لا شك أنه منعطف حساس وخاص للغاية، هذا الذي نعيشه في هذا الظرف المليء بالغموض، لكن المشحون بمشاعر التركيز والتأمل والتفكير والاجتهاد في الاختيار بين الصحيح والأصح، وبين الصواب والأصوب. ولا شك أن هذا الذي حل بالبشرية منذ أكثر من أربعة شهور، يتطلب إلى جانب ما ذكر، كثيراً من الالتزام بالمبادئ الأساسية للقيم الحية، والتي باتت أكثر التصاقاً وملازمة للإنسان حيثما كان حتى يتيسر العبور بأمان إلى بر الأمان، ويتجلى مكمن القيم الحية هذه فيما يمكن نعته بمسالك الإخاء/ أو شعب الإخاء والتي تتضح أساساً في المؤسسات المتصلة بالإنسان وأمنه الصحي (…) آنيا ومستقبليا اتصالا متواصلا غير منقطع. ولقد تجلى التمسك بالحياة والدفاع إلى حد التضحية من أجل الحياة في عناصر ومؤسسات بعينها على مدى اليوم والليلة حتى أضحى معيشهم لا ينفصل عن واجبهم في التوعية والحرص والمواكبة والإنقاذ. فبعد الطاعون الذي قيل أنه انتشر سنة 1720، وسمي طاعون مارسيليا العظيم، إذ تشير الأرقام إلى أن أكبر عدد ضحاياه وقع في مدينة مارسيليا حين قتل الوباء أكثر من مائة ألف شخص، حدث أيضا أن انتشرت الإنفلوانزا الإسبانية عام 1918، والتي أصابت أكثر من خمسمائة مليون شخص فَقَدَ ما يقارب مائة مليون منهم حياتهم في جميع بقاع العالم، وكانت تلك الجائحة أكثر كارثية في التاريخ ! كما أن وباء الكوليرا الذي ظهر أول ما ظهر في بلدان شرق آسيا (التايلاند، الفليبين، أندونيسيا) لينتقل بعدها إلى دول أخرى ويسجل عام 1820 أكثر من مائة ألف حالة في القارة الآسيوية وحدها، وقد ورد أن الكوليرا بدأت من أشخاص شربوا ماء ملوثاً. هكذا إذن يتضح أن مهام المؤسسات التي يتعلق بها الإنسان أكثر من أجل الحياة ومن أجل الخلاص من زحف الموت الأسود المدمر والغامض المفتك بالبشرية هي التي لها في الواقع معاني دالة ومعاني أكثر وضوحا متصلة حقيقة بالعلم الصحيح وبتوازن الكون، والذي ينبغي للمرء تقدير انضباط مبادئها ومرجعياتها وسمو أنظمتها. والحقيقة أنه كثيرا ما راودني الاستفهام المشروع، ألم يحن الأوان لتأسيس حكومة طوارئ ببلادنا ؟ خصوصا وأن المغرب كانت له قرارات استباقية غاية في الأهمية، حتى أنه ضحى بكثير من الأولويات – إن جاز القول – لمحاصرة جائحة كورونا المستجد/ (COVID-19)، أو لنقل حاصر الجُلَّ لِيَحْفَظَ الكُلَّ. بيد أن بعض القرارات يبدو أنها لم تكن وجيهة تماما، بل جانبت الصواب إلى حد بعيد، ومنها بخاصة قرار تجميد أو تأخير صرف ترقيات الموظفين المستحقة (منهم البؤساء، وذوي الحاجة، والمرض، والمدينون…)، وهنا أستحضر ماورد عن الجاحظ في البخلاء: “من لم يجد مواقع السرف في الموجود الرخيص، لم يجد مواقع الاقتصاد في الممتنع الغالي”، وانطلاقا من مثل هذه الحكمة الصميمية يبدو أن تعيين حكومة طوارئ مؤسسة من الوزارات التي تشكل “مسالك أو شعب الإخاء” في التعبئة، والإنتاج، والتوعية الصحيحة، والمواكبة، والأمن، والإنقاذ، والدفاع، والتخطيط المحكم، ومكونة من شخصيات وأشخاص تتوفر فيهم شروط الكفاءة والنزاهة والحيوية والجرأة والقدرة على العطاء وقلة الكلام، في مقابل إلغاء المؤسسات الثانوية والريعية، وسيكون تأييدها بالمساندة والدعم والتشجيع والطاعة هي الوطنية بلا ريب. فأمام هذا الواقع وهذا الحال، ألا تكفينا اثنتا عشرة وزارة ؟ لقد جاء عن ابن رشد أن الطبيب الفاضل هو فيلسوف ضرورة، والفلسفة المقصودة هي معرفة الحق (فيما هو طبيعي)، وقياسا على هذا، وبالنظر لخصوصية الظرفية الراهنة، – والحق أنه حتى خارج حساسيتها البالغة – فإن رجل الأمن فارس ضرورة، والممرض والممرضة هو و هي سراج ضرورة، وعامل النظافة مربي ضرورة (…)، والجندي على الحدود واعظ، وأسد ضرورة…