لاشك أن الرواية والتدوين، واقترانا بجمالية الخط العربي قد شكلوا جميعا لبنة معرفية تهدف إلى الحفاظ على الشعر العربي،1 لينتقل إلى الكتب النقدية ككتب التصحيف والتحريف والتنبيه،2 والتي لعب الخط العربي فيها دورا رياديا من حيث التقويم وإثبات جمالية الدلالة والتوثيق الجمالي الأصوب. ويمكن :” اعتبار القرن الثاني الهجري لحظة متميزة في سيرورة الحوار بين الشفوي والكتابي، ففي هذا القرن نشطت حركة الكتابة، الكتابة الديوانية وكتابة النثر الأدبي الفني مع عبد الحميد وابن المقفع وغيرهما.”3 فقد أقدم مجموعة من العلماء والكتاب على تدوين اللغة والشعر:” وقد كان أول من جمع أشعار العرب وساق أحاديثها حماد الراوية.”4 ومنهم:أبو عمرو بن العلاء(ت154ه) الذي :” كان يملك ثروة هائلة من المخطوطات التي خطها بنفسه وقد ملأت بيتا له يقرب من السقف.”5 وقد:” كانت كتبه التي كتب عن العرب الفصحاء قد ملأت بيتا له إلى قريب من السقف.”6 ومنهم:” أبا عمرو الشيباني (ت213 ه) كان مولعا بتدوين اللغة والشعر حتى تجمعت له من ذلك ثروة هائلة من المدونات.”7 فقد قال عنه ابنه عمرو الذي تكنى به :” ولما جمع أبي أشعار العرب كانت نيفا وثمانين قبيلة، فكان كلما عمل منها قبيلة وأخرجها إلى الناس كتب مصحفا وجعله في مسجد الكوفة حتى كتب نيفا وثمانين مصحفا بخطه.”8 ولقد كان طبيعيا في ظل الكم الهائل من المؤلفات أن:” يرتبط تدوين الشعر في هذا القرن بسلسلة من القضايا والظواهر.”9 ومن بينها:” أن المدونين كانوا يزاوجون في تجميع مادة مدوناتهم بين الرواية الشفوية والنقل عن المدونات القديمة10 التي وصلت إلى القرن الثاني الهجري، وإذا كان الأول قد أنتج قضية نحل الشعر فإن الثاني قد طرح قضية (التصحيف)”11 فالصحف القديمة، ولعدة عوامل12 غالبا ما كانت توقع الكاتب13 أو المدون:” في إشكال القراءة الصحيحة، إما لبلابها أو لبداية تلاشي حروفها أو لخلوها14من الإعجام.”15 وحتى:” بعد استعمال التنقيط والإعجام لم يتوقف التصحيف “16 لأنهم:” إذا أغفلوا الاستقصاء في تنقيط الكلمة وإعجامها وقع التصحيف “17 مما يفقد الشعر قيمته العلمية والأدبية، يقول ابن سلام الجمحي :” فلو كان الشعر مثل ما وضع لابن إسحاق ومثل ماروى الصحفيون18 ما كانت إليه حاجة ولا فيه دليل على علم.”19 لذلك نص الأقدمون على تصحيح النصوص ونظروا إلى أهمية اللغة والخط :” من خلال الإلحاح على المقابلة بين النسخ والحرص على الضبط.”20 وهو ما لم يكن بالأمر اليسير، فقد:” كان تقويم ما صحف منها من أعسر الأمور.”21 لأن قراءة النص تطلبت أن تكون ” على الوجه الذي أراده عليه المؤلف أو على وجه يقرب من أصله الذي كتب به هذا المؤلف.”22 وقد شكلت عمليات التقويم الخطية دورا حاسما في تصحيح مختلف التصحيفات والتحريفات التي شابت الكتابات العربية عموما سواء في الشعر أو في مختلف الأجناس الأدبية. ومن نماذج التصحيف: قال ابن قتيبة:” قرئ يوما على الأصمعي في شعر أبي ذؤيب : 1* بأسفل ذات الدير أفرد جحشها23 فقال أعرابي حضر المجلس للقارئ، ضل ضلالك أيها القارئ، إنما هي في ذات الدبر وهي ثنية عندنا فأخذ الأصمعي بذلك فيما بعد”24 “ومن ذا يأخذ من شعر المعذل بن عبد الله في وصف الفرس: 2* من السح جوالا كأن غلامه *** يضرف سبدا في العنان عمردا25 إلا قرأه سيدا، قد شبه الفرس بالذئب وليست الرواية المسموعة عنهم إلا سبدا قال أبو عبيدة: المصحفون لهذا الحرف كثير يروونه سيدا أي ذئبا وإنما هو سبد بالباء معجمة بواحدة. يقال فلات سبد أسباد أي داهية دواه.”26 والأمثلة في التراث العربي كثيرة حيث لعب الخط العربي دورا في تقويم هذه الظاهرة التي التبست بالنثر والشعر فكان للتوثيق الخطي حظوة جمالية في التقويم والتصويب وإثبات الدلالة. جاري النشر… شكرا على التعليق, سيتم النشر بعد المراجعة خطأ في إرسال التعليق المرجو إعادة المحاولة