بدأنا في الآونة الأخيرة نلمس نتائج إجراءات الحجر الصحي ببلادنا لمواجهة تفشي جائحة كوفيد 19.نتائج تجلت بوضوح في التحكم في نسبة العدوى والفتك، مع ارتفاع ملحوظ في نسبة التعافي. هذه النتائج وغيرها دفعت كلا من وزير الصحة خالد آيت الطالب، ومدير مديرية علم الأوبئة ومحاربة الأمراض، محمد الأيوبي يصرحان أن هذه الإجراءات جنبت المغرب الأسوأ. رغم ظهور أخطاء كان بالإمكان تجاوزها لو تم التعامل مع ما سيصبح بؤرا وبائية، بشكل استباقي. إذ ليس من المعقول أن يتم التغاضي، في أجواء الحجر الصحي، عن المساحات الكبرى للتسوق، والوحدات الصناعية التي اختارت الاستمرار في مواصلة عملها في هذه الأجواء، ووحدات الصناعة التقليدية المطبوعة أصلا بالخطورة الصحية، كما هو الشأن في وحدات الدباغة، دون نسيان أوضاع السجون. حالات كان من اللازم اتخاذ إجراءات استباقية بشأنها. وبشكل عام فقد عرف تدبير ملف كورونا ذكاء خاصا. نلمس بعض ملامحه في تمديد الحجر الصحي على غاية العشرين من ماي القادم. قرار احتكم للعقل، رافضا التجاوب مع دعاوي وقف حالة الطوارئ الصحية مع دخول الشهر الكريم. ولو تم ذلك لتمكن الفيروس من فريسته بسهولة ولفتك بالمغاربة. خاصة وأن للمغاربة في إحيائهم لليالي رمضان وايامه طقوسا وعادات تجعل من المستحيل تجنب التقارب الاجتماعي في المنازل والمساجد والفضاءات العمومية. ذكاء أصحاب القرار تجلى أيضا في التعامل بحزم مع ملف إغلاق المساجد باستحضار مقاصد الدين العليا المتمثلة في حفظ النفس وصيانتها. دون الانسياق وراء أفكار كانت تبحث لها عن موطئ قدم داعية بعدم المساس بحرمة المساجد. مدعية أن الأمر يشكل سابقة، رغم أنه باستنطاق التاريخ نتأكد أن الحزم كان سيد الموقف في حالات مماثلة. الآن في ظل تراجع هجوم الفيروس في العديد من البلدان، وفي ظل الرفع التدريجي للحجر الصحي في أخرى,نتساءل هل أعلن الفيروس اللعين استسلامه لبني البشر وتراجع مدحورا معلنا انسحابه النهائي من عالمنا تاركا البشرية تمارس حياتها في سلام وهناء، تفكر في لملمة انكساراتها ومداواة جراحها، واسترجاع كرامتها المهدورة أمام عدو غير مرئي، والانكفاء على تنميتها المتكسرةالمهزومة أمام فيروس كورونا؟ الجواب على كل هذه التساؤلات غير متوفر إلى حدود الساعة. إلى أن هناك مؤشرات توحي بأن الإنسانية لن تخرج من هذه الأزمة بالسهولة المنتظرة. المؤشرات تُجمع على التنبؤ بمستقبل ضبابي. منها تنبؤات على كون الغمة لن تنقشع قبل يوليوز المقبل، أو غشت في عند آخرين. وإشارات تتنبأ بعودته خلال شهر أكتوبر القادم. كما أن بعضها يذهب إلى أن يصبح الوباء موسميا. في المقابل هناك سعي حثيث من طرف منظمة الصحة العالمية ومراكز أبحاث من أجل الوصول إلى لقاح يخضع له الجميع. كل ذلك لا يتجاوز لحد اللحظة فرضيات في حاجة على تأكيد أو نفي. وفي المقابل، هناك دعوات للتكيف مع الوضع الحالي.دعوات يصعب التجاوب معها نظرا لما تفرضه على الإنسانية من قيود عمل لعهود على كسر جزء يسير منها. الخطوات التي تُقدم عليها عدة دول في التخفف التدريجي من أسر إجراءات الحظر الصحي، تسير في هذا الاتجاه. فليس مقبولا اليوم أن نتحدث عنأخطاء تعود بنا إلى نقطة الصفر. بالنسبة إلينا، تم الإعلان في أكثر من مناسبة، أنه من المحتمل أن يتم إنهاء الحجر الصحي بشكل تدريجي. وأن جهات مسؤولة بصدد دراسة السيناريوهات الممكنة. لكن هذا لا يمنعنا من المشاركة في تتبع السيناريوهات التي نرى إمكانية تحققها. السيناريو السيئ هو أن يتم الالتزام بالتاريخ المعلن عنه لإنهاء حالة الطوارئ الصحية بشكل كلي. يضع هذا السيناريو حدالكل القيود الموضوعة على خروج الأشخاص ويتيح لهم إمكانية التحرك، كيفما شاءوا وأنَّا شاءوا. خطورة هذا الخيار تكمن في صعوبة التأكد من كون الفيروس قد اختفى بشكل كلي. دون أن ننسى أن هذا التاريخ يتزامن مع اليوم السادس والعشرين من شهر رمضان المبارك. تاريخ يعتبر عند المغاربة، ودول إسلامية أخرى، مصادفا ليلة القدر. مما قد يعني ذلك من توجه بكثرة نحو المساجد. إضافة إلى الزيارات العائلية. خلاصة القول، قد يضعنا الأمر أمام بؤر يصعب التحكم فيها. السيناريو الثاني: يتم السماح بمقتضاه بعودة تدريجية إلى الحياة العادية. وهو من بين الاحتمالات الأقرب للتحقق. اعتبارا للتوجه العام الدولي نحو هذا المنحى. إضافة إلى أحاديث سابقة لمسؤولين مغاربة يسير في اتجاه الرفع التدريجي للحظر الصحي. وفيما يخص المساجد. فإنه من المستبعد ان تكون جاهزة لاستقبال المصلين من أجل إحياء ليلة القدر إذا ما تم الالتزام بإنهاء الحظر الصحي على الساعة السادسة من مساء اليوم ذاته. وموازاة مع هذا السيناريو هناك آخر يكمله ويسير إلى جانبه، هو ذاك الذي يجعل إكمال مسار الرفع التدريجي للحظر الصحي يؤجل إلى ما بعد عيد الفطر. السيناريو الرابع، يسير في اتجاه تمديد حالة الطوارئ الصحية إلى ما بعد عيد الفطر. وهو سيناريو صعب نفسيا، اعتبارا لظروف العيد وما يرتبط به من تقاليد اجتماعية وطقوس صلاة العيد. لكنه يبقى هو الأكثر أمانا بحيث سيضمن عودة تدريجية للحياة العادية. كما انه سيعطي وقتا كافيا للفيروس لينسحب بهدوء. خاصة إذا ما تم الاحتفاظ ببعد الإجراءات المعمول بها في حالة الحظر الصحي. كوضع الكمامة، واحترام مسافة البعد الاجتماعي، وتقييد حركة النقل العمومي، والتحكم في عودة بعض المرافق كفضاءات التسوق والحمامات العمومية، والمؤسسات التعليمية، والوحدات الصناعية … خلاصة القول، ينبغي التكيف مع وضع جديد يجعل الحذر سيد الموقف. فالفيروس عاود ظهوره في مناطق اُعلن ان أهلها تعافوا من المرض.