على امتداد التاريخ البشري ،كانت للحرية قيمة عظمى في حياة الأفراد و الجماعات ، و قد كان الإنسان و لا يزال ينظر إليها كمطلب أساسي لارتباطها بالنشاط الإنساني ارتباطا وثيقا ،إذ أن النظم الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية لأي مجتمع من المجتمعات هي نتيجة حتمية للتفاعل بين العوامل المرتبطة بالبيئة و الحضارة ، فالنضال من اجل الحرية كان و لا يزال قائما بين الأفراد و الجماعات ضد أوساطهم السياسية ، باعتبار الحرية هي تلك الملكة الخاصة التي تميز الكائن الناطق من حيث هو موجود1 . إن التأصيل التاريخي للحق و الحرية ، يعود بالأساس إلى نظرية العقد الاجتماعي لجون جاك روسو ، و الذي حدد من خلالها العلاقة بين الدولة و المواطن، مكسرا بدلك الحالة الطبيعية التي كانت تؤدي دوما إلى حالة الفوضى و سيادة قانون الأقوى 2 . إن مبدأ دولة الحق و القانون لا يتجسد دون إفراز لآليات دستورية و قانونية تعزز الحقوق و الحريات و تضمن التعايش بين السلطة و الحرية 3 ، حيث يمثل الحق في الحصول على المعلومة حيزا مهما و أساسيا داخل منظومة الحقوق والحريات . ومن خلال ما تم التطرق إليه، وبالنظر إلى أهمية الموضوع سنتناول الإطار الدستوري للحق في الحصول على المعلومة)المحور الأول (فيما سنخصص المحور الثاني لقراءة في القانون رقم 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومة. المحور الأول : الاطار الدستوري للحق في الحصول على المعلومة لقد أصبح الاعتراف الدستوري لحق المواطنين في المعلومة في الوقت الراهن من المسلمات بفضل جنوح غالبية دول العالم نحو تكريس مبادئ حقوق الإنسان من حرية والرأي التعبير، وكذلك من أجرأة الديمقراطية والشفافية. ونتيجة المطالب المتزايدة والنقاش الواسع حول بعض المفاهيم والمصطلحات الجديدة التي عرفها المغرب في الآونة الأخيرة كمضامين الشفافية والحكامة الجيدة والمفهوم الجديد للسلطة، وفي ظل التردد التشريعي المستمر في إقرار حق المعلومة كحق واضح المعالم للمواطنين،جاء دستور 2011 ليقر بوضوح و جلاء تام على هذا الحق في الفصل السابع والعشرين منه ) الفصل( 27 ويضع اللبنة الأساسية لوضع قانون لهذا الحق) أولا(،إلى جانب ذلك يمكن أن نستشف هذا الحق من خلال مجموعة فصول من الدستور التي تصب في ضرورة حق الجمهور للوصول إلى المعلومات ) ثانيا(. أولا :الضمانة الدستورية لحق المعلومة من خلال الفصل27 إن أهمية إقرار حق المعلومة دستوريا يأتي في سياق الاختيار الديمقراطي الذي اعتمده المغرب، في سياق تكريس احترام حقوق الإنسان والحريات الفردية والعامة التي ما فتئت المملكة المغربية تؤكد التزامها باحترامها كما هي متعارف عليها عالميا، و هوما من شأنه أن يكرس مبدأ الشفافية، ويضع قطيعة مع زمن السرية والكتمان وحجب المعلومات على المواطنين. كما أنه غالبا ما تتدارك الدول النقائص المسجلة عليها في دساتيرها لحظة تعديلها، مستفيدة من تجارب الماضي وتجارب الآخرين، وهو النهج الذي اتخذه المغرب حينما أقر في دستوره لسنة 2011 حرية التعبير والحق في الحصول على المعلومات بشكل صريح، كما أنه أخرج قانونا يتعلق بهذا الحق وذلك من أجل أجرأة وتنزيل الدستور في هذا المجال، وكذلك نص على هذا الحق في مجموعة من القوانين الخاصة. أصبحت قضية