فيها خير لأنها: أعادت البشرية كلها إلى إنسانيتها وتذكرت خالقها وعبادة الله الواحد القهار، فيها خير لأنها: دفعت الناس إلى الدعاء والتضرع والاستغفار وترك المعاصي والمنكرات، فيها خير لأنها: كانت سببا في غلق جميع الحانات والملاهي والكباريهات ونوادي المجون والرقص والقمار ودور الدعارة والبغاء، فيها خير لأنها: جمعت العائلات في بيوتها بعد طول تفرق وفراق، فيها خير لأنها: أوقفت نفاق القبل والتقبيل بين الجنسين والجنس الواحد، فيها خير لأنها: دفعت وزارات ومديريات الصحة العربية إلى حظر تدخين الشيشة وإغلاق محلاتها، فيها خير لأنها: عرفت رؤساء الدول ووزرائها معنى الحجر والحجز وتقييد الحرية، فيها خير لأنها: أذلت المتجبرين وأظهرتهم بمظهر المتسول الوضيع، فيها خير لأنها: ساوت بين الفقير والغني بالإصابة بهذا الفيروس، فيها خير لأنها: أظهرت لكل من طغى وتجبر أنه لن يخرق الأرض ويبلغ الجبال طولا، فيها خير لأنها: قللت من سموم المصانع التي لوثت أجواء الأرض وقتلت الغابات والبحار وأذابت الجليد وغيرت المناخ وثقبت طبقة الأوزون في سمائها وأماتت الأحياء حول الكرة الأرضية، فيها خير لأنها: أرغمت كبار المسؤولين في دولهم على إعادة النظر بأوضاع السجناء والمعتقلين وبأحوال السجون وأهمية تعقيمها، فيها خير لأنها: دفعت قيادات كبرى في بلدانها على تقليل اجتماعاتها ومؤتمراتها وتجمعاتها وأكاذيبها، فيها خير لأنها: حدت من مظاهر الشرك بالله وبدع الاستعانة بخلقه وضلالات التبرك بمخلوقاته من دونه سبحانه وصار الكل يدعوا الله وحده من دون شريك بين يديه، فيها خير لأنها: أظهرت للبشرية جمعاء أن جندي صغير حقير من جند الله أرسل إليهم نذيرا، فيها خير لأنها: استنفرت الدول العظمى لمحاربتها، بينما سجنتهم في الحجر الصحي، وأوقفت أعمالهم، وقلوبهم يملأها الرعب، فيها خير لأنها: ليست مرضا للأجساد، بقدر ما هي علاج ودواء للقلوب الغافلة المبتعدة عن الله، فيها خير لأنها: زادت المؤمنين إيمانا وتعلقا بربهم، كما أنذرت من تعلقت قلوبهم بالدنيا وأوقعها في المعاصي والفجور والغفلة، تعلقا صدها عن طاعة الله وذكره، فيها خير لأنها: أوضحت للناس بعد توقيف أعمالهم، أن الدنيا لا قيمة لها، ومن يخشى الموت بسببها، فهو قادم ولو تحصنوا في بروج مشيدة، فيها خير لأنها: سوط تأديب شهره الله على عباده كي لا ينشغلوا بأمور الدنيا، ولكن ينشغلوا بمن بيده الأمر وإليه يصير الأمر فهو الذي يدبر الأمر، فيها خير لأنها: سترحل عنا حين يأذن من أرسلها إلينا، فيجب أن لا نكون ممن ذكرهم الحق سبحانه: (وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ) ونستدل على ذلك بما روي بحكاية “فيها خير” التي تبتدئ ب: كان حتى كان، حتى كان الله في كل مكان، حتى كان الحبق والسوسان في حجر النبي العدنان. أنه في قديم الزمان وسالف العصر والأوان. كان صديقان منذ طفولتهما لا يفترقان إلا وقت النوم، ومرت الأيام وأصبح أحدهما أميرا، فتوطدت علاقتهما أكثر من ذي قبل، وأصبح الأمير يعتمد على صديقه في كل كبيرة وصغيرة فعينه مستشارا له. فكان المستشار كلما استشاره الأمير في أي قضية كيفما كان نوعها يكون جوابه “فيها خير”. وبقيا على هذا الحال حتى أحد الأيام خرج الأمير للصيد رفقة حاشيته ومستشاره الذي لا يفارقه أبدا. فرأى الأمير طريدة وصوب عليها بسلاحه وإذا به يصيب أصبعه وطار نصفه، بقي يتألم والدم ينزف من يده فنادى على مستشاره وقال له: أرأيت ماذا أصابني. أجابه المستشار كعادته: “فيها خير”. فانتفض الأمير من شدة الغضب وقال له: أنت ترى نصف أصبعي بتر ودمي ينزف وتقول لي: “فيها خير”. فأمر جنوده بأن يذهبوا به للسجن على جوابه هذا. فرد عليه مستشاره إذا أمرت بسجني ف “فيها خير”. مرت شهور وتعافى الأمير من ألمه وأمر جنوده وحاشيته كي يذهبوا للصيد مرة ثانية. وبينما هم في إحدى الغابات رأى الأمير طريدة وبقي يجري وراءها حتى افترق عن جنوده وحاشيته، ووجد نفسه بين قوم ليس من قومه ولا من بلده، بل هم قوم من آكلات لحوم البشر فأمسكوا به وذهبوا به ليقدموه إلى حاكمهم كي يأكله، فوضعوه على الأرض وجاء خبيرهم ليتفحصه، وبينما هو يتفحصه رأى أحد أصابعه ناقصة فقال لهم: هذا الرجل ناقص من أحد أطرافه ولا يصلح للأكل هيا اخلوا سبيله. فأطلقوا سراحه وامتطى جواده وذهب إلى بلدته. وهو راجع لبلده، تذكر مقولة صديقه ومستشاره الذي كان دائما يقول له: “فيها خير”. فأمر الحراس بأن يأتوه بمستشاره من السجن، ولما جاءوا به طلب منه السماح على ما فعله به، ثم حكى له قصته مع قوم آكلات لحوم البشر وقال له: لما قطع أصبعي وقلت لي “فيها خير” ها أنا قد عرفتها الآن لكن لما أمرت حراسي أن يذهبوا بك إلى السجن لماذا قلت: “فيها خير”. فأجابه مستشاره: أنه بحكم صداقتي وحبي لك أنني لا أفارقك من هنا إلى هناك وفي هذه الحالة كنت لا أفارقك وقت اصطيادك وبالتالي سأمسك أنا وأنت من قبل تلك القوم، ولما يجدوك ناقص ومقطوع الأصبع سيأكلونني، وهنا تتجلى حكمة كلمة “فيها خير”. * رئيس المركز المغربي لحفظ ذاكرة البرلمان جاري النشر… شكرا على التعليق, سيتم النشر بعد المراجعة خطأ في إرسال التعليق المرجو إعادة المحاولة