وضع الحجر الصحي الناتج عن تفشي فيروس كورونا المستجد نظام التربية والتعليم ببلادنا أمام تحديات جمة بين مواصلة التعليم وضمان الجودة وتحقيق المساواة، وبين مختلف تلاميذ وطلاب الطبقات الاجتماعية، في ظل تعطيل المدارس والمعاهد والكليات والانتقال إلى نظام التعليم عن بعد أو ما يسمى بالتعليم الرقمي أو الإلكتروني. لكن نظام التربية والتعليم في زمن العزل الصحي أو المنزلي يطرح تساؤلات تكاد لا تنتهي في هذه المنظومة المركبة والمعقدة البنية، التي تتداخل فيها قيم التربية ومكونات التعليم مع الظروف المستجدة لهذا الفيروس الذي عزل الأستاذة عن التلاميذ والطلاب وما تفرضه هذه الظروف من تغيير آليات العمل التقليدية المعهودة في المدارس والمعاهد والكليات، وما ينجم عنها من تعطيل قسري، وضرورات الاستعانة بالتقنيات والوسائط التكنولوجية للتعليم عن بعد. إذن كيف نعلم وبماذا نقوم، إذ غالبا ما تكون المستجدات الاستثنائية والمصائب المداهمة كفيروس كورونا اللعين الذي فرض علينا العزل المنزلي فرصا ثمينة لإعادة التفكير في ممارساتنا السابقة، لا سيما في التربية والتعليم؟ قبل الإجابة عن هذه التساؤلات لابد من أن أنوه بالمجهودات الجبارة التي تبذلها وزارة التربية والتعليم العالي وتكوين الأطر، في ظل عدم جاهزية المؤسسات التعليمية بسبب عمق الفجوات بين الأساتذة والتلاميذ والطلاب، كمرحلة تجريبية من قبل الوزارة كإطار افتراضي لاحتواء التلاميذ والطلاب الافتراضيين مع تواصل حالة الطوارئ العامة. لكن سرعان ما تنكشف عورة منظومتنا التعليمية الافتراضية عن عمق الفجوة الرقمية بين الأساتذة والتلاميذ والطلاب من جهة، وبين الأهالي أو أولياء أمور التلاميذ والطلاب، إذ أن القرار بتفعيل نظام التعليم عن بعد، اتخذ بشكل فوري دون أي فترة انتقالية تحضيرية، ولا حتى على أساس تدريجي، وبدون فحص جدي للوضع من حيث جاهزية المدارس والمعاهد والكليات والأساتذة والتلاميذ والطلاب والعائلات، وبدون تحديد أهداف واضحة، وبلورة برامج ملائمة ومحددة وواقعية لهذه الفترة. هكذا نلاحظ أبناء العالم القروي محرومين من التعليم عن بعد لأن هذا الأخير لا تتوفر أدنى شروطه في البوادي والأرياف، بحيث شبكات التواصل الاجتماعي واليوتيوب غير متوفرين في كل القرى بسبب بعض المناطق التي تنعدم فيها شبكات التواصل الاجتماعي داخل البيت، خاصة إذا كان هذا الأخير مبني من التراب أو الطين ومغطى بالقصدير(بالقزدير) أو القصب والطين كل هاته الأبنية لا تدخل إليها الشبكة الخاصة بالإنترنت حتى وإن دخلت تكون ضعيفة أو شبه ميتة. إضافة إلى ذلك أيضا ليس كل القنوات الفضائية تشتغل في البوادي والأرياف، لأن هناك بعض القنوات الفضائية لا تشتغل إلا نادرا كالقناة الأمازيغية والقناة الثانية وقناة البحر الأبيض المتوسط m1tv في كثير من المناطق المغربية. ولذلك إذا أراد التلميذ متابعة دراسته عن بعد يتوجب عيله أن يغادر المنزل متوجها نحو بَهْوُ (النبح) المنزل أو قرب حضيرة الأبقار والأغنام بحثا عن الكونكسيو مثل” المهندس” الذي يبحث عن مكان تواجد الماء”. وفي هذا الصدد كيف للأستاذ الذي يقطن في البادية أن يدرس عن بعد وهو يسكن في بيت من تراب لا يسمح لشبكة الإنترنيت الدخول إليه. أما فيما يخص الحالة الاجتماعية للأسر بصفة عامة سواء في العالم الحضري أو في العالم القروي، نلاحظ أن أغلب العائلات خاصة في العالم القروي لا تتوفر على هواتف ذكية أغلبهم يتوفرون على هواتف صماء ذات اللون الأسود والأبيض من قبيل نوكيا بيل مثلا زيادة على ذلك أن معظم هذه الأسر زراعية ومداخلها محدودة، كيف لها أن توفر مصاريف الكونكسيو، ومن أين تأتيها التعبئة وهي تبعد عن المدينة أو الأسواق الأسبوعية بعشرات الآلاف الكيلومترات؟ وفي هذا الإطار نلاحظ أن التعليم عن بعد يفصل التربية عن التعليم بحيث تتولى وزارة التربية والتعليم بالتعليم أي التدريس، في حين تتولى الأسرة التربية، وفي هذا المضمار يطرح التساؤل التالي: هل الأسر المغربية قادرة على تعويض الجزء التربوي المنوط بالأستاذ داخل الفصل الدراسي؟ الجواب لا؛ بحيث يبدو لنا ونحن من الطبقة الاجتماعية الهشة نلامس التنشئة الاجتماعية للأسر المغربية سواء من حيث مناخ الدراسة داخل المنزل لأن هناك من يسكن في منزل بحجم خمسين مترا إن كبر ولديه طفلين فما فوق ناهيك عن المستوى الثقافي للأسر المغربية التي تم تجميد ثقافتها بالإعلام المستورد كمسلسل خلود وسامحيني (..). إضافة إلى هذه الإشكاليات البنيوية، هناك إشكالية أخرى لا تقل أهمية تتمثل في البيئة الرقمية المملوءة بالتفاهة التي تجذب انتباه المراهقين للتسلية والتجول في مختلف الصفحات التافهة الأمر الذي يفرض علينا تقنين وتحصين مواقع التواصل الاجتماعي واليوتيوب بأخلاقيات المجتمع عبر سن قوانين تنظم هذه الفضاءات الرقمية وتجعلها في مستوى قيم المجتمع المغربي والتعليم عن بعد من أجل بناء جيل قادر على قيادة الثورة الرقمية ببلادنا من خلال محتويات هادفة تتحكم في سلوكيات التلاميذ. لكن هذا لا ينقص من عمل الوزارة الوصية، نحن نعلم جيدا أن هذا النظام تم إرساءه في وقت قياسي و ذلك بمجهودات الأطقم التقنية والبيداغوجية التي تشتغل ليل نهار من أجل استمرار الدراسة و هي طريقة ممتازة، لكن ارتأينا أن نضع أمامها هذه الاكراهات التي تحد من مجهوداتها الجبارة. وحتى لا نكون من العدمين والذين يبخسون كل شيء نقترح على وزارتنا لتتجاوز هذه العقبات وتطوير التعليم عن بعد مايلي: 1) يجب على الوزارة أن تستعين بتقنين متخصصين في التصوير والمنطاج، أو الاستعانة بالمصورين، وأن تقوم مستقبلا بخلق مناصب شغل متخصصة في تصوير الإعلام التعليمي، وتطوير الموارد البشرية على التواصل الإعلامي وإدخال مادة الإعلام والتواصل في مختلف الشعب كمادة تقنية حتى يتغلب أستاذ الغد أو المستقبل على مواجهة الكاميرا . 2) يجب على الوزارة أيضا أن تقتني معدات التصوير المتطورة وأن تضعها رهن إشارة كل المؤسسات التعليمية. 3) يجب الاستعانة بقنوات اليوتيوب أو الفايسبوك وتلزم جميع الأساتذة بتأسيس قنواتهم التعليمية في اليوتيوب أو في الفايسبوك “كأقسام” وأن يخبر الأستاذ التلاميذ الذين يدرسهم بمتابعته في قناته عبر اليوتيوب أو الفايسبوك وفي أوقات محددة مثل أوقات الدراسة في فصول المدرسة، ويتم تسجيل حلقات الحصص من طرف فريق مكلف بالتصوير والمونتاج تابع للمؤسسة التي يدرس فيها الأستاذ. وكل 15 يوما يتم اختبار التلاميذ عن بعد حتى يتأكد من مراقبتهم هل يستوعبون الدروس عن بعد أم لا. 4) يجب تخصيص حيز زمني من زمن القنوات العمومية للتعليم عن بعد بالنسبة للتلاميذ وطلاب العالم القروي، وكل قناة تختص بشعبة أو شعبتين حتى يسهل على التلاميذ متابعة الدراسة ويتم الإعلان عن الاستعمال الزمني في كل القنوات والتذكير به “كالنشرة الجوية”، فعلى سبيل المثال تختص القناة الأولى بالتعليم الابتدائي والقناة الثانية بالتعليم الإعدادي والقناة الرابعة بالسلك الثانوي. أما القناة الأمازيغية يجب أن تختص بدروس الدعم والتقويم في مختلف المستويات لأن تكديس كل الشعب في قناة واحدة غير مجد. 5) يجب على وزارة التربية والتعليم أن تمنح طلبة التعليم العالي اللوحات الإلكترونية لمواصلة التعليم عن بعد. 6) يجب على وزارة التربية والتعليم التواصل مع وزارة الإعلام والاتصال حالا من أجل حل مشكل انقطاع الإنترنت وعدم انتظامه، خاصة مع الضغط الشديد خلال هذه الأيام، من أجل توفير “إنترنت” عالي السرعة مع ضمان عدم انقطاعه، حتى يتسنى للأساتذة مواصلة عمله في مناخ عمل يتميز بالأرياحية مع التلاميذ والطلاب، وخاصة الطلاب الذين يذاكرون المناهج ويكتبون الأبحاث. * باحث في سلك الدكتوراه بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الحسن الثاني بالدار البيضاء عين شق تخصص قانون الأنشطة الاقتصادية