قدَّمت روايَتها الهلامية التي عَرَّفَت الفيلَقَ بأنهم أفراد فريق الحماية الأمنية للهيأة الديبلوماسية الفرنسية في ليبيا. و الله أعلم بخبايا الأمور ! نعم ، إنَّها لعبةٌ فرنسية مُستطيرَةٌ، من ثورة المَهْدِ إلى صراع الزَّرْدِ. أَيْ منذ ذكريات فبراير 2011 حين ثارت ثائرة الليبيين ضد الرئيس الراحل معمر القذافي إلى أحداث يونيو 2020 حيث نتابع إرهاصات صراع دموي حول الزردَة الليبية المُعلَّقَة. و لعلَّكم لا زِلْتُم تتَذكرون قصة سلف ماكرون السابق في الرئاسة الفرنسية أقصد نيكولا ساركوزي الذي يُشاعُ عنْهُ أنَّهُ مَوَّلَ حملتَهُ الإنتخابية بأموال قَذَّافِيَّة ، ثم تحوَّلَ بعدها إلى داعيَّة التدخل العسكري في ليبيا. و اليوم ، و في ظل الاندحار الكبير للمشين حفتر ، أو بل لأن تركيا المُتَفاهِمَة مع حكومة السراج تهدد بالسيطرة على كامل التراب الليبي و ترفض اقتسام الكعكة الليبية وفق شروط ماكرون. سارع الرئيس الفرنسي إلى البحث عن مشير جديد فَلَم يجد غير طويل الباع و الذراع عبد الفتاح السيسي، الجِنِرال الحَاذِق و المشهود له بالخبرة و الحنكة في توظيف " الجيش المصري" لإشعال الحروب الأهلية بين أبناء الوطن الواحد و قتل أفراد شعبه. حيث سارع الرئيس الفرنسي إلى دعم إعلان القاهرة الذي كان تمهيدا لوأد إتفاق الصخيرات ، و بعدها تمَّت تلاوة بيان حرب بالوكالة تُهدِّد بخَوْضِها مصر في ليبيا وفق قواعد اللعبة الفرنسية المستطيرة و بتمويل عربي إماراتي سعودي . و في انتظار قرارات الناتو، ستَعتَمِد لعبة ماكرون على فتح جبهة التصويب من جهة مصر. و تضم تشكيلة فريق فرنسا إلى جانب مصر كلاًّ من الإمارات و السعودية، و قد قام ماكرون بإختيار الخوادم التي تناسب اللعب. و كمثيلاتها من ألعاب الحرب العنيفة ، فإن آخر لاعب أو فريق باقٍ على قيد الحياة سيفوز بغنيمة ليبيا المُنْقَسِمَة. هكذا إذن نَقلْنا إليكم تغطيةً مُستَفِيضَةً حول تصريحات اللاعب إيمانويل ماكرون عميد الفريق الفرنسي الإماراتي السعودي المصري ، الذي سيواجه فريق حكومة الوفاق الوطني بقيادة فايز السراج المُتفاهِم و تركيا. وذلك في انتظار إلتحاق باقي الفرق المؤهلة كروسيا و ألمانيا و إيطاليا ... و إجراء جميع اللقاءات المؤجلة لمجموعات الموت ضمن تصفيات لعبة جيو-ستراتيجية دموية للغاية.