على بعد أربعة أسابيع فقط عن انقضاء فصل الشتاء و حلول فصل الربيع أتساءل هل مازال أحد في المغرب يشك في أن نظامنا البيئي قد تم تدميره بالكامل، أو على الأقل في طريقه إلى أن يصبح كذلك. غالبا ما كانت تتأتي بعض التساقطات، و لو بشكل متأخر و بعد طول انتظار، فَتُنْسي المواطن وجعَ الأرض و المناخ.. فيسلم فصل الربيع السريع المواطن لفصل الصيف الطويل ببحره و رماله و صدفياته… ! ورغم أن التصحر أصبح يكتسح جل أطراف المدن المغربية، و يسري على أراضيها كما تسري الرياح بالنار المشتعلة بتلابيب حقول القمح، مع ما يُصاحب ذلك من تهجير للسكان و تهديد للأمن الغذائي للمواطنين و تشويه للتنوع البيولوجي و اختلال للتوازن الإيكولوجي للبلد.. ، إلا أنه لا أحد في المغرب يريد أن يعترف بحجم الكارثة التي تتربص به و بسكانه و سائر المخلوقات التي قُدّرَ لها أن تتواجد فيه.. وحتى لا أكتفي بتوصيف الحال الذي يختار المعنيون به أن يدسوا رؤوسهم في الرمال على أن يدقوا ناقوس خطره أو يواجهوه، سأركز في تبيان أسباب هذه الظاهرة، التي تتبادل التأثير و التأثر بالإحتباس الحراري الذي أصبح يحكم قبضته على المغرب بشكل مُطَّرد و مخيف، على سياسة التعمير بالبلد. أُرْجع شخصيا أسباب هذه الظاهرة الفتاكة إلى سياسة التعمير ( وهي سياسة/ ميدان يعُجُّ بظواهر الفساد التي لا تختلف كثيرا عن عالم بارونات المخدرات و محترفي الإتجار الدولى في البشر و الممنوعات) التي تنهجها الدولة عبر الذين أوكلت إليهم المراقبة و تطبيق قانون التعمير/ البناء، من جهة، و المنعشين العقاريين، من جهة ثانية. طبعاً رؤساء الجماعات الترابية لهم أيضاً اليدٌ الطولى في هذا الأمر، مادام لا يمكن أن يتم خدش أي شبر من التراب دون علمهم. (( هؤلاء بالمناسبة تقدموا ذات يوم للانتخابات، لو زلتم تتذكرون، لكي يأتوا بالحق و يزهقوا الباطل و يشيدوا التنمية و يوزعوا العدالة!)). لقد فات الآوان لاستدراك الأمر… لقد تحولت جل سهول المغرب، التي تعتبر الخزان الأول للفرشة المائية، و لسلة قوت ساكنه، إلى مدن و أحياء بلا روح. لا يحتاج أحد منا أن يُذَكّرهُ آخرون بكيف كانت سهول سايس المحيطة بمدينة فاس قبل عقدين من الزمن، و السهول المحيط بالدار البيضاء و برشيد و سطات و أكادير و طنجة و جرسيف… في الوقت الذي كان يمكن فيه تشييد الأحياء الجديدة فوق الأراضي الصخرية أو الغير الصالحة للزراعة و ربطها بالمدن الأم عبر وسائل النقل (كالقطارات و قطارات الأنفاق). ليس هذا فحسب، بل هناك غياب الإحساس بالأرض لدى المواطن بشكل كُلّي: إذ بالإضافة إلى المساحة التي يغطيها المنزل (والتي تعني موت الموقع و للأبد)، يعمل المشيد لمسكنه على تبليط جوانب المنزل على مساحة متر إلى مترين؛ و هي غالبا ما تكون المسافة التي تفصل المنزل عن الشارع أو الزنقة المكسوة بالإسفلت. و هكذا، و في غياب الحدائق و المناطق الخضراء (التشجير) و المتنفسات الفاصلة بين المنازل أو المُرَكّبات السكنية، نكون أمام مساحات بآلاف الكيلومترات المربعة المُغْلَقة بالكامل بالحديد و الإسمنت. حتى و لو شهدت الحواضر بعض التساقطات فإن مياهها تعود أدراجها إلى البحر ، خائبة ملوثة و منكسرة، عبر قنوات الصرف الصحي دون أن يتسرب منها و لو ميليمترات معدودة إلى جوف الأرض. وفي ظل الحديث عن التنمية المستدامة و المدن الذكية، و جلب المستثمرين، و تقدم التصنيف..، أتساءل هل هناك أمل في التقدم و الرخاء في محيط أصبح مهددا بالجفاف و التصحر؟ نعم هناك من الدول من تنهج سياسات خضراء ذكية في كل سياساتها.. وعندما يتعلق الأمر بالعمران و تشييد السكن، فإن غرس (بناء) البيت يصبح كغرس الشجرة، بحيث تكون هناك مساحة معتبرة بجوار كل بيت عبارة عن حدائق بتراب خصب تستفيد من تساقطات الأمطار و الثلوج على مدار الأزمنة و العقود !! وختام الكلام قولي “اللهم اشهد أني قد بلَّغتُ”… جاري النشر… شكرا على التعليق, سيتم النشر بعد المراجعة خطأ في إرسال التعليق المرجو إعادة المحاولة