هل ينفع الدعاء في مواجهة الوباء؟! أم هل يرد الدعاء القضاء؟! عالج المفكر العالمي الدكتور خالص جلبي في عدد من كتاباته هذه القضية الشائكة، ومنها حديثه عما أسماه ب”ميكانيكا الدعاء”، ولاريب أنه قد اقتبس هذا العنوان من قراءاته الغنية لكتابات العلماء والمفكرين من مختلف التخصصات والتوجهات، ولعل أقرب ما يكون إلى هذا العنوان هو كتاب أبي حامد الغزالي الموسوم ب “كيمياء السعادة”. أما استحضار الدعاء في هذا الوقت بالذات، فيرجع إلى لجوء المسلمين إلى الله كي يقيهم شر هذا الوباء الجديد؛ وهي حالة تعبر عن العجز، وقلة الحيلة في مواجهة خطر داهم، أكثر مما تعبر عن إيمان راسخ أو تقوى للبارئ سبحانه؛ وذلك بدليل الواقع المعيش الذي يبتعد عن مبادئ المشرع في البيع والشراء والقرض، وغيرها من المجالات التي يختبر بها صدق المرء، وينكشف فيها زيف الدعاوى… لقد افتتح الله تعالى نزول القرآن العظيم بالأمر بالقراءة باسم الرب الأكرم؛ والقراءة تدل على معاني الجمع والربط والضم، ومن ثم فإن أمر الدعاء لا يمكن فهمه من غير إحاطة به خبرا؛ ولعل أهم ما يتضمنه اسم الدعاء، طلب الشيء، ومعلوم أن الله تعالى قد جعل الكون قائما على نواميس وسنن ثابتة لا تتغير ولا تتبدل “فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا”(فاطر:43). وبناء عليه فإن الدعاء بالصورة التي يمارسها معظم المسلمين اليوم لا يمكن عده إلا لغوا؛ ببساطة لأنه يخالف خلق الله القائم على السننية والذي يناقض العبثية والعشوائية والخوارقية، “صنع الله الذي أتقن كل شيء” (النمل:88). (الذي أحسن كل شيء خلقه) السجدة:7. والمتتبع يشعر بالحزن وهو يرى انحراف القيم الدينية والمبادئ الشرعية التي جاءت لتوجه فكر الإنسان المؤمن بها وعمله نحو الأفضل، فإذا بها تتحول إلى نوع من التراتيل التي تضر ولا تنفع، حيث يعفي الناس أنفسهم عناء إيجاد الحلول للمشاكل التي يواجهونها، لأن الله – في تصورهم- قد تكفل بها. وعلى الرغم من أن الله يؤكد على أن العمل إنما هو عمل الناس، وأن تدخله لا يأت إلا ثانيا بعد قيام الناس بما كلفوا به “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”(الرعد:11)، إلا أن الناس يصرون على تقديم استقالتهم من وظيفة لن يقوم بها غيرهم، ويحاولون بكل ما أوتوا من قوة التنصل من مسؤوليتهم والرمي بها إلى عالم الغيب كي يريحوا ضمائرهم من عناء التفكير في معاناتهم؛ لأن تلك مشيئة الله –فيه فهمهم-؛ وبالتالي ما عليهم سوى الرضى بقضاء الله وقدره. مؤسف جدا أن يتحول الدين الذي جاء ب: إقرأ، وبالتعليم بالقلم، وبالتفكير والعمل…إلى مجرد ترانيم وطقوس هي أبعد ما تكون عن الروح الذي وصف الله به القرآن، والذي من صفته أنه يحول الطين إلى بشر في أحسن تقويم، ويجعل من التراب الملقى في الأرض إنسانا يبدع أسمى المعاني ويكتشف سنن الله في الكون، ويخترع أعقد الاختراعات. لقد وعد الله أن يظهر حكمته في الخلق، بتزكية هذا الإنسان من الإفساد في الأرض إلى الإصلاح فيها، وذلك حينما يمسك بسنن الله في الخلق، ويسير وفق نواميس الكون، ولا يصم آذانه عن سماع الحقائق الربانية التي تحابي أحدا، ولا يغمض أعينه عن النظر في الكون تدبرا وفهما واستنتاجا، ولا يتكبر على آيات الله الكونية بدعوى قربه من الله وعدم حاجته إليها لكونه يعرف مكونها… ويسألونك متى هو؟ قل عسى أن يكون قريبا. جاري النشر… شكرا على التعليق, سيتم النشر بعد المراجعة خطأ في إرسال التعليق المرجو إعادة المحاولة