المعلومات حقا إنسانيا دستوريا، يعبر عن مستوى التقدم والحضارة التي ارتقت إليها المجتمعات، ومدى احترامها لعقلية الفرد وتبني الديمقراطية بما يسمح بالمشاركة في الأدوار وتحمل المسؤولية اتجاه نفسه واتجاه مجتمعه وقضاياه المختلفة 4. إذ يعتبر الدستور السند القانوني الأساسي إلى جانب المصادر الدولية والإقليمية لهذا الحق، وبالرجوع إلى السند القانوني في المغرب، وقبل دستور 2011 ،لا نجد نصا خاصا يضمن حق الحصول على المعلومات5،وحتى الدساتير السابقة لم تخصص نصا خاصا ومستقلا يضمن للمواطنين وحتى للصحفيينهذا الحق،فجميع الدساتير منذ 1962 إلى غاية دستور 1996 لم تضم فقرة واحدة6،والتي كانت قياسا على ما جاءت به المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وإن كانت هناك خطوات تأسيسية7 وممهدة لإصدار قانون حول الحق في الحصول على المعلومات، لكنها لم تكن كافية لضمان ممارسة هذا الحق وكفالته بشكل فعال8. لكن الأمر تغير في دستور92011 ،إذ جاء بمجموعة من المستجدات ذات الصلة بحقوق الإنسان مع مراعاة طابعها الكوني و عدم قابليتها للتجزيء10، والذي ساير التوجه العام الذي سارت عليه الدساتير الجديدة أو المعدلة 11، من خلال تنصيصه على الحق في المعلومة 12 ، حيث تم التعريف بهذا الحق بشكل صريح من خلال الفصل 27 منه 13 وبالتالي يكون المغرب بهذا الأمر، قد عرف طفرة نوعية في مجال إقرار الحق في المعلومة، حيث كرسها في أسمى قانون للبلاد 14 ، وأوجب على أن هذا الحق سيكون موضوع قانون، وأصبح المغرب أول بلد عربي يستحدث نصا دستوريا يكفل الحق في المعلومة 15 ، وبالتالي أصبح من الممكن الحديث عن بداية عهد جديد من الشفافية والانفتاح والممارسة الديمقراطية، وتحسين علاقة المواطنين بالإدارة وتوسيع مجال الحقوق و الحريات ، بالرغم من أن ذلك لا يعدو كونه مجرد بداية الطريق للقطع مع ثقافة السرية ،والكتمان التي ظلت تشكل قاعدة أساسية في طريقة تدبير الشأن العام.16 كما تتمثل القيود على هذا الحق فقط في ضرورة اتخاذها للشكل التشريعي، متخذة مبرراتها في ضرورة حماية الأمن وحماية الحياة الخاصة للأفراد، وبالتالي يفترض أن تصبح كافة العوائق – تشريعية كانت أو تنظيمية والتي لا تزال سارية المفعول- مقتضيات. غير دستورية17, كل التشريعات الدستورية التي نصت على الحق في المعلومة، لم تترك هذا الحق مطلقا، بل قيدته بمجموعة من الاستثناءات والقيود، حيث أقرت بوجود ظروف معينة لا ينبغي نشر المعلومات في ظلها،لأنها قد تضر بمصالح عامة أو خاصة ،وتتشارك جميعها تقريبا في عدد الاستثناءات ،ومن بينها الدستور المغربي، حيث تتعلق هذه الاستثناءات بحماية الأمن الوطني والعلاقات الدولية، وخصوصية الأشخاص، والسرية التجارية والصناعية، وإنفاذ القوانين والنظام العام، والمعلومات السرية ،والمناقشات الداخلية. وهكذا نصت الفقرة الثانية من الفصل 27 من دستور 2011 على أنه لا يمكن تقييد الحق في المعلومة إلا بمقتضى القانون، بهدف حماية كل ما يتعلق بالدفاع الوطني، وحماية أمن الدولة الداخلي والخارجي، والحياة الخاصة للأفراد، وكذا الوقاية من المس بالحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في الدستور، وحماية مصادر المعلومات والمجالات التي يحددها القانون بدقة 18. إذ أعطى التقييد الذي نص عليه الدستور، الحق في حماية المعلومات المتعلقة بالدفاع الوطني، وكذلك التي لها علاقة بأمن الدولة الداخلي أو الخارجي، وأيضا المعلومات المتعلقة بالحياة الخاصة للأفراد، وكذلك كل المعلومات التي من شأن الحصول عليها أن تمس بالحقوق والحريات الأساسية المنصوص عليها في الدستور، وبالتالي هذا الحق ليس مطلقا وإنما ترد عليه عدة قيود والتي تهدف بالأساس إلى حماية مصالح المجتمع والأفراد على السواء 19،ونجد كل قوانين حرية الحصول على المعلومات في العالم لا تخلو من مثل هذه القيود20. كما تظل مشكلة القيود أو الحدود هي دائما ضرورية خصوصا عندما نريد تحديد تعريف لهذا الحق، كما جاء في المادة الرابعة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أن القيود محددة في القانون، والتي تعد أمرا ضروريا، حيث لا يوجد حق للمعرفة دون اشتراطات أو حدود، فالمعلومة ذات الطبيعة العموميةهامة وحساسة أحيانا وترتبط في مناسبات غير قليلة بأدق حساسيات الشأن العام كالأمن والدفاع، كما أنها قد تتعلق بخصوصيات الأفراد وحياتهم الخاصة، وإنها لا يمكن أن تقر إلا بمقتضى القانون 21. لذلك يبقى اختبار الدقة والوضوح الحجر الأساس لتقنين القيود والاستثناءات، لأن الإبقاء على العبارات الفضفاضة وتوسيع الاستثناءات وتركهما للسلطة التقديرية للإدارة أو حتى للقضاء من شأنه أن يفرغ حرية التعبير وحق المعلومة من مضمونهما . كما تم وضع تقنيات للحد من السلطة التقديرية للإدارة في تقييم الاستثناءات، فهناك ثلاثة أنواع من الاختبارات22 : يستند الأول إلى مبدأ التناسب والسعي لتحقيق التوازن بين المصالح المتنافسة : من جهة مصلحة حصول المواطنين على الوثائق العامة ' ومن جهة أخرى المصلحة التي يحميها .balancing test القانون في إطار القيود، هذا يسمى باختبار التوازن ,اختبار ثان يتعلق بتقييم خطر الأضرار التي يمكن أن تحدث لإنتاج وثيقة أو معلومات معينة، فإذا كان إنتاج الوثيقة لا يسبب ضررا للمصلحة العامة المحمية بالقانون، ينبغي .harm test أن تكون الوثيقة متاحة للعموم، يسمى باختبار الضرر, أما الاختبار الأخير و المتعلق بالنظر إلى المصلحة العامة، فإذا كانت المصلحة العامة ضرورية للحفاظ على الاستثناء، وإذا كان حصول الجمهور على وثيقة من شأنه أن يمس بالمصالح المقيدة، ينبغي التحقق ما إذا كانت المصلحة العامة في الحصول على المعلومات تفوق المصلحة المحمية بالقانون، آن ذاك يجب إتاحة المعلومات للجمهور23.إذن من البديهي والمتعارف عليه أن تمثل أمور لها علاقة بالدفاع والأمن الوطني والحياة الخاصة للأفراد قيودا على الحق في المعلومات، بيد أن النص المذكور في معرض حديثه عن تحديد الحق يذكر أن التقييد يأتي بهدف حماية كل ما يتعلق بالدفاع الوطني، الشيء الذي يفهم منه أن أي مسألة تعلق بالدفاع الوطني هي خارج إطار ممارسة الحق في المعلومة، وهذه مسألة قد يكون لها انعكاسات سلبية كثيرة على ممارسة الحق لما تتيحه تلك العبارة من إمكانيات التأويل والتقدير الذي قد يتسع مداه بشكل قد لا يتماشى والتكريس المأمول للحق24 . كما أن النص الدستوري يتميز بالوضوح، وذلك بالتأكيد على الحق في المعلومة الموجودة في حوزة الإدارة العمومية، والمؤسسات المنتخبة، والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام 25 ، وهو الحق الذي لا يمكن تقييده إلا بمقتضى القانون ، بالتالي بدأت مرحلة جديدة من الإقرار والاحترام الفعليين للحق في الاطلاع على المعلومات العامة. وإن كان الدستور نص صراحة على الحق في المعلومة من خلال الفصل 27 ، فإنه لم يخل من فصول أخرى في الدستور، و التي تعترف بهذا الحق لكن بطريقة ضمنية، والتي يمكن إيجازها في ما يلي. ثانيا :مضمون حق المعلومة من خلال فصول أخرى لدستور 2011 حق المعلومة من خلال الفصل 68 من الدستور تعتبر جلسات البرلمان علنية، وبالتالي ينشر محضر مناقشات الجلسات العامة برمته في الجريدة الرسمية للبرلمان، لكن يحق لكل من المجلسين أن يعقدا اجتماعات سرية بطلب من رئيس الحكومة، أو بطلب من ثلثي أعضائه الفصل 68 من دستور1201. كما تعتبر الأسئلة الشفوية والكتابية أحدى أهم الآليات المرتبطة بالولوج إلى المعلومات، وأدوات وصول البرلماني إلى المعلومات من مصادرها المباشرة، أي أعضاء الحكومة، وهي الأكثر استعمالا في البرلمان المغربي بحكم سهولة مسطرة تفعيلها .26 حق المعلومة من خلال الفصل 117 من الدستور ينص الفصل 117 من دستور 2011 أن القاضي يتولى حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي، وتطبيق القانون، ويضيف الفصل 123 علنية الجلسات، ماعدا في الحالات التي يقرر فيها القانون خلاف ذلك. إذ ينطوي الحق في المعلومة القضائية على أهمية كبيرة، كونها تتركز في أجهزة السلطة القضائية وقد لا تتوافر في مصادر أخرى خارج هذه الأجهزة، وبالتالي يحقق الإطلاع والوصول إلى هذه المعلومات جانبا معرفيا مهما يساهم في تطوير عمل السلطة القضائية نفسها، و تطوير عمل الدولة بشكل عام. كما يعني حق الجمهور في الوصول إلى المعلومة القضائية27، قدرته على الحصول على المعلومة بكافة الوسائل والوسائط المسموعة والمرئية والمقروءة والمطبوعة، وأية وسائل أخرى ممكنة، بحيث تشمل وصول المعلومة الوظيفية المهنية التي تتعلق بالأداء القضائي للمحاكم، والمعلومة المتعلقة بالجوانب الإدارية والمالية التي تمارسها كافة أركان السلطة القضائية بما فيها النيابة العامة ،وذلك بطريقة سهلة وميسرة وبتكاليف معقولة وفي زمن معقول28. حق المعلومة من خلال الفصل 148 و 158 و 167 من الدستور نص الفصل 148 من الدستور على أن المجلس الأعلى للحسابات ملزم بنشر جميع أعماله، بما فيها التقارير الخاصة والمقررات القضائية، كما يفرض الفصل 158 على الشخص منتخبا كان أو معينا، الذي يمارس مسؤولية عمومية، أن يقدم طبقا للكيفيات المحددة في القانون، تصريحا كتابيا بالممتلكات والأصول التي في حيازته،كذلك يلزم الفصل 167بإنشاء هيئة وطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة و محاربتها، وتتولى تلقي ونشر المعلومات في مجال الوقاية من الرشوة ومحاربتها في إطار ماهو موكل إليها من مهام29 إذن نستنتج أن الدستور المغربي ومجموعة من الدساتير المقارنة، أقرت بالحق في المعلومة، مما يضفي على أهمية هذا الحق في تكريس مبادئ الديمقراطية، باعتبارها إحدى الدعائم الرئيسية لحقوق الإنسان، وإن كان هذا الحق ليس مطلقا، بل ترد عليه بعض القيود لحماية المصلحة العامة والخاصة للأفراد. * طالب بحاث في سلك الدكتوراه تخصص القانون العام والعلوم السياسية