لم يكن الوالد يدري، أن ابنه أحمد، الذي رافقه وهو صغير، خلال هجرته، سيحظى، حين يكبر، بثقة سكان إحدى ثاني أكبر المدن الهولندية، روتردام، وينصبوه عمدة لبلديتهم عام 2009، في شكل اعتراف منهم بالثقة التي بات يحظى بها في أوساطهم. بعدما شغل منصب وزير الدولة للشؤون الاجتماعية والعمل ضمن إحدى الحكومات الهولندية السابقة، التي كانت قد ضمت وزيرة أخرى مسلمة أيضا من أصول تركية. وكبر الولد، أحمد بوطالب، القادم من مدينة الناظور، رفقة أسرته ضمن موجات الهجرة المغربية إلى أوروبا، ليستقر بهم المقام في هولاندا، وطنا ثانيا مفضلا للحياة. داخل المشهد السياسي الهولندي، اختار أحمد التموقع على اليسار، مع حزب العمل اليساري. اختيار بدا عقلانيا للمتتبعي المشهد الهولندي، بالنظر إلى الأطروحات الفكرية التي يحملها اليسار في أوروبا عموما، وأيضا لجانب القيم التي يكتنزها، خصوصا في ظل تواجد جالية بحثت لعقود عن كيفية الاندماج، وواجهت موجات عنصرية اليمين، والراديكالي منه على الخصوص، قبل أن يتحقق لها ذلك، رغم استمرار الخطابات العنصرية المعادية، والمسيئة والإقصائية لهم. خلال الصيف الماضي، رشحه استطلاع للرأي في هولندا لأن يكون رئيس الوزراء المفضل لنسبة كبيرة من الهولنديين، وهو الذي كان قد سبق وأن أبان عن تجربة في الأداء الوزاري، حين كان وزيرا. إلا أن بوطالب، المعروف بخطاباته القوية والواضحة في آن، استطاع أن يوصل الرسالة، والتي اخترقت، أصواتا من اليمين كذلك. وكان استطلاع للرأي، أجري في هولندا الصيف الماضي، قد طرح سؤالا جديا، حاول ملامسة مدى قابلية الهولنديين إن كان مواطنا هولنديا، من أصول أجنبية، يتحمل لمسؤولية حكومية في هولندا. كان السؤال يتعلق، تحديدا، بأحمد بوطالب، عمدة مدينة روتردام. نتائج الاستطلاع، الذي كان قد أجراه معهد تابع للباحث "موريس دو هوند"، ومقره أمستردام، عبر الأنترنت، على عينة من 2500 شخص، من مجموع 40000 شخص شملهم الاستطلاع، حاز بموجبه بوطالب على أعلى نسبة من الأصوات، من بين عشرة سياسيين هولنديين، بل إنه كشف على أن أصوات من اليمين الهولندي عبرت عن قابليتها لذلك. أحمد بوطالب الذي قال يوما خلال أحد الحوارات التلفزية: "من لم تعجبه ديمقراطية هولندا فليذهب إلى اليمن"، كان يعرف جيدا، ماذا تعنيه هولندا بالنسبة إليه، وهو الذي كان قد أتى إلى بلاد الأراضي المنخفضة، حين كان "على باب الله"، ولا يملك ولو مليما في جيبه، إلا من تطلعات متفائلة نحو حياة أكثر حرية. لذلك، لم يكن غريبا اشتهاره بدفاعه ومواقفه الجريئة عن قضايا الهجرة والمهاجرين، في مواجهة يمين شرس، سواء أكان وسطا أومتطرفا. واستطاع بوطالب، أن يواجه موجات العنصرية اليمينية تلك بتحدي كبير، التي وصلت إلى حد مطالبته، من أحد مسؤولي حزب الحرية اليميني، بأن يثبت ولاءه وإخلاصه لهولندا، مشككا في الوقت ذاته، إن كان بإمكانه أن يصبح عمدة لثاني مدينة في هولندا، قبيل انتخابات عمادة المدينة، قبل أن يفاجأ اليميني نفسه بأن أصواتا من ناخبيه، عبرت عن أنه ليس لديها مشكل في كون بوطالب ينحدر من أصول مغربية. وعلى الرغم من شهرته وسمعته في الأوساط الهولندية، تبقى فرص وصوله إلى رئاسة الحكومة الهولندية، ضئيلة ومحكومة باعتبارات أخرى، وليس إلى كونه من أصول مغربية، إذ أن المواطنون في هولندا، خلال هذه الفترة، لم يعبروا بعد بالشكل الكافي، عن تحبيذهم لحكومة يسارية، حسب ما يراه متتبعون للشأن السياسي الهولندي.