ذات مرة، جمعني نقاش حقوقي مع فاعلين حقوقيين من مغاربة المهجر، وقتها كانت برامج (الشات) والغرف الصوتية في أوج إشعاعها التواصلي. أتذكر أن أحدهم سألني عن أقصى ما يمكن أن تصل إليه الممارسات التعسفية ضد الإنسان… لم أفكر كثيرا في صياغة الإجابة، فكان ردي ببساطة؛ تشميع البيوت، جواب أدهشهم بل لم يتوقعه أحد، وأمام ذلك صمتوا هنيهة قبل أن يستوضحوا مني ماذا أعني بالضبط بتشميع البيوت… هؤلاء الحقوقيون لم يكن أكثرهم تشاؤما يظن أن في المغرب وفي الألفية الثالثة قرارات تصدرها الدولة وتفيد باقتحام بيوت مواطنين عُزّل ثم إغلاقها بأختام الدولة، وطبعا التهمة الجاهزة هي الانتماء الفكري والتربوي إلى جماعة العدل والإحسان، وهي مكون مجتمعي سلمي معارض، كما بات يعرفه المهتمون وغير المهتمين، خاصة حينما قال عبد الواحد المتوكل رئيس الدائرة السياسية للجماعة؛ ” إن لجوء المخزن إلى هذا السلوك البدائي لن يستدرجنا إلى العنف المضاد، ولن يدفعنا إلى الانجرار وراء الخطة المخزنية التي تهدف إلى الإلهاء والتغطية على المشاكل الحقيقية للبلاد”. وحتى يتضح الفعل ورد الفعل أسرد في هذا الصدد ما دوّنه الشاب عثمان أيت عمي عقب تشميع منزل أسرته بمدينة الجديدة؛ “تخيلوا معي :أن تخرج آمنا مطمئنا من منزلك صباحا لقضاء بعض أغراضك، وحين عودتك تفاجأ كون بيتك تم تكسير بابه واقتحامه ثم إغلاقه بالسلاسل..للأسف لم يبق هذا الموقف حبيسا للخيال، فهذا ما حدث لبيتنا صباح هذا اليوم بمدينة الجديدة”، ويقصد بعبارة صباح اليوم، الأربعاء 27 فبراير 2019. أكيد أن أصدقائي الحقوقيين لا يعلمون أن قرار التشميع هو فقط الجزء الظاهر من جبل الجليد ضمن سياسة ممنهجة في التضييق على المواطن المغربي عامة وأعضاء الجماعة على وجه الخصوص، كونهم اختاروا موقفا سياسيا حضاريا يقول صراحة؛ لا للفساد ولا للاستبداد، في وقت تحتاج الدولة فعلا وقولا لهكذا مواقف ولهكذا مكاشفات. كثيرون طالبوا المتضررين باللجوء للمحاكم بهدف انتزاع الحقوق وفك الحصار عن البيوت وأيضا عن الأفكار، وهو كلام صحيح في شكله، لكن واقع الحال يؤكد أن المحكمة الوحيدة التي بات المغاربة يضعون فيها ثقتهم وشكاواهم هي المحكمة الإلهية، إلى أن يصل مهندسو هذه القرارات التعسفية إلى حقيقة أن وطننا يجب أن يسع الجميع دون إقصاء أو استئصال.