ديربي العرب .. ليس انغماسا في متاهات التكتيكات والتقنيات، وليس انتصارات وانكسارات، ولا حتى ركوبا على صهوة النوستالجيا والتباهي بالأمجاد والمفاخر والبطولات، هو “حب جارف” يكتسح أجواء المدينةالبيضاء، كما تكتسح قطرات الندى خدود الأزهار الفيحاء، فتقسمها إلى عشاق ومعجبين ومتيمين، بعضهم مهووس بحب “الخضرة” و بعضهم الثاني مسكون بهيام “الحمرة”، وبين تفاصيل “الخضرة” الغالية والحمرة “الزاهية”، انبعثت “رجاء الشعب” وولدت “وداد الأمة” من رحم مدينة بيضاوية، صار “الديربي” قدرها المحتوم و “سفيرها فوق العادة”.. موقعة الإياب، دارت طقوسها على غرار ما حدث في نزال الذهاب، بدت كقصيدة فيحاء، أقوى من الوصف وأبعد ما يكون من المدح، أبياتها سحر وقوافيها جمال ومفرداتها تميز أقرب إلى الخيال .. مركب رياضي نصفه الأول “خضرة” ونصفها الثاني “حمرة”.. حضرت بين مدرجاته الأصوات والحناجر والطبول والهتافات، والزغاريد والأعلام والرايات والشعارات .. حضرت فيه الحركات والسكنات والتصفيقات والتشجيعات، كما حضرت “التيفوهات” واللوحات الكاليغرافية، بشكل يعجزه عن وصفه بيان وعن تشكيل معالم لوحاته لسان .. انتصرت “الخضرة ” (رجاء الشعب) وانكسرت “الحمرة”(وداد الأمة) في آخر الأنفاس في مبارة مجنونة للتاريخ .. وانشطرت القلوب انشطارا بين منتصرين مزهوين ومنهزمين منكسرين .. وبين لوعة الانتصار وأنين الانكسار، ستواصل “الخضرة” المسار ضمن كبار نهائي مسابقة “محمد السادس للأندية الأبطال”.. انتهت “الموقعة” لكن “الحرب الرياضية” مستمرة إلى الأزل بين الغريمين التقليديين “الرجاء” و”الوداد”.. وسيستمر الجدل واللغط والنقاش في انتظار تماس جديد ضمن مباريات “البطولة الاحترافية” .. لكن وبعيدا عن متاهات الربح والخسارة، فالديربي العربي، هو ما رسم ويرسم في المدرجات من لوحات فنية خارج سدة الوصف وزمرة البيان، من قبل جماهير عاشقة، بها يسمو “الديربي” في سماء التميز والخيال .. لوحات فنية لامجال فيها للصدفة والعبث، فيها فلسفة وهندسة وخلق وإبداع وابتكار وسحر جمال ..الديربي العربي .. هو حياة مدينة تتنفس كرة قدم، تتقاسم كما يتقاسم شعب بأكمله حب “الرجاء” وعشق “الوداد”.. هو أحاسيس وانفعالات .. هو عرس أسطوري لا كالأعراس، يسيل مداد الأقلام ويلهم الإعلام .. هو جنود خفاء يحترقون كالشمع لصناعة الديربي العربي الكبير، منهم مختلف الوحدات الأمنية، التي تتجند بدون كلل أو ملل على امتداد ساعات، لتأمين الديربي وتأطير عشرات الآلاف من الجماهير المهووسة بحب الرجاء والوداد .. الديربي هو ديريبات متعددة المستويات .. في ستاد دونور .. في المقاهي والبيوتات والأسواق والمحلات .. هو قبل هذا وداك، سحر مدينة وثقافة شعب .. انتهى “الديربي” ككل الديربيات، على إيقاع الفرحة والجنون، والحسرة والفنون، في انتظار “ديربي” جديد، تتجدد معه حكايات سحر لاينمحي وجمال لا ينتهي .. مباراة مجنونة وفت بكل الوعود، وإبداع في المدرجات تتجاوز العهود وإثارة تجاوزت الحدود، وتغطية إعلامية غير معهودة، نجحت إلى أبعد مدى، في نقل أروع صورة لأروع ديربي .. ونختم بالقول، أن “ديربي العرب”، ليس فقط “رأسمال لامادي” مغربي، ولا “سفيرا فوق العادة” لكرة القدم المغربية، هو “أيقونة” للتوهج العربي، يمكن الرهان عليها، لكسب رهانات الوحدة العربية المأمولة .. فهنيئا للخضرة .. وحظا أوفر للحمرة .. هنيئا للخضرة والحمرة على ديربي التاريخ والأحلام والجنون .. هنيئا لرجاء الشعب .. هنيئا للمغرب الذي وهب “العرب” .. واحدا من أكبر الديربيات في العالم وأكثرها سحرا وإثارة وجمال .. على أمل أن يواصل “النسور” .. المسار في مضمار مسابقة عنوانها العريض : كأس محمد السادس للأندية الأبطال” ..