شاعت مؤخرا ظواهر غريبة ساهمت في انتشارها الفوضى التي يتيحها فضاء الأنترنت لمستعمليه من خلال وسائط التواصل الاجتماعي وقنوات اليوتوب في نشر ثقافة غير صحية بل وقد تكون خطيرة في بعض الأحيان, من خلال الكثير من الذين يدعون المعرفة والخبرة في كل شيء تقريبا ومنهم من يعرف ويعي جيدا انه يكذب كما يتنفس على العموم ومنهم من هو غارق في وهم المعرفة ومصيبة هذا الأخير أفدح وأعظم. ونظرا لمسؤولياتي كرئيس لجمعية وطنية متدخلة في مجال الصحة النفسية واعتبارا للالتزامات التي أشعر بها أمام الوطن والمواطن, فقد قررت التوجه الى الاخوة والأخوات من أبناء الشعب المغربي من خلال هذا المنبر الالكتروني المتميز لتحذيرهم من بعض الدجالين ومدعي المعرفة أوالخبرة في تخصصات مختلفة لأنهم ينشرون أفكارا ومعلومات مغلوطة في الغالب على اعتبار أنها غير مبنية على أي أساس علمي تجريبي في اطار مايسمى “بالكوتشينغ” أو “التدريب المهني” بسبب قصورهم المعرفي ومحدودية تجاربهم بالرغم من تمكنهم أحيانا من تسويق صورة ايجابية جدا عن أنفسهم عبر التظاهر بشيء من الكاريزما المزيفة التي قد ينجحون من خلالها في السيطرة على عقول البسطاء من عامة الناس ونيل اعجابهم. سأتناول في هذه المقالة نموذج العلاج النفسي والاستشارات السيكولوجية كمثال لأنني لاحظت أن بعض المتطفلين على هذا الميدان (وهم ليسوا برهط قليل) يروجون أحيانا لمفاهيم تدخل فيما يعرف بالعلوم الزائفة (pseudo-science) على أنها حقائق مؤكدة, ومصادرهم في الغالب غير أكاديمية, فهل يمكن لصاحب عقل سليم أن يصدق مثلا أن أحد “المدربين المهنيين” أو “الكوتش” باستطاعته تنظيم ورشات للتكوين في تخصص احتار فيه العباقرة من الخبراء الدوليين في حقول العلوم الاجتماعية ولايزال موضوعا للبحث والتمحيص لأن فيه ماهو مختلف عليه أكثر من ماهو متفق عليه, يستعرض فيها المؤطر بعض المعارف والمعلومات الغير نافعة التي قد تؤدي بمن يصدقها الى مستوى “التدمير الذاتي” وليس “التطوير الذاتي” ويمنح في نهاية الورشة التكوينية التي تستغرق في الغالب أياما معدودة شهادة لاقيمة لها من الجانبين القانوني والمهني, ثم ينصح المرتفقين بدورهم بإيهام الناس بأنهم تمكنوا من بلوغ المعارف والخبرات التي تجعل منهم بدورهم “كوتش مهني محترف” أو حتى متخصص في السيكولوجيا والعلاج النفسي, ويخبرهم بأنه أصبح بامكانهم أيضا فتح مكاتب للاستشارات وتنظيم ورشات تكوين في المدن التي يقيمون فيها ! وباعتبار أنني أفضل من الكلام ماقل ودل فلن أطيل على القراء الأعزاء في سرد المزيد من التفاصيل التي لا حصر لها والمتعلقة بهذه المعضلة, وسأكتفي بالتوصية بالتحلي بما يكفي من مناعة الفكرالنقدي باعتبارها تشكل حصنا فكريا يحمينا من التلاعب بعقولنا ومن الوقوع في بعض السلوكات الغير سوية كنتيجة للتسليم لما ينطق به بعض ضحايا وهم المعرفة من هرطقات. عند الحاجة لمتابعة العلاج النفسي أو أي نوع من الاستشارات السيكولوجية, ينبغي اللجوء الى طبيب متخصص في الأمراض العقلية أو معالج نفساني يحمل شهادة ماجستر في علم النفس على الأقل من جامعة معتمدة من طرف الدولة لأن هؤلاء من المفروض أن عندهم مايكفي من كفاءة لتشخيص نوع الاضطراب النفسي وبالتالي اقتراح العلاج الذي قد يكون ملائما لكل حالة بما في ذلك العلاج السلوكي المعرفي ويرمزله اختصارا TCC thérapies comportementales et cognitives)) بالاضافة الى بعض المقاربات العلاجية التكميلية الأخرى التي تتم تحت اشرافهم (في اطار قانوني) باعتبار أهليتهم للمشاركة في التكوين المستمر الذي يمكنهم من تحسين الكفاءة المطلوبة للتعامل مع بعض الحالات الصعبة حتى نحول دون الوصول الى نتائج غير مرغوب فيها بسبب الدخلاء على الميدان ولكي نتجنب اهدار الوقت والمال